المغرب يحتفي بتراثه اليهودي في اليوم الوطني للأرشيف

يوسف الفرج

احتفى المغرب الثلاثاء باليوم الوطني للأرشيف، الذي يوافق الثلاثين من نوفمبر من كل عام، وقد خصصه هذه السنة للتراث اليهودي – المغربي باعتباره إرثا عريقا لا يقدر بثمن، ومتجذرا ضمن خصوصية مغربية فريدة من نوعها في العالم.

ويرسخ هذا اليوم الوطني، الذي يروم توعية الرأي العام بأهمية الأرشيف، الدور الرئيسي للتراث الثقافي اليهودي – المغربي باعتباره نموذجا بليغا للتعايش والعيش المشترك لآلاف السنين، والذي يستمد قوته من الهوية التعددية للثقافة المغربية الغنية.

وفي هذا الصدد، قال مدير مؤسسة أرشيف المغرب جامع بيضا إن المؤسسة ستحتفي هذه السنة بالتراث اليهودي – المغربي، من خلال معرض استثنائي تكريما لذكرى المفكر المغربي – الفرنسي حاييم الزعفراني، المتخصص الكبير في ثقافة اليهود السفاراديم والعلاقات بين اليهود والعرب.

ويعتبر الزعفراني من أبرز أعلام يهود المغرب، إذ ساهم طيلة عقود من البحث في إحياء تراث ثقافي عريق لليهود المغاربة بعيدا عن النظرة الاستشراقية أو السياسية أو الاستعمارية الضيقة. فحفر في الملامح الحقيقية لليهود ووطنهم المغرب والتي تفند الصورة الخاطئة التي رسخها الفكر الغربي من أن اليهود كانوا مضطهدين ومشتتين.

يرسخ هذا اليوم الوطني، الدور الرئيسي للتراث الثقافي اليهودي – المغربي باعتباره نموذجا بليغا للتعايش والعيش المشترك لآلاف السنين

وأكد الزعفراني في ما كتبه على التعايش الذي كان قائما بين اليهود والمسلمين في المغرب، فيما ثمن في مختلف بحوثه التراث الفكري والروحي الذي أورثه الأجداد القشتاليون واليهود المغاربة أحفادهم، إذ عرفت المجموعات المغربية طوال القرون الأربعة الأخيرة من تاريخ المغرب بكل تقلباتها، كيف تحفظ تلقائيا كنز الثقافة الذي تسلمته لإنعاشه وبعث الحيوية فيه وإخصابه.

وقال بيضا “إن أسرة الزعفراني وهبت الأرشيفات الخاصة به لمؤسستنا عن طريق جمعية الصويرة موكادور”.

ويأتي هذا الاحتفاء بالتراث الثقافي اليهودي – المغربي ضمن الجهود التي يتم بذلها حاليا في المغرب لاستعادة التراث اليهودي مثل أحياء الملاح، والبيَع، والمقابر، والمتحف الذي دُشِّن مؤخرا بفاس، والمتحف الحالي في الدار البيضاء، دون إغفال قرار المغرب إدراج تاريخ اليهود المغاربة في المناهج الدراسية. حيث اختار المغرب أن يعرّف الأجيال الناشئة على تراث اليهود المغاربة، الذين يمثلون شريحة كبرى من المجتمع، عبر المناهج الدراسية.

وترجع بعض الروايات اليهودية تاريخ اليهود في المغرب إلى القرن السادس قبل الميلاد، عندما طُردوا من بابل ووصلوا إلى شمال أفريقيا. كما زاد الوجود اليهودي في المغرب مع سقوط الأندلس حيث طرد الإسبان المسلمين واليهود على حد السواء.

وحتى عام 1940 كان اليهود في المغرب يمثلون عشرة في المئة من إجمالي السكان قبل هجرتهم إلى إسرائيل، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد اليهود في المغرب لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 2000 و2500.

وقال بيضا إنه بالإضافة إلى الاحتفاء بالإرث اليهودي – المغربي، واحتفالا بهذا اليوم، من المرتقب أن تتسلم مؤسسة أرشيف المغرب وثائق تاريخية لمتحف التاريخ والحضارات بالرباط من قبل المؤسسة الوطنية للمتاحف، بالإضافة إلى وثائق أرشيفية خاصة تم إنتاجها والتوصل بها، على مدى عقود، من طرف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، التي أسسها الناشط الأمازيغي إبراهيم أخياط.

هذا الاحتفاء بالتراث الثقافي اليهودي – المغربي يأتي ضمن الجهود التي يتم بذلها حاليا في المغرب لاستعادة التراث اليهودي

وأشار بيضا إلى أنه سيتم أيضا بهذه المناسبة إصدار طابع بريدي من طرف “بريد المغرب” تخليدا للذكرى العاشرة لمؤسسة أرشيف المغرب. وأبرز بيضا، وهو أيضا أستاذ التاريخ المعاصر، أنه من الضروري تطوير والنهوض بـ”ثقافة الأرشيف” من أجل دعم الجهود التي تبذلها هذه المؤسسة العمومية المصنفة “مؤسسة استراتيجية”.

وأكد أن تجربة مؤسسة أرشيف المغرب على مدى عشر سنوات تظهر بوضوح أن حملات التوعية التي تقوم بها تؤتي ثمارها. وأبرز بهذا الخصوص أنه “لا يمر شهر دون أن يبدي مانحون مغاربة (وكذلك أجانب) سخاءهم من خلال اقتراح منح مجموعاتهم الشخصية أو الأسرية لمؤسسة أرشيف المغرب”.

ويشكل اليوم الوطني للأرشيف، الذي يصادف تاريخ إصدار أول قانون متعلق بالأرشيف، الصادر في الثلاثين من نوفمبر 2007، كذلك فرصة للتأكيد على الحاجة الملحة لأرشفة الإبداعات الوطنية، والقيام بحصيلة في هذا المجال، وتقييم المكتسبات وتحديد التحديات الواجب رفعها.

وتحتل الوثائق الأرشيفية في العصر الحديث مكانة أساسية، بل إنه لا غنى عنها في حياة كل أمة، حيث تمكن من استعادة ماضيها من أجل استشراف أفضل للمستقبل. ولذلك، تم إعطاء أهمية لعلم الأرشفة بهدف صون والحفاظ على سلامة الوثائق المؤرشفة.

وهكذا، أصبحت الأرشفة مرادفا للحوار مع المستقبل وإرثا ثمينا موروثا للأجيال الصاعدة، مفتوحا وسهل الولوج، يجد جوهره في التاريخ الوطني والمحلي. وفي هذا الصدد، تعتبر التوعية ضرورة لتسليط الضوء في كل مرة على الأهمية المتزايدة للوثائق الأرشيفية، ليس فقط في مجال العلوم الإنسانية، ولكن أيضا على الصعيدين الاقتصادي والعلمي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: