ومع كل حكومة تأتي تتبخر مطالب وأمنيات المواطن المشروعة، فتضيق الآفاق كما يضيق الوطن رغم رحابته…لك الله ياوطني

بوشعيب البازي - تورية لغريب

من الصعب أن تجد اليوم إنساناً مغربيًا راضياً عن نفسه، وعن مجتمعه. في وقت مضى كنت تسمع جواباً مطمئناً، حينما تسأل مغربيًا: “كيف حالك؟”، فيبادرك: الحمد لله، “فوق فكيك “. يندر اليوم ألا تسمع تنهيدة طويلة، تتبعها شكوى، وتذمّر، وإحباط كثير. والإحباط كما يرى فيلسوف علم الاجتماع الأميركي، إيريك هوفر، في كتابه “المؤمن الصادق” هو المحرّك الأهم للثورة، فالمحبطون هم وقود الحركات الجماهيرية، والإحباط هو في حد ذاته يكفي لتوليد معظم خصائص “المؤمن الصادق”، بل إن الأسلوب الفاعل في استقطاب الأتباع لحركات التغيير يعتمد أساساً على تشجيع النزاعات والاتجاهات التي تملأ عقل المحبط. الإحباط اليوم هو السمة المسيطرة على العقل الجمعي المغربي، إنْ بسبب الإخفاقات السياسية، أو الأزمات الاقتصادية، أو القمع المستشري، والفساد الذي تضخّمت مؤسسته، فَعَلَت على كل المؤسسات، فغابت العدالة، وساد الظلم والقهر، واستأثرت الحكومة ومن يحيط بها بكل شيء، ولم تترك للملايين من الناس غير الفتات الذي لا يكاد يسد جوعها، ورافقت هذا كله وقاحة سياسية غير مسبوقة، حين أصبحت المواطن يمنع من دخول بلده إلا بشروط  حيث يعاني ست ملايين مغربي مقيم بالخارج ، نتيجة قرار حكومة بلادهم عدم السماح لهم بزيارة بلدهم الا بجواز التلقيح خوفا من تفشي جائحة كورونا لديها. المئات منهم ناشدوا حكومة بلادهم والعاهل المغربي التدخل لسحب هذا القرار و خصوصا و ان التلقيح غير إلزامي في دول الاقامة و كذا في المغرب و خاصة أن أوضاعهم النفسية والصحية والاقتصادية تزداد تأزما مع مرور الوقت وهم بعيدون عن عائلاتهم ومصالحهم.

إن ما يدور في قرانا وأريافنا ومدننا من أحداث أبكت وألمت وأحزنت حتى شتت وفرقت وأفقدت الأبناء , ترويج للمخدرات وتعاطي وبيع علني , سرقات وتخريب و اعتداء وحرق للممتلكات العامة والخاصة , إيذاء وسفك دم حتى وصل الامر للقتل , سرعة وتهور في القيادة قتلت أنفساً وحطمت أمالاً , شباب طائش ضائع انعدمت فيهم قيم الأخلاق والوازع الديني والمروءة والرجولة والوعي والتفكير , وسوء تربية من الأهل وعدم المراقبة المتابعة وعدم تقبل النصح والإرشاد قاد هذا الجيل الى الضياع ونحن ننظر مكتوفي الايدي , لتكون الشوارع والمقاهي والنوادي مرتعاً ودماراً لهم حتى وصلت بهم السهرات الليلية في المقابر وبين القبور في ظلمات الليل لإكمال طقوسهم الشيطانية , مدارسنا وجامعاتنا صروح العلم منارة تضيء دروبنا , ملأت العقول بالعلم وفرغتها من الجهل وشحنت القلوب بالصلاح والمحبة وكرست أواصر اللحمة والتواصل والتعارف بين الأبناء لكننا نراها اليوم قد احتضرت و أصابها اليأس والإحباط والتراجع من فئة قليلة جاهلة , أصحاب العقول الفارغة والقلوب الخاوية ,الذين دخلوها وأفسدوها ودمروها و أعادوها لعصر الجاهلية والتخلف , زرعوا الفتنة والتفرقة بين حملة سيف العلم والمعرفة ليكون ضحيتهم الأبرياء ,
أما انت يا وطني فقد اصابك وباء الفساد الذي تفشى وانتشر في كافة الدوائر والمؤسسات , فساد أبكى عيونك وأدمى قلبك وأحزن محياك وأتعب همتك ودمر عزيمتك , يا وطني جعلوك تستجدي على الرغم من وجود خيرات تغنيك عنهم , وهيئة مكافحة الفساد لا حول ولا قوة لها لم يبقى دائرة او مؤسسة لم تحقق فيها لكن دون جدوى , أسماء فاسدة تندرج سيرتهم في كل جلسة وحوار عجزت الحكومة والقضاء حتى النواب عن توجيه السؤال والاستجواب لهم – متى وكيف ومن أحضركم وشارككم وساعدكم وكم أرصدتكم من حصيلة ما سرقتموه وتقاسمتموه و بعتموه ؟ أعانك الله يا وطني على من يدعم الفساد ويحتضنه , باعوك ولم يبقى ما يباع , سرقوك ولم يبقى للمواطن الفقير المغلوب على أمره إلا التعويض من جيبه ليبقى غريق الدين , فسادٌ حل بوطني أكل المال وباع الأرض أفقر الفقير وأغنى الغني , ثم تتوالى القصص من الترويج للوطن البديل وزيادة أعداد اللاجئين والسماح للجيوش الغربية التي دمرت العراق من قبل وقتلت أبناءه بتنجيس أرضنا الأردنية ,
حكومة تتصف بالمراوغة والتخدير والضحك على المواطن , لا تعرف الا سياسة رفع الاسعار , ترجلت على المواطن والإعلام حتى فرضت سيطرتها على المواقع الكترونية من خلال قانون المطبوعات والنشر الذي فصلته وفرضته كما تريد لتحكم السيطرة على المواقع الكترونية , كم تمنيت من الحكومة ان تكون سطوتها على من سرق ونهب اموال الوطن وشارك وساهم في بيع ممتلكاته , ومجلس نواب ( البعض منهم )غيرتهم على الوطن والمواطن معدومة , يبحثون عن مصالحهم الشخصية , عبئهم أكثر من نفعهم , أسمى انجازاتهم السرعة في الهجوم والشتم مع الدقة في الرمي , كل يوم مشاجرة بوجوه جديدة , تنتهي دورة المجلس وهم يتشاجرون ثم يتصالحون على موائد المناسف , هنيئاً لك يا وطن بحصيلة قانون الصوت الواحد ,
أصبح المواطن المغربي في حيرة من أمره لما تمر به البلاد من حالة لا تسر حيران و لا تفرح انسان , رموز فساد تصول وتجول , ما يدور في وطني جعلنا نعيش بقلق ونمشي بدون وعي , حتى بات المغربي غير مرتاح في وطنه .

و قد خلُصَ وليام إيسترلي، إلى أن “الدول الفقيرة حين تستثمر في التعليم لا تعمل، بالموازاة، على تطوير مؤسساتها الاقتصادية والسياسية، وهو ما يغذّي أمرين أساسيين، هما الهجرة السرية والبطالة”.

والمغرب لا يخرج عن رأي وليام إيسترلي؛ “لأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية المؤسساتية الضرورية لم يتم إنجازها، بل تم تعطيل بعض الإصلاحات التي تمَّت مباشرتها غداة موجات الربيع العربي، وتم زرع الإحباط واليأس في صفوف الناس، وخصوصا فئة الشباب، التي ازداد إحباطها نتيجة تلكؤ الدولة في الإصلاحات”.

هذا الإحباط، يغذي موجات الهجرة واستنزاف موارد الدولة البشرية، وتكون تبعاته كارثية على التنمية الاقتصادية للبلد، مما يجعله في النفوس مردّه إلى أنّ عُمُر المواطن قصير مقارنة بعمر الدولة، ويقتنع في الأخير بأن الهجرة والفرار من الوضع الحالي هو الوسيلة الوحيدة لنجاته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: