مصطفى بايتاس وزير شاب وسياسي محنّك يثير غضب الإسلاميين

ماموني

يعتبر من الشباب القيادي البارز داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، والنموذج المثالي لرؤية تياره في “تشبيب” الوجوه الوزارية وإعطاء الفرصة للكفاءات، كما يعدّ واحدا من أبرز نواب البرلمان خلال الولاية الماضية، وظفر بمقعد برلماني خلال الانتخابات التشريعية في العام الحالي عن الدائرة الانتخابية سيدي إفني جنوب المغرب، متدثرا بدعم العائلة والقبيلة والحزب والتجربة، ليصبح وجها حكوميا وناطقا رسميا باسمها مكلفا بالتواصل مع وسائل الإعلام.

الوزير مصطفى بايتاس الذي يخطو في عقده الخامس خطواته الأولى كان ضمن مهندسي سياسة حزبه الذي ركز على عملية التواصل مع الجمهور قبل وصوله إلى الحكومة واكتساح البرلمان والجماعات المحلية، ليختار هذه الشخصية بهدف خلق نوع من التفاعل الدقيق مع المواطن والجسم الصحافي، لعله ينتج كيمياء تخفف من الضغط على حكومته بعد اتهامها بعدم الوضوح، ففي مجال التواصل وتعزيز المقاربة التواصلية تراهن الحكومة على هذه الشخصية التي تملك خبرة هامة ومتنوعة التخصصات.

الحكومة والإعلام

حزب التجمع الوطني يختار بايتاس كمهندس للتواصل مع الجمهور، مولياً اهتماماً خاصاً بذلك حتى قبل تشكيله للحكومة

يعتمر بايتاس قبعات متعددة، فهو البرلماني والمحامي، وعضو المكتب السياسي بحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، ومهمته ناطقا رسميا باسمها قد يصفها المتابع بالعادية وغير المؤثرة، لكنها أبعد من أن تكون تأثيثا للمشهد الحكومي.

المقاربة المهمة وذات الصبغة المستقبلية هي في مأسسة منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة بما يتيح للصحافيين التوصل بالمعلومات بسرعة وبشكل أكثر دقة. وهو أمل يستحق الانتباه، إذ يعني أن الحكومة تستشعر بالفعل تهميش دور هذه الوظيفة التي أضحت تقفز من قطاع إلى قطاع، ومرت من وزارات الاتصال والثقافة والشباب والرياضة والمجتمع المدني والتربية الوطنية إلى أن عادت إلى العلاقات مع البرلمان.

الناطق الرسمي باسم الحكومة ليس قناة محايدة لتوصيل المعلومات بل يعبر عن رأي الحكومة وتوجهاتها، ولذا فهو لا يريد أن يخرج عما يتم تداوله في المجلس الحكومي، لا يزيد ولا ينقص. لكن الجسم الصحافي يطالبه بالاجتهاد أكثر في نقل رسائل ومعلومات وتوضيحات بدل البقاء حبيس لغة خشبية لا تستجيب إلى تطلعات الصحافي في الوصول إلى المعلومات التي ستنقلها وسائل الإعلام إلى المواطن.

اختيار بايتاس هدفه التفاعل الإيجابي بين الحكومة والصحافة والمجتمع، والمطلوب تعميق هذا التوجه ليصبح ثقافة اتصال تتناسب مع دستور الأمة وفلسفة التوجهات الكبرى للدولة إقليميا ودوليا، وفي هذه الحالة تصبح الصحافة جسرا يربط بين مصالح الحكومة والمجتمع على أساس متبادل.

ومنذ البداية دشن تجربة تواصلية جديدة عندما أتى إلى جانبه في الندوة الصحافية بعد الاجتماع الحكومي بوزراء من القطاعات المعنية مثل الصحة والاقتصاد والمالية والميزانية لتقديم توضيحاتهم للرأي العام، ما اعتبره عدد من المتابعين استراتيجية تهدف إلى التصدي للأخبار الزائفة والتضليل واستغلال الظلال الكثيفة بخصوص قضايا تهم الرأي العام وتحتاج إلى أهل الاختصاص للحديث فيها بالأرقام والمعطيات.

تشويش العدالة والتنمية

رأي بايتاس في ما يتعلق برفض البعض المشاركة في الانتخابات التكميلية القادمة جلب عليه انتقادات الإسلاميين

كان بايتاس واضحا في رسالته لحزب العدالة والتنمية عندما دعا إلى وقف أسلوب المعارضة ذات الدوافع النفسية والتسليم الكلي بمخرجات العملية الانتخابية، أو اتخاذ موقف واضح بالانسحاب من البرلمان، مستغربا من كونه يجد نفسه في البرلمان مع طرف من لايزال يشكك في نتائج الانتخابات، ولا يتوانى في الوقت ذاته عن استعمال الحقوق الدستورية والآليات القانونية المكفولة لأعضاء البرلمان لمواصلة التشكيك في نتائج الانتخابات.

للوزير رأيه في ما يتعلق برفض العدالة والتنمية المشاركة في الانتخابات التكميلية التي ستتم الشهر المقبل، معتبرا أن هذه المشاركة قانونية وضرورة سياسية، وهو ما جلب عليه انتقادات من قيادات الإسلاميين.

يستخدم المنطق العلمي من دون لغة مهادنة في مواجهة منطق المؤامرة عند العدالة والتنمية بالقول إن التشكيك في الانتخابات يستوجب اتخاذ موقف واضح كما كانت تفعل الأحزاب خلال فترة سابقة من تاريخ المغرب، ويقصد هنا الانسحاب من البرلمان، أما الاستمرار في التشكيك في النتائج وفي والوقت ذاته الجلوس في الصفوف الأمامية وحضور ندوة الرؤساء والجلوس حتى على يمين رئيس الجلسة بعد التمثيلية في هياكل البرلمان، فهو في رأيه تناقض يجب أن ينتهي لأن زمنه انتهى.

تدشين بايتاس للتجربة التواصلية الجديدة يبرز في ظهوره المبكر في الندوة الصحافية بعد الاجتماع الحكومي برفقة وزراء من القطاعات المعنية مثل الصحة والاقتصاد والمالية والميزانية لتقديم توضيحاتهم للرأي العام، ما اعتبره عدد من المتابعين استراتيجية تهدف إلى التصدي للأخبار الزائفة

وبعيدا عن النقد السياسي المتوازن لخط الحكومة قام عبدالله بوانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب بوصف بايتاس بأنه “غلام الحكومة” بعدما اعتبره “متسلقا للوظائف السياسية، تابعا ومكفولا، لم يُعرف له أثر في السياسة من قبل، غلبه حماس الموقع والصفة، وتحدث بما لا يفهم فيه ولا يقدّر أبعاده”.

وبالرغم من أن عبدالإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية دعا إخوانه في الحزب إلى تبني معارضة معقولة وهادئة، مع أنه لن يمارس الرقابة على أعضاء الحزب، استغل بوانو حرية التصرف قائل “ما معنى أن يدعو ‘غلام الحكومة’ المعارضة إلى الانسحاب من البرلمان، وكأن مفاتيحه في جيبه، أو كأن البرلمان مقر تابع لحزبه، وليس مؤسسة من مؤسسات الدولة المحورية التي لها وظائف شتى؟ هل اختلطت لدى هذا ‘الغلام’ مهمة ناطق باسم الحكومة، المحددة في مرسوم اختصاصاته، بمهمة ناطق باسم الدولة التي لا قِبل له بها سياسيا وقانونيا، أم أنه كان مجرد ناقل لحلم يراود من جاء به إلى البرلمان ثم ذهب به إلى الحكومة؟”.

فهل بالغ بايتاس في ما قاله؟ يرى البعض أن هناك مبالغة سياسية، لكن لا يصح أن يتم وصفه بكلام من هذا النوع من طرف خصمه، بكل ما تحمله المفردة المستخدمة من حمولة سلبية تتجاوز الاختلاف السياسي إلى السقوط في فجوة أخلاقية بالاستنجاد بلغة السُّباب العابر للسياسة والأخلاق للتعبير عن الرأي.

وكإجابة قاطعة وحاسمة على شكوك العدالة والتنمية في نوايا سحب الحكومة مشروع القانون الجنائي من البرلمان ونيتها عدم محاربة الفساد، قال بايتاس إنه “ليس للحكومة أي نية للقفز على موضوع الإثراء غير المشروع، لأن بلادنا سائرة في محاربة الفساد والمؤسسات الدستورية التي تشتغل في هذا المجال معروفة، وتعهدات المغرب على المستوى الدولي أيضا معروفة، وأنه يجب سحب القانون حتى يعاد إلى البرلمان لكن بشموليته، وأن يخضع لنقاش وطني لأن أزيد من 20 أو 50 مقتضى قانونيا يجب أن تتغير، وأمور جديدة يجب أن تدرج فيه مثل العقوبات البديلة”.

المهمة الصعبة

Thumbnail

إذا كانت الحكومة كهيئة مخولة بتنظيم مصالح ومجالات المواطنين، فإن الصحافة مخولة للقيام بوظائفها الرقابية الاجتماعية المميزة. بالتالي ليست مهمة بايتاس النطق باسمها فقط، بل أيضا دوره كوزير منتدب مكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.

والرجل بحقيبته الوزارية مقتنع بفتح حوار مع جمعيات المجتمع المدني للتداول حول الإطار المرجعي الخاص بالجمعيات، فدور هذه الجمعيات أصبح يتضمن المساهمة في الضمان الاجتماعي والناتج الداخلي، بالإضافة إلى توفير مناصب شغل، وهو المدافع عن توجهات الحكومة والإجراءات التي تقوم بها، وهي مهمة تتناسب مع شخصيته وتوجهاته السياسية.

وعمّا قيل حول سحب الحكومة لمشروع القانون المتعلق بتغيير وتتميم القانون الجنائي، يستغرب بايتاس كيف أن طرفا في المعارضة سارع إلى ترويج أوهام بشكل غير مقبول حول مقتضى الإثراء غير المشروع، رغم أن الحكومة واضحة، وهي تعتبر أنها قامت بعملية السحب من أجل مراجعة هذا المشروع بشكل شامل، وملاءمته مع التطورات التي عرفها المغرب، ثم أضاف أن الأصح هو أن ينتظر هذا الطرف المشروع الجديد الذي ستأتي به الحكومة وبعد الاطلاع عليه، حينها فليعبر عن موقفه.

قبل أن يصبح في موقع المسؤولية الحكومية كان بايتاس يرى أن الوضع السياسي بالمغرب خلال السنوات الماضية يعيش قمة الرداءة، قاصداً بذلك توجيه انتقادات كبيرة لبعض الأحزاب التي تسهر على نشر الأخبار الكاذبة، وهو واقع يترجم حال ما يعيشه المجتمع المغربي خلال الآونة الأخيرة. فهل سيبقى وفيا لهذا الرأي وعليه سيعمل على التأثير من موقعه لتغيير ذلك الواقع في ما يخدم الديمقراطية والنمو الاقتصادي والرفاه الإجتماعي؟

بايتاس يعتمر قبعات متعددة، فهو البرلماني والمحامي وعضو المكتب السياسي بحزبه الذي يقود الحكومة، ومهمته ناطقا رسميا باسمها تبدو أبعد من أن تكون مجرّد تأثيث للمشهد الحكومي

سيكون الآن على احتكاك مباشر مع وسائل الاعلام ولن تتغير آراؤه فيها بين عشية وضحاها، فانتقاداته لبعض المنابر الإعلامية كانت لأنها لا تجيد سوى العيش على وقع الفضيحة، وكان يقول “أصبحنا نستهلك على وجه السرعة ولا نتناقش، ولا نطرح أسئلة للفهم”.

عندما يقول إن الحكومة يجب أن تكون لديها القدرة على الاشتغال والتحرك والإنجاز بشكل سريع، وتوجّهٌ يقضي بألا يكون هناك تداخل في الاختصاصات، فمن أولويات عمله الحالي إقناع الناس بانسجام الأغلبية ومؤشرات نجاح الحكومة الجديدة في تنزيل وتحقيق مفهوم الدولة الاجتماعية.

في ملف الأساتذة المتعاقدين نفى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع في الندوة التي جمعته مع بايتاس، التراجع عن التوظيف بالتعاقد وأنه سيشمل مجالات أخرى قريبا، لكن هناك من اعتبر جواب الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن الحسم للمستقبل بالغامض وأنه لم يكن مقنعاً.

يقال إن بايتاس ما يزال يبحث عن موقعه ويتلمس طريقه، فحديثه عن موضوع الساعة الإضافية وإمكانية إلغائها كلام يعني أنه لا يريد الإفصاح بجدية عما دار في المجلس الحكومي، وإذا كانت الحكومة قررت فعلا طرح الموضوع على طاولة النقاش ومتى سيتم ذلك.

المجهود التواصلي للناطق الرسمي باسم الحكومة لا بدّ أنه سيدفع في اتجاه التطبيق الفعلي للمبدأ الدستوري المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وذلك للإجابة العملية على الأصوات القائلة إن مهمته تتعلق فقط بنشاط بروتوكولي، ومن ثم المساهمة الفعلية في التسويق الإعلامي للسياسات الحكومية وإقناع الرأي العام بجدوى العمل الحكومي وجدوى المشاركة السياسية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: