التعاون العسكري المغربي- الإسرائيلي يسقط حسابات الجزائر بشأن التفوق العسكري على المغرب، وهو ما بات يثير قلق الأوساط السياسية والعسكرية الجزائرية حيث يرى بعضها أن التعجيل بالحرب هو الخيار الأمثل لربح المعركة.
يعكس رفض جبهة البوليساريو للحوار الأممي بالإضافة إلى التصريحات المتتالية للمسؤولين الجزائريين بشأن انزعاجهم وقلقهم من التقارب المغربي – الإسرائيلي أن الجزائر انتبهت أخيرا أنها محاصرة تماما في ملف الصحراء المغربية سواء سياسيا أو عسكريا.
ولم تتوقف الجزائر ولا جبهة البوليساريو منذ إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بمغربية الصحراء قبل نحو عام، عن التلويح بالحرب وأقدمت ميليشيات البوليساريو على استفزازات عسكرية رد عليها المغرب ما أثار مخاوف من اندلاع حرب.
لكن التعاون العسكري المغربي – الإسرائيلي يبدد أي آمال للجزائر بتحقيق انتصار عن طريق الحرب، لذلك ترى مصادر عسكرية جزائرية أنه من الضروري التعجيل بالخيار العسكري.
وحذر مسؤول عسكري جزائري من إمكانية تغير موازين القوة العسكرية في المنطقة لصالح المغرب خلال السنوات القليلة القادمة، بعد اتفاقيات التعاون والتسليح التي أبرمتها الرباط مع تل أبيب مؤخرا، في إشارة إلى الزيارة الأخيرة التي قادت وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للمغرب.
وكشف المتحدث في تصريح نقلته صحيفة “لوبوان” الفرنسية، بأن “شن الحرب على المغرب يجب أن يتم اليوم، لأن الوضع في غضون ثلاث سنوات يكون قد تغير”، في إشارة إلى أن بلاده تملك حاليا فرص التفوق العسكري، على عكس السنوات القادمة التي قد ترجح فيها كفة المغاربة.
السعي إلى تسوية ملف الصحراء على مستوى الاتحاد الأفريقي يهدف إلى تغييب دور الجزائر ومسؤوليتها في هذا النزاع
ولفت المسؤول الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته، والمرجح أن يكون ضابطا ساميا متقاعدا، لأن المسؤولين العاملين في المؤسسة مرتبطون بواجب التحفظ، طبقا للقوانين الناظمة لعمل أفراد الجيش، إلى أنه “واثق من التفوق العسكري المفترض للجيش الجزائري”.
ويبدو أن خيار المواجهة العسكرية بين البلدين يبقى خيارا غير مفضل رغم رغبة الطرفين في كسب رهان التفوق الاستراتيجي، حيث ذكر المسؤول العسكري في تصريحه بأن بلاده “لا تريد الحرب مع المغرب لكنها مستعدة لخوضها، وإذا كان لا بد من القيام بذلك، فيجب أن يكون اليوم، لأننا متفوقون عسكريا على جميع المستويات، وقد لا يكون هذا هو الحال بعد بضع سنوات”.
وأعرب المتحدث بأن أكبر ما يقلق الطرف الجزائري هو دعم إسرائيل للمغرب، وهذا سيكون عاملا يغير قواعد اللعبة في غضون ما يُقدر بثلاث سنوات، وهي المقاربة التي تذهب إليها العديد من التحاليل الاستراتيجية التي استنتجت أن المنطقة بصدد دخول مرحلة جديدة، بعد أن صارت إسرائيل لاعبا لأول مرة في منطقة المغرب العربي.
ورغم أن الاتفاق المبرم مؤخرا في الرباط بين المغرب وإسرائيل يبقى غير واضح المعالم، إلا أنه يمثل منعرجا جديدا وخطيرا بالنسبة إلى الجزائريين، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية رمطان لعمامرة بأن بلاده باتت في خط مواجهة مع إسرائيل، وهو معطى لم يكن في الحسبان.
وذكر المسؤول العسكري أنه “في الوقت الحالي، يطلب الأميركيون من الإسرائيليين عدم توفير أنظمة أسلحة يمكن أن تسبب اختلالا عسكريا فوريا لصالح المغرب، لكن أكثر ما يقلق الجزائريين هو الأسلحة المتعلقة بالحرب الإلكترونية والطائرات دون طيار”.
وتكهنت “لوبينيون” الفرنسية بأنه “إذا نشأ نزاع مسلح بين البلدين، فمن المحتمل أن ينطلق من منطقة الصحراء، وأن سلاح البر هو نقطة ضعف الجيش المغربي، وأن تفوق الجيش الجزائري هو أمر نسبي”.
وأضافت “الخبراء يعرفون أن مقارنة عدد الطائرات أو الدبابات أو الرجال أو السفن غالبا ما لا تكون لها أي معنى من الناحية العسكرية، وأن العديد من السيناريوهات مطروحة على الطاولة في حالة حدوث مواجهة مسلحة بين البلدين، ويبدو أن خيار الرد التدريجي هو المرجح، وأحد الخيارات هو منطقة حظر طيران تستهدف الطائرات المغربية، الطائرات دون طيار على وجه الخصوص، فوق الشريط الذي تسيطر عليه البوليساريو”.
ونقلت عن المسؤول الجزائري قوله “عسكريا نحن متفوقون جدا على المغاربة”. وهو ما عززت به تحليلها بكون “الجزائر تنفق على جيشها أموالا أكثر بكثير مما ينفقه المغرب، فعلى مدى الأعوام العشرة الماضية اشترت الجزائر ضعف التجهيزات (10.5 مليار دولار) التي اشترتها المملكة المغربية (4.5)”.
وبالتوازي مع هذه التصريحات، رفضت جبهة البوليساريو المشاركة في المفاوضات الأممية حول الصحراء المغربية، وهو ما اعتبره مراقبون مناورة جديدة تهدف لربح الوقت.
وقال زعيم البوليساريو إبراهيم غالي إن الجبهة الانفصالية لن تشارك في اجتماعات الطاولة المستديرة حول قضية الصحراء المغربية، لكن يمكن للبوليساريو أن تذهب إلى تسوية لقضية الصحراء “من خلال تنظيم مفاوضات بين طرفي النزاع (المغرب/جبهة البوليساريو) برعاية الاتحاد الأفريقي”.
مسؤول عسكري جزائري يحذر من إمكانية تغير موازين القوة العسكرية في المنطقة لصالح المغرب خلال السنوات القليلة القادمة، بعد اتفاقيات التعاون والتسليح التي أبرمتها الرباط مع تل أبيب
وأضاف غالي في حوار مع التلفزيون الجزائري الأربعاء أنه مستعد للعودة إلى المفاوضات شريطة “تحقيق ضمانات دولية تكفل للشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره، ودخول الاتحاد الأفريقي على خط إيجاد تسوية للنزاع”.
وأوضح الخبير في القانون الدولي محمد لكريني أن “السعي لتسوية ملف الصحراء على مستوى الاتحاد الأفريقي يهدف إلى تغييب دور الجزائر ومسؤوليتها في هذا النزاع، علما أنه تم التأكيد في العديد من القرارات الأممية سواء على مستوى قرارات مجلس الأمن أو تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمسؤولية الجزائر كطرف معني في هذه القضية“.
ويرفض المغرب تدخل الاتحاد الأفريقي في ملف الصحراء، ويعتبر ذلك تهديدا للعملية السياسية التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة وحظيت بدعم من جميع الأطراف والمجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان الأفريقية.
وبحسب لكريني، فإن المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة تتيح إمكانية قيام التنظيمات الإقليمية في ما له علاقة بحفظ السلم والأمن الدوليين بتسوية مثل هذه الملفات شريطة أن يكون هذا العمل ملائما ومناسبا ما دامت أنشطة هذا التكتل منسجمة مع أهداف ومبادئ منظمة الأمم المتحدة، وهو ما ليس متوفرا.
ويأتي قرار جبهة البوليساريو بعد أسابيع من اتخاذ الجزائر قرارا مماثلا، حيث أكد مبعوث الجزائر الخاص المكلف بقضية الصحراء ودول المغرب العربي عمار بلاني أن “الجزائر لم تلتزم أبدا بأن تكون جزءا مما يسمى بالمائدة المستديرة”، وأضاف أننا “نؤكد رفضنا الرسمي الذي لا رجعة فيه لما يسمى بصيغة المائدة المستديرة”.
ويفسر مراقبون رفض البوليساريو للحوار على أنه تهرب من قرارات مجلس الأمن، وبحسب محمد لكريني فإن قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007 إلى حدود الساعة تؤكد على جدية ومصداقية مشروع الحكم الذاتي مقابل التشكيك في مقترح البوليساريو والجزائر بإجراء الاستفتاء لتقرير المصير.