تبون يقطع مع عهد بوتفليقة والجزائريون يقطعون مع عهده

بليدي

أكدت نسبة المشاركة المحدودة في الانتخابات المحلية أن الجزائريين ما زالوا في قطيعة مع المسار السياسي الانتخابي والسياسي الذي سطرته السلطة منذ تنحية الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن قصر المرادية في ربيع العام 2019، وأن الجزائريين يقطعون مع الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يريد أن يقطع مع عهد بوتفليقة بإجراء انتخابات متعددة وتغييرات واسعة على مناصب المسؤولين.

واللافت أن نسبة المشاركة كانت ضعيفة في العاصمة ومحيطها إلى وقت متأخر قبل إغلاق صناديق الاقتراع، فيما كانت المشاركة منعدمة تماما في بلديات مختلفة من منطقة القبائل ما يؤكد شعبية الأطراف المعارضة التي دعت إلى المقاطعة.

وتوجه السبت الجزائريون الى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية (البلديات والولايات)، التي تراهن عليها السلطة لاستكمال ما تسميه بـ”إعادة بناء المؤسسات”، لكنّ قرارا جماعيا غير معلن تكوّن قد اتخذته غالبية الجزائريين بمقاطعة الاستحقاق المذكور، تجلت بوادره في نسب المشاركة المعلن عنها جزئيا.

محمد هناد: السلطة تدَّعي أنها تريد التغيير لكنه تغيير دون مدلول

ورغم أن المسألة تتعلق بانتخابات محلية تدخل فيها مؤثرات أخرى، عكس الاستحقاقات التشريعية والرئاسية، على غرار العلاقات الاجتماعية، وحاجة الفرد إلى المؤسسة الرسمية التي يتعامل معها يوميا، إلا أن شبح العزوف والمقاطعة خيم على العملية، فمع العاشرة صباحا تراوحت النسبة في حدود الـ4 في المئة، وفي الثانية زوالا لم تتجاوز النسبة بالعاصمة حدود الـ7 في المئة.

وتشكل العاصمة عيّنة يمكن من خلالها قياس نسبة المشاركة الشعبية، ففي مختلف الاستحقاقات تكون قريبة من النسبة الوطنية، بعد دمج المناطق المقاطعة والمناطق المشاركة بقوة، حيث أظهرت صور وتسجيلات تفادى الإعلام الرسمي نقلها مكاتب الاقتراع خاوية على عروشها، وكل ما يتحرك في داخلها هم الموظفون وممثلو اللوائح المترشحة.

وكان الرئيس تبون قد أكد في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية الجمعة أن “السلطة عازمة على استكمال بناء المؤسسات وتجسيد مسار الجزائر الجديدة من خلال انتخابات محلية فتح فيها المجال أمام الطاقات الشبابية والنسوية والكفاءات الجامعية، لتكون الواجهة الأولى التي سيجدها المواطن الجزائري بداية من مطلع الشهر القادم”.

غير أن أجواء الهدوء وخلو الشوارع الجزائرية من روادها على عكس الأيام العادية ترجما حالة القطيعة بين السلطة والشارع، حيث فشلت مختلف الاستحقاقات في استقطاب الجزائريين لإضفاء شرعية حقيقية على المؤسسات الجديدة المنتخبة، وهو ما سيفضي إلى محطة شكلية جديدة تسوّق للرأي العام وللاستهلاك الإعلامي، بينما تبقى فصول الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقطّع أوصال البلاد.

وفيما تسوّق السلطة الجديدة لخطاب القطيعة مع حقبة بوتفليقة وفتح صفحة جديدة في البلاد، يبدو الجزائريون مصممين على القطع مع السلطة بقديمها الذي ثاروا ضده في فبراير 2019 وبجديدها الذي أداروا له ظهورهم في مساره واستحقاقاته.

وفيما يجري الترويج لشعار “الجزائر الجديدة” من قبل الأذرع السياسية والإعلامية للسلطة، فإن الممارسات المتراكمة في الآونة الأخيرة تذهب لتكريس منطق تجديد السلطة وتغيير واجهتها لا غير، فقد كانت العودة القوية لما يعرف بـ”الحرس القديم” في مختلف المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية إلى الواجهة بمثابة الصدمة القوية التي خيبت آمال الجزائريين بمن فيهم المتعاطفون مع السلطة.

وتقول أستاذة العلوم السياسية نبيلة بن يحيى “تتميز هذه الانتخابات عن التشريعية بالعلاقة المباشرة مع المواطن وانشغالاته”. وتضيف “أعتقد أن الانتخابات المحلية هي التي تُقَيِّم أداء بناء الثقة بين المواطن والسلطات”.

وحسب رأي المحلل السياسي محمد هنّاد “تدَّعي السلطة أنها تريد التغيير استجابة للحراك، لكنها لم تأخذ من هذا الأخير إلا كلمة ‘التغيير’ من دون مدلول وراحت تفرض أجندتها السياسية في جوّ من المونولوغ السياسي، فلم تشرك القوى السياسية في مشروع الإصلاح السياسي إلا شكليا”.

نبيلة بن يحيى: الانتخابات المحلية هي التي تُقَيِّم أداء بناء الثقة بين المواطن والسلطات

وذكر تبون الجمعة أن “الانتخابات المحلية الجديدة تندرج ضمن التعهدات التي قطعها على نفسه وأمام الجزائريين لإعادة بناء مؤسسات الدولة”، وحض الجزائريين على المشاركة القوية لأن البلدية والولاية هما الواجهة المحلية للدولة التي يتعامل معها المواطن يوميا.

وكشف أن “الحكومة ستفتح قريبا ورشة سياسية وتشريعية لإعادة النظر في منظومة الحكم المحلي، من أجل إعطاء آليات جديدة تفتح آفاقا جديدة أمام المنتخبين المحليين، للاضطلاع بمهامهم والنهوض بالتنمية في بلدياتهم”.

وجاءت رسالة الرئيس الجزائري في ظل الانتقادات السياسية والإعلامية الموجهة إلى السلطة بسبب تفردها في تسيير الشأن المحلي، وتحييد المنتخبين المحليين والتقليص من صلاحياتهم، فضلا عن تكبيل مبادراتهم بدعوى الحذر من الفساد وتبديد المال العام، وهو ما اعتبر في رأي هؤلاء “دكتاتورية” مؤسساتية تفتح الطريق أمام موظف الحكومة على حساب منتخب الشعب.

ولأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المحلية سجل غياب لبعض الأحزاب الكبرى عن بعض المحافظات والبلديات بسبب عدم القدرة على توفير لائحة مرشحين، أو إسقاطها من طرف سلطة التنظيم التي اعتمدت على التقارير الأمنية في مسألة القبول من عدمها، الأمر الذي أبرز هيمنة المقاربة الأمنية على الشأن السياسي، ووضع سلطة التنظيم في دائرة الانتقادات، رغم أن الأخيرة تحججت في ذلك بـ”قطع الطريق أمام توظيف المال في الممارسة السياسية والانتخابية، وفي مرور لوبيات تتخذ من المؤسسات المنتخبة بؤرا لها”.

واشتكت العديد من الأحزاب السياسية، بما فيها المقربة من السلطة على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، مما أسمته بـ”سطوة سلطة التنظيم”، واعتمادها تقارير وصفتها بـ”الكيدية والمفبركة في تحديد مصير مرشحيها”.

ولأول مرة أيضا في تاريخ الانتخابات المحلية بالبلاد، سجل العديد من البلديات في منطقة القبائل، عدم تقدم أيّ لائحة ترشيح لخوض غمار الاستحقاق المذكور، وهو ما يمثل سابقة أولى من نوعها، الأمر الذي يطرح إشكالية حول تسيير تلك البلديات في العهدة الجديدة (2021 – 2026)، والعلاقة بين السكان والهيئة التي تنصّبها السلطة هناك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: