قادت المكاسب الدبلوماسية التي حصل عليها المغرب في ملف الصحراء إلى تصعيد جزائري وتلويح بالحرب، وهو ما قاد إلى سباق بين البلدين للحصول على أسلحة متطورة من جهة ولبناء تحالفات إقليمية ودولية ذات وزن.
وفيما استفادت الجزائر من مساعي روسيا للعودة إلى أفريقيا من بوابة مالي لتجديد التحالف التاريخي بين البلدين، حوّل المغرب انفتاحه على إسرائيل والولايات المتحدة إلى ورقة قوية في مساعيه للحصول على أسلحة دفاعية تحسبا لمغامرة جزائرية غير محسوبة.
وتتضمن استراتيجية الرباط التخطيط لشراء نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي وتعزيز الترسانة الدفاعية بمنظومة باتريوت الأميركية في نسختها المتطورة، من أجل حماية أهداف استراتيجية في البلاد، حيث يتيحان دفاعًا أفضل عن المناطق المدنية والعسكرية ذات الطبيعة الحساسة في الجنوب والجنوب الشرقي لاعتراض قذائف الهاون والصواريخ والطائرات دون طيار.
ويقول الشرقاوي الروداني، الخبير المغربي في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، إن “إدماج المغرب ضمن الدول المستفيدة من منظومة باتريوت يأتي في إطار رهان الولايات المتحدة على الأهمية الاستراتيجية للمغرب كدولة متوسطية، أطلسية وأفريقية، ودوره في حماية المصالح الاستراتيجية الأميركية، فضلا عن كونه حليفا مهما في محاربة الإرهاب”.
وما يضفي قوة على التحالف التقليدي بين الرباط وواشنطن هو الموقف الأميركي من قضية الصحراء ودعم الولايات المتحدة للمقاربة المغربية للحل، وقد بدأ هذا الموقف مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، واستمر مع إدارة الرئيس جو بايدن.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الاثنين عن دعم بلاده القوي للخطة “الجادّة والجديرة بالثقة والواقعية” التي وضعها المغرب للصحراء، في إشارة إلى خطة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية المغربية.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في بيان صدر في ختام اجتماع عقده بلينكن مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في واشنطن، إنّ “بلينكن أكّد أنّنا نواصل اعتبار خطة الحكم الذاتي المغربية جادّة وجديرة بالثقة وواقعية، وتنطوي على مقاربة يمكن أن تلبّي تطلّعات شعب الصحراء”.
ويعتبر مراقبون سياسيون أن الخيارات الدبلوماسية للرباط، والتي تقوم على تنويع الشركاء على قاعدة الاعتراف بمغربية الصحراء وإسناد الموقف السياسي بتوسيع الشراكات الاقتصادية في أفريقيا وأوروبا ومع دول أخرى من بينها الولايات المتحدة، عناصر أكسبت الموقف المغربي صلابة أكبر وقدرة على المناورة واستقطاب الحلفاء الجدد مثلما هو الحال مع الانفتاح على إسرائيل والاستفادة من الفرص التي يوفرها على أكثر من صعيد، ومن بينها خاصة التعاون العسكري والتكنولوجي.
وتندرج في هذا السياق زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى المغرب، والتي بدأت الثلاثاء وتستمر يومين، حيث يرتقب أن يوقع اتفاقا “يرسم الخطوط العريضة للتعاون العسكري بين البلدين”، وسيكون على رأسه الاتفاق بشأن حصول الرباط على نظام القبة الحديدية كسلاح فعّال في وجه الصواريخ وكذلك المسيّرات.
كما تهدف هذه الزيارة إلى “وضع الحجر الأساس لإقامة علاقات أمنية مستقبلية بين إسرائيل والمغرب”، بحسب ما أوضح مسؤول إسرائيلي.
وكانت مصادر إسرائيلية قد أعلنت سابقا أن المغرب يوجد في قائمة إلى جانب 26 دولة أخرى طلبت الحصول على نظام “سكاي لوك” المضاد للطائرات دون طيار. كما يتجه المغرب إلى تعزيز قدراته الدفاعية بشراء منظومة دفاع جديدة، إسرائيلية الصنع، مختصة في تحييد الطائرات دون طيار أو الدرونات وتسمى “قبة قفل السماء” التي من المحتمل أن تكون قادرة أيضا على تحييد صواريخ سام 6 وسام 7.
ويهدف المغرب من وراء الحصول على هذه المنظومات إلى تجنب أي سيناريو عدائي ضد منشآته في الصحراء خصوصا بالداخلة. ويتحسب كذلك لأي مغامرة يمكن أن تقدم عليها المؤسسة العسكرية في الجزائر بهدف القفز على أزماتها الداخلية.
وتقول تقارير إن الجزائر، التي لا تخفي توجسها من انفتاح المغرب على إسرائيل والولايات المتحدة والفرص التي يوفرها هذا التقارب، تجاهد للحصول على صفقة من منظومة الصواريخ الروسية الجديدة أس 500، التي ينتظر دخولها حيز الخدمة خلال العام الجاري.
وأدرج الخبير العسكري الروسي أندريه فرولوف الجزائر ضمن لائحة الزبائن المحتملين لمنظومة أس 500، لكنه لم يستبعد وجود اعتراض محتمل من قيادات عسكرية روسية ضد هذه الصفقة بالرغم من عودة التقارب بين موسكو والجزائر إلى الواجهة بالتوازي مع توتر العلاقة مع باريس ومباركة الجزائر لوجود مجموعات المرتزقة التابعة لفاغنر الروسية في مالي.
ويقول مراقبون إن الجزائر وجدت نفسها مجبرة على العودة إلى تحالفها التاريخي مع الروس بعد الأزمة الحادة مع فرنسا وتمسك الجزائريين بالقطيعة، وكذلك في محاولة لإظهار القوة السياسية والعسكرية بعد النجاحات التي حققها المغرب في ملف الصحراء والعلاقة مع تل أبيب وواشنطن. لكن إلى الآن لا يعرف إلى أيّ حد سيساير الكرملين تحمّس الجزائريين لهذا التقارب، وهل أن مصالح موسكو تتحمل عداء مع إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب ووضع نفسها في مواجهة تحالف ناشئ لمجرد الوقوف إلى جانب الجزائر؟
وما يحبط مساعي الجزائريين للحصول على المنظومة الجديدة أن مسؤولين عسكريين روس استبعدوا تسليمها للجزائر قبل 2030.
وتذكر إحصائيات متداولة أن الجزائر هي ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، بينما تعتبر روسيا مصدر الأسلحة التاريخي للجزائر؛ إذ تقتني الجزائر أكثر من 60 في المئة من أسلحتها من موسكو، وتمتلك 6 غواصات روسية الصنع، بالإضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي أس 400، كما تشكل الدبابات والطائرات والمروحيات الهجومية وأنظمة الرادارات الروسية ركيزة القوات المسلحة الجزائرية.