القاصرون يطوّعون عنفهم لسرقة الساعات الفاخرة في باريس

تنتشر السرقة في المدن الكبرى والمكتظة وخاصة السياحية منها، وتتنوع أهداف “النشالين” وطرقهم المبتكرة في ممارسة السرقة، إلا أن اللصوص في فرنسا وتحديدا في العاصمة باريس يبدون مختلفين عن غيرهم، فهم يستهدفون منذ سنوات الساعات الفاخرة أكثر من أي شيء آخر.

ويمثل “النشل” مشكلة كبيرة في العاصمة الفرنسية خاصة في المناطق المزدحمة وحول المزارات السياحية الشهيرة، ومن حين إلى آخر تعج وسائل الإعلام بالحديث عن عمليات نشل لمجوهرات وساعات تبلغ قيمتها الملايين من الدولارات.

لكن سارقي الساعات الفاخرة الجدد في باريس باتوا يختلفون عن أسلافهم ويتميزون بأنهم من سكان العاصمة الفرنسية نفسها، وبأن بينهم نسبة كبيرة من القاصرين، ويغلب الطابع العنفي على عمليات السطو التي ينفذونها.

برز هذا الجيل الجديد من اللصوص خصوصا في العاصمة منذ صيف العام 2019، وتفاقمت الظاهرة مطلع عام 2021، حتى وصولها إلى الضواحي القريبة لباريس.

وتكشف إحصاءات رسمية أن في باريس، سجل المحققون 617 سرقة ساعات العام الماضي، و668 عام 2019، و644 عام 2018، مع ارتفاع معدل التحقيقات التي توصلت إلى معرفة الفاعلين.

وأوضح قائد الأمن الإقليمي في باريس جيل إيربو أن “لا زيادة في الظاهرة، بل فقط هناك تطور في طريقة العمل”.

أما قائدة الأمن الإقليمي في منطقة أو دو سين في غرب باريس فانيلي رافرو فشرحت أن اللصوص “يرصدون الضحية في باريس ثم يتعقبونها بوسيلة نقل عام أو على دراجة سكوتر إلى منزلها، وعندما تدخل ردهة المبنى الذي تقيم فيه، يعمدون إلى خنقها”.

ولاحظ محقق متمرس من فال دو مارن في جنوب العاصمة أن “المدهش أنهم يتصرفون بعنف شديد وأنهم قاصرون أو بالغون شباب”.

وأفاد جوليان إيربو بأنهم عموما باريسيون في العشرينات من العمر، تبلغ نسبة القاصرين منهم 44 في المئة. وكلّف نحو 30 محققا في باريس بمتابعة هذه الظاهرة. أما أهداف اللصوص فهي “الجميع. فما يهمهم هو الساعة لا الشخص”.

إلا أن إيربو قال إن خبرة هذا الجيل الجديد في الساعات “محدودة”، مشيرا إلى أن المجموعات الصغيرة المكونة من ثلاثة أو أربعة أشخاص تمكنت من الحصول فقط على “ساعتين أو ثلاث من طراز رولكس”، يعيدون بيعها على الشبكات الاجتماعية، من دون شبكة إخفاء منظمة.

وفي نانتير المجاورة للعاصمة، أدت هذه الظاهرة إلى فتح تحقيقات قضائية عدة هذا العام. ووُضِع معظم الشبان المعنيين، وهم في الكثير من الأحيان من القاصرين، رهن الحبس الاحتياطي.

وكان الصحافي ألكسندر ماير المقيم في الدائرة الخامسة عشرة في باريس ضحية لسرقة من هذا النوع الأسبوع الماضي.

وروى ماير الذي لا يزال “مصدوما” وعجز عن مزاولة عمله ليومين أنه كان يفتح صندوق بريده في ردهة المبنى الذي يقيم فيه، عندما قفز عليه رجل وطوّق عنقه كما لو كان سيخنقه.

وأضاف “حاول شابان آخران رشيقان جدا انتزاع ساعتي من يدي وضرباني على وجهي لأنني كنت أقاوم”. وتمكن ماير في نهاية المطاف من إخافة مهاجميه فلاذوا بالفرار من دون أن يتمكنوا من تحقيق مبتغاهم.

وبالإضافة إلى المكاسب السهلة التي يحققها هؤلاء الشبان من سرقة الساعات، هي تشكّل أيضا نوعا من “طقوس المرور” لهم، إذ يفاخرون بما حققوه، مما يرفع مكانتهم في أوساط الجريمة، على ما شرحت فانيلي رافرو.

وأقرّ المحامي الباريسي آلان فاجبيمي الذي تولى الدفاع عن عدد من هؤلاء الشبان هذه السنة بأنهم “عنيفون جدا أثناء السرقة، ويحاولون إظهار قوتهم، لكن عندما أراهم وحدهم خلال توقيفهم، يجهشون بالبكاء”.

وذكّر جوليان إيربو بأن سرقات الساعات الفاخرة كانت سابقا حكرا على مجموعات أكثر تنظيما. ففي عام 2013، كان ينشط في هذا المجال شبان عشرينيون تُطلق عليهم تسمية “الجزائريين” في المثلث الذهبي الباريسي – الدوائر 8 و16 و17 – وكانوا يستهدفون السياح.

وكان هؤلاء الذين تبلغ أعمارهم نحو 25 عاما يخضعون للتدريب في قراهم بالجزائر، وينتشرون في عواصم أوروبية عدة. ولكن على عكس الجيل الجديد، كانوا يرتكبون سرقاتهم من دون عنف، في الشوارع، وكانوا يختارون أغلى موديلات الساعات. وكانت لديهم شبكة إخفاء في الخارج.

ثم حلت مجموعات “النابوليتانيين” مكان “الجزائريين” وما زالت محل اهتمام المحققين.

ودرج “النابوليتانيون” على رصد أشخاص يقودون سياراتهم، فيتبعونهم على دراجتي سكوتر. وتتولى مجموعة السكوتر الأولى نزع مرآة الرؤية الخلفية الجانبية، وما إن يخرج السائق ذراعه لإعادة مرآته إلى مكانها حتى تنقض عليه مجموعة السكوتر الثانية وتنتزع ساعته.

وكان هؤلاء اللصوص خبراء أيضا، يسطون على ساعات عالية القيمة وينطلقون بها عائدين بسرعة إلى إيطاليا. وألقي القبض في أكتوبر على إحدى هذه المجموعات في باريس بعد سرقة ساعة تقدر بنحو 200 ألف يورو من سائح ألماني.