قانون المالية يفجّر خلافات جديدة في صفوف الإسلاميين بالجزائر

بليدي

تحوّل الموقف من قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان الجزائري مؤخرا، إلى سجال سياسي بين أكبر حزبين سياسيين ينحدران من تيار الإخوان، ففيما كانت كتلة حركة البناء الوطني داعمة للقانون المذكور الذي استحدث ضرائب جديدة ورفع الدعم الاجتماعي الشامل، اختارت حركة مجتمع السلم موقف المعارض، بعدما صوتت ضده، وهو ما شكل مادة دسمة لزعيمي الحزبين لخوض غمار الحملة الانتخابية الجارية.

وكذّب رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، أن تكون حركة البناء الوطني تدعم فئة المزارعين والفئات الهشة من المجتمع، مبرّرا ذلك بكون الحركة صوتت لصالح قانون المالية للعام القادم، رغم ما يحمله من تهديدات للجبهة الاجتماعية، على غرار رفع الدعم الاجتماعي الشامل وفرض ضرائب على المزارعين.

ووصف المتحدث قيادات الحزب الغريم بـ”الكاذبين”، و”المتناقضين”، كونهم يسوقون خطابا لا يعكس حقيقة أفعالهم، في إشارة إلى انخراط حركة البناء الوطني في مسار السلطة السياسي منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019، مقابل الترويج لخطاب لا يعكس الأفعال.

رئيس حركة مجتمع السلم يصف قيادات البناء الوطني بالكاذبين والمتناقضين لأنهم يسوقون خطابا لا يعكس حقيقة أفعالهم

ولم يتفاجأ المتابعون لشأن الإسلام السياسي في الجزائر، بالسجالات السياسية والإعلامية بين الحزبين الغريمين، رغم أنهما ينتميان إلى مدرسة سياسية واحدة (الإخوان)، فهما دأبا على خطاب الانتقاد والانتقاد المضاد، رغم خلفيتهما البراغماتية، فقد سبق لـ”حمس” أن كانت شريكة للسلطة قرابة العقدين، ولم تتوان حركة البناء في ركوب موجة السلطة الجديدة بدعوى حماية الدولة من الانهيار.

ورغم إسقاط اللجنة البرلمانية المختصة لمجمل الاقتراحات والتحفظات التي أبدتها كتلة حركة البناء، إلا أنها صوتت لصالح النسخة النهائية لقانون المالية 2022، رغم ما تتضمنه من مخاطر على الجبهة الاجتماعية، بما فيها فرض ضرائب على المزارعين، ورفع الدعم الاجتماعي الشامل.

وقالت الحركة “كلفة الدعم المباشر للمواد ذات الاستهلاك الواسع استنزفت الخزينة العمومية طيلة العقود الماضية، وأنه حان الوقت لمراجعة آليات ذلك الدعم بتوجيهه نقدا للعائلات المعنية مباشرة، لقطع الطريق على الانتهازيين والطفيليين والمهربين”.

وهو الموقف الذي استغلته حركة “حمس” لاسيما خلال الحملة الانتخابية التي أشرفت على نهايتها الثلاثاء، تحسبا لتنظيم الانتخابات المحلية (البلديات والولايات) السبت القادم، لرفع مؤشراتها أمام الوعاء الإسلامي، خاصة وأنها لا تتوانى في اتهام غريمتها بـ”ممارسة الخطاب المزدوج” لتمويه الرأي العام.

ولم تتوقف خلافات الإخوان في الجزائر منذ بداية التعددية الحزبية بالبلاد العام 1989، بداية من جبهة الإنقاذ وما كان يعرف بحركة “حماس” (حركة المجتمع الإسلامي)، ثم بين “حمس” والنهضة، ليصل إلى “حمس” وحركة البناء الوطني التي ظهرت العام 2012، كتيار انشق عن الحركة الأم “حمس”.

ومثلت الحسابات السياسية والحزبية محركا أساسيا لتلك الخلافات خاصة في الاستحقاقات الانتخابية والملفات الكبرى، وهو ما يشكل أحد عوامل تراجع الإسلاميين في الجزائر منذ العام 2017، حيث تدحرجت الأحزاب الإخوانية إلى مراتب دنيا في سلم القوى السياسية الفاعلة والمهيمنة على المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا.

الموقف من قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان الجزائري تحوّل إلى سجال سياسي بين أكبر حزبين سياسيين ينحدران من تيار الإخوان

وشكلت الانتخابات التشريعية الأخيرة، القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث استفحلت الخلافات بينها إلى درجة أبعدت تماما خيارات التحالف ولو كان شكليا بينها، لاسيما بعد أن اختارت حركة البناء معسكر السلطة ودعم الرئيس عبدالمجيد تبون، بينما تخندقت “حمس” كحزب معارض داخل البرلمان.

وأكد رئيس “حمس” عبدالرزاق مقري، بأن “كتلته النيابية هي الوحيدة التي رفضت هذا القانون ورفضت المساس بقوت المواطن، لأنها تدرك بأن أساس صلاح المنظومة الاقتصادية هو الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، لذلك وقفنا في قانون المالية الأخير ضد فرض الضرائب على المزارعين”.

وكان بيان للمجموعة البرلمانية لـ”حمس”، قد برر التصويت المعارض لقانون المالية المذكور، جاء في ظل “رفض كل التعديلات التي تقدم بها نواب المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم رغم أنها ارتكزت على حماية ثنائية الاقتصاد الوطني، القدرة الشرائية، وهو ما كرس غياب الانسجام بين قانون المالية 2022 وبين ما جاء من أهداف في مخطط عمل الحكومة”.

وأكد على أن “التوجه نحو ضغط ضريبي أكبر سيؤثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي للفرد الجزائري كالرسم على القيمة المضافة المفروض على مادة السكر، وتزويد العائلات بالماء الصالح للشرب، وأن توجيه الدعم دون وجود قاعدة معطيات ودون حوار وطني شامل ولا تنمية اقتصادية توفر الشغل، خاصة أن الموضوع يعبر عن تحول اجتماعي كبير، يضعف أكثر القدرة الشرائية للجزائريين بشكل غير مسبوق دون آليات تضمن لهم الحصول على التعويض النقدي”.

وفي المقابل أبدت حركة البناء الوطني التي تحوز على حقيبة وزارية واحدة في حكومة أيمن بن عبدالرحمن، تماهيا مع توجهات السلطة لاسيما في ما يتعلق بالخيارات الاستراتجية المتعلقة بالأمن الإقليمي والتهديدات المحيطة بالبلاد، كما أبدت دعمها لخيارات الحكومية المؤلمة، مما جعل المسافة بينها وبين غريمتها تزداد توسعا بشكل ينهي طموح المؤسسين والمنظّرين للتيار الإخواني في رؤية تحالف إسلامي قوي في وجه التيارات العلمانية والقومية التي تعاديها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: