التحرش الإلكتروني ضد الأطفال ظاهرة تربك الأسر المغربية

ماموني

التحرش والتنمر الإلكتروني أضحيا ظاهرة تقض مضجع الأسر المغربية والجمعيات المعنية بحقوق الطفل ومؤسسات الدولة لما يشكلان من خطر على مستعملي الإنترنت، ما يستدعي توعية الأسر بتحمل مسؤولية الإبلاغ عن الأنشطة والمحتويات الضارة على الإنترنت، من أجل المساهمة في جعلها فضاء ممتعا وآمنا للجميع وخاصة الأطفال.

أطلقت مؤسسات مغربية الحملة الوطنية الأولى للوقاية من العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني بهدف حماية الأطفال من مخاطر العالم الافتراضي. وتهدف الحملة، التي تُنظم تحت شعار “جميعا من أجل حماية أطفالنا من العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني”، إلى تحسيس الأطفال ومحيطهم المدرسي والأسري، وكذلك مختلف الفاعلين في المجتمع المدني بخطورة ظاهرة العنف السيبراني ضد الأطفال.

ويؤكد القائمون على الحملة أن العنف الرقمي لا يقتصر فقط على التنمر الإلكتروني بوصفه المضايقة المتكررة والإهانة والتهديدات التي يتعرض لها الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل يشمل التحرش الإلكتروني الذي أصبح إشكالية تقضّ مضجع الأطفال والمراهقين، وممارَسة تتزايد أكثر فأكثر، لاسيما مع تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة والإنترنت، واستعمال الأجهزة والتطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي.

وتؤكد المعطيات الرقمية المتعلقة بهذا الجانب أن الأطفال يبقون عرضة لمخاطر العنف خلال تواجدهم في الفضاء الرقمي، ذلك أن 31 في المئة من الأطفال سبق لهم أن توصلوا برسائل وعبارات جارحة على الإنترنت، حسب المعطيات التي نشرها المركز المغربي للأبحاث متعدد التقنيات والابتكار. وهذا ما يستدعي تكاثف جهود الأسر والمعنيين بالعملية التربوية على ضرورة تلقي التلاميذ والطلبة ومستخدمي الإنترنت دورات تثقيفية حول حماية خصوصياتهم المعلوماتية على شبكة الإنترنت.

رشيد باعربي: على الأبناء عدم مشاركة المعطيات الشخصية على الإنترنت

وقد تسبب العنف الإلكتروني على فيسبوك وغيره من وسائل التواصل في مقتل العديد من المراهقين الذين انتحروا بسبب عنف رفاقهم. وأكد رشيد باعربي شريك الحملة الوطنية للوقاية من العنف السيبراني والتحرش الجنسي في تصريح لـه، أن على الآباء والأمهات تعليم الأبناء عدم مشاركة المعطيات الشخصية على الإنترنت، والقيام بتنزيل برامج الرقابة الأبوية للمساعدة على تتبع أنشطة الأطفال حتى لا يسقطوا ضحية التحرش أو العنف والتنمر.

وتم إطلاق الحملة الوطنية لوقف التحرش الإلكتروني من طرف كل من “فضاء مغرب الثقة السيبرانية” و”المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار” بدعم من الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، وبرعاية وزارة الانتقال الرقمي، وبشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، والتي تتوخى إتاحة الفرصة للمواطنين للاطلاع على كل المعلومات المتعلقة بالموضوع، والإبلاغ بشكل آمن عن الصور ومقاطع الفيديو المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال المنشورة عل الإنترنت، والإبلاغ عن العنف الإلكتروني والتحرش ضد الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع انتشار استعمال الإنترنت وخلق فضاء افتراضي بدون حدود أصبح دور الأسرة حيويا في حماية أطفالها من العنف السيبراني والتحرش الجنسي وأمرا ضروريا أكثر مما كان عليه الأمر سابقا.

وقال باعربي إن الأطفال المغاربة أصبحوا قادرين على التعامل مع التكنولوجيا في سن مبكرة دون خوف أو تردد، ويقضي البعض منهم ساعات طويلة أمام شاشات هواتفهم أو لوحاتهم الإلكترونية دون إلمام الآباء بما يفعلون.

وأكد باعربي أن ما يزيد الأمر خطورة أن الأطفال بإمكانهم التواصل مع أشخاص غرباء من جميع أنحاء المغرب والعالم، لذلك فعلى الآباء الاهتمام بأنشطة أطفالهم على الإنترنت وإظهار الاهتمام حتى يتسنى لهم التدخل في الوقت الملائم عند الضرورة، وأن يطلبوا منهم إخبارهم بما قد يصادفونه على الإنترنت، وتنبيههم بأنواع المحتويات التي يمكنهم العثور عليها وتدريبهم كذلك على كيفية التصرف الصحيح حيالها.

وقالت سعاد الطاوسي مديرة مؤسسة الطاهر السبتي وفاعلة حقوقية بجمعية التحدي إن “هذه الظاهرة بدأت في الانتشار بالمغرب بشكل مكثف خلال السنتين الأخيرتين، وذلك بالنظر إلى الإقبال المهول على استعمال التكنولوجيا، كما فرضتها التحولات التي عرفتها المجتمعات بعد انتشار كوفيد – 19 وفرض التباعد الجسدي، وبالطبع نهجت المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها التعليم عن بعد مما جعل الأطفال باختلاف أعمارهم وحتى أولئك الذين لم تكن لهم علاقة بالاستعمالات لوسائل الاتصال يستخدمونها”.

وأوضحت الطاوسي أنه وباعتبارها مديرة مؤسسة تعليمية كانوا يقومون بالتوعية حول مخاطر استعمال وسائل التكنولوجيا في ظل الأمية التكنولوجية سواء لدى الأطفال أو بعض الآباء والأمهات، مما أوقعهم في تناقض بمجرد الإعلان عن الحجر الصحي، فلم تكن لهم بدائل لاستمرار العملية التعليمية سوى اللجوء إلى تلك الآليات التواصلية.

ولاحظت الفاعلة الحقوقية وعضو جمعية التحدي للمساواة والمواطنة أن معظم الآباء يتركون أطفالهم مع الوسائل دون رقيب، ناهيك عن التزايد المهول لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف الأعمار.

◄ هناك العديد من الأطفال بغض النظر عن الجنس يتعرضون للعنف وخاصة التحرش الذي يتطور ليصبح ابتزازا جنسيا أو ماليا

وفي شهادة والدة ريان، ضحية العنف الرقمي والذي يبلغ من العمر 12 سنة، أكدت أنه “خلال فترة الحجر الصحي اضطررنا إلى اقتناء هاتف ذكي لطفلنا الصغير بحكم ضرورة الدراسة عن بعد؛ لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ تعرض ابني الصغير للتحرش الجنسي من طرف مجهول عبر ‘ماسنجر’ حيث تلقى مكالمة فيديو من طرف شخص بالغ اتبع خطة استدراج الصبي بدءا من التعرف عليه مرورا بإرسال صور ورسائل ذات طبيعة جنسية”.

وأكدت الأم لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة أنه “بعدما قطع ابني الاتصال خوفا من المعتدي، أخبرني وهو في حالة ذهول وصدمة بما مورس عليه، وبعد تفحص صفحة المعتدي، وجدنا أنه شاب في مقتبل العمر؛ لكن ما أثار شكوكنا هو أن لائحة أصدقائه تضم فقط أطفالا صغارا”.

وحسب دراسة أجرتها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة حول العنف الرقمي أو العنف السيبراني فإن هناك العديد من الأطفال بغض النظر عن الجنس يتعرضون للعنف وخاصة التحرش الجنسي الذي يتطور ليصبح ابتزازا جنسيا أو ماليا، ولا تقتصر الظاهرة فقط على وسائل التواصل الاجتماعي بل هناك ألعاب الفيديو خصوصا تلك التي تفرض محادثات ثنائية، وأكدت ذات الدراسة أن هناك 20 في المئة من الأطفال حاولوا الانتحار و45 في المئة منهم فكروا فيه، وللأسف تمكنت واحدة من ذلك وكلهن فتيات يبلغ عمرهن بين 14 و17 سنة.

وفي شهادة حية لتداعيات هذه الظاهرة الخطيرة على الأبناء، تحكي نعمة الطفلة ذات الـ14 سنة لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة أنها كانت على علاقة غرامية دامت ثمانية أشهر مع شاب يبلغ من العمر 18 سنة. وبدأت الطفلة تراسل الشاب بشكل يومي وبرضاء تام، إلى أن بلغ بها التهور حد إرسال العديد من الصور الحميمية.

وبعدما قررت نعمة قطع علاقتها به أظهر الشاب حقيقته وهددها بنشر صورها على إنستغرام أو إرسالها إلى والدها وأخيها الأكبر إن هي امتنعت عن تلبية رغباته ونزواته، ما اضطرها إلى العيش في رعب يومي خوفا من تنفيذ تهديداته، ووصل بها الأمر إلى التفكير في الانتحار في حالة وصول الصور إلى أفراد عائلتها.

العنف الرقمي لا يقتصر فقط على التنمر الإلكتروني بوصفه المضايقة المتكررة والإهانة والتهديدات التي يتعرض لها الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل يشمل التحرش الإلكتروني

وحاولت المساعدة الاجتماعية إقناع نعمة بضرورة إخبار والديها بالعنف الممارس عليها، حتى يتم وضع شكاية لدى النيابة العامة؛ لكن الطفلة القاصر رفضت بشكل قاطع، كون قنوات التواصل منعدمة بينها وأسرتها. وهذا ما يطرح سؤالا جوهريا عمّن المسؤول.

وقالت الطاوسي إن هناك تعددا في الأطراف المسؤولة عن هذا العنف وآثاره التي وصلت إلى حد الانتحار، وحددتها في العقلية الذكورية التي تسعى لتحميل الضحية الذنب، والأسر التي تجعل أحيانا من الهاتف لعبة لإلهاء الطفل دون أن تعي خطورة ذلك على الصحة النفسية مما أنتج ما يسمى بأطفال الشاشة، ناهيك عمّا يترتب عن الدخول في علاقات مع الغرباء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو.

وأيضا هناك شركات الاتصال التي تعرض خدماتها دون رقيب من خلال بيع شريحة الهاتف بثمن بخس، وبالنتيجة نجد أن عددا من الأطفال يملكون هواتف تضم كل التطبيقات دون مراقبة، إلى جانب شركات التواصل الاجتماعي، فرغم شروط الاستفادة والمرتبطة بالسن إلا أنها دون تفعيل، فبمجرد إدخال سن أكبر تتم الاستفادة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: