تقاطعت تصريحات وزير العدل الجزائري مع دعوات نائب برلماني لصالح إرساء تسوية ودية بين السلطة وما يعرف بسجناء الفساد المالي، وذلك بإطلاق سراحهم مقابل إعادة الأموال المنهوبة، وهو ما يعطي الانطباع عن صفقة تطبخ على نار هادئة بين الطرفين، رغم ما تشكله من مخاوف وحتى ارتدادات على الجبهة السياسية والشعبية، على اعتبار أن ممارسات الفساد الرسمي هي من فجرت الشارع الجزائري في 2019.
ودعا النائب البرلماني المستقل عن محافظة إليزي بأقصى الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد بن سبقاق علي إلى تمكين رئيسي الحكومة السابقين عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى من ظروف اعتقال محترمة، وتحويلهما من السجون إلى الفنادق، مع العمل على استرجاع كل الأموال المنهوبة.
وبرر ذلك بأن بقاء مسؤولين سامين في الدولة خلف القضبان بتهم الفساد المالي والسياسي، لا ترجى منه أي فائدة أو عائد لصالح الدولة، لأن العبرة في استرجاع الأموال التي نهبت وليس في سجن رئيس حكومة أو وزير أو ضابط أو رجل أعمال.
وتقاطعت تصريحات النائب البرلماني المذكور مع ما أدلى به وزير العدل عبدالرشيد طبي حول عزم الحكومة مراجعة قانون الفساد، وأن مخطط عملها الذي ينتظر مصادقة النواب في القريب العاجل، وضع آليات مرنة في هذا الاتجاه، يمكن الحكومة من استرجاع الأموال المنهوبة مقابل حصول هؤلاء على حريتهم في إطار تسوية ودية بين الطرفين.
وبهذا التوجه تكون الجزائر قد وضعت خطوة في مسار جديد لتطهير ملف الفساد، بعد مرور سنوات على الأحداث التي فجرت الشارع وأطاحت بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة والعشرات من المقربين منه، في شكل مسؤولين سامين ووزراء ورجال أعمال وحتى ضباط في المؤسسة العسكرية.
وشكّل تصريح النائب البرلماني، المتماهي مع مخطط عمل الحكومة، في شقه المتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة، مفاجأة لدى الرأي العام الجزائري الذي كان ينتظر وضع حد للممارسات الرسمية التي بددت مقدرات الدولة خلال العشريتين الماضيتين، لاسيما وأن الملف كان أحد تعهدات الرئيس عبدالمجيد تبون خلال حملته الانتخابية لما وعد بـ”استرجاع الأموال المنهوبة، وأنه يعرف أين هي موجودة”.
بن سبقاق علي: نطالب بتحويل الوزيرين الأولين الأسبقين إلى الفنادق
وبين براغماتية السلطة في اختصار الوقت والجهد لطي الملف، وتغذية الخزينة العمومية المتهالكة بما نهب منها من طرف السجناء المذكورين، وبين المطالب السياسية الداعية إلى الصرامة والردع مع من بدد مقدرات الدولة، لا يستبعد هؤلاء أن تكون الصفقة المنتظرة بين الطرفين إسفينا جديدا في نعش الحراك الشعبي الذي طالب بالتغيير الشامل للنظام السياسي في البلاد.
وطالب النائب بن سبقاق علي، في مداخلة له بالمجلس الشعبي الوطني، بـ”تحويل رئيسي الوزراء الأسبقين أويحيى وسلال، وغيرهما من الوزراء المحبوسين، إلى الفنادق بدل تركهم في السجون”.
وأضاف “من أخذ فرنكا فليردّه وفقط، والذي أخطأ نحن كلنا مخطئون”، وهي رسالة واضحة لعزم الوعاء النيابي المستقل الداعم للرئيس تبون طرح معالجة جديدة لملف الفساد، رغم ما للمسألة من طابع صادم للشارع الجزائري الطامح إلى تجسيد المطالب الشعبية والإصلاحات التي تعهدت بها السلطة الجديدة في البلاد.
وسبقه للطرح رئيس جبهة المستقبل الموالية للسلطة عبدالعزيز بلعيد، بالدعوة في أكثر من مرة خلال جولاته في إطار الحملة الانتخابية للاستحقاق المحلي المقرر نهاية الشهر الجاري، إلى الذهاب إلى “مفاوضات مع مساجين النظام السابق قصد استرجاع الأموال المنهوبة لأنها عملية مشروعة، وأن مصلحة الجزائر تقتضي طي صفحة النظام السابق مثلما طوينا صفحة الإرهاب، ولا حرج في اللجوء إلى حوار وطني للخروج من الأزمة”.
وتضمن مخطط عمل الحكومة المصادق عليه من طرف البرلمان، خطة لاسترجاع الأموال المنهوبة، وتتمثّل في الاعتماد على طريق التسوية الودية، لاسترداد الأموال المختلسة.
ويأتي ذلك بالموازاة مع عزم حكومة أيمن بن عبدالرحمان إصلاح قانون الوقاية من الفساد ومكافحته عن طريق تشديد العقوبات المتعلقة بجرائم الفساد، وتعزيز الجهاز الذي تم وضعه لتسيير الأموال المحجوزة، مع إدراج أحكام خاصة لتسيير الشركات محل المتابعات القضائية، إلى جانب وضع آليات قانونية تتعلق بالهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وحق المواطنين في الولوج إلى المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد.
وكان وزير العدل عبدالرشيد قد كشف عمل الوزارة على “إعادة النظر في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وتعزيز المنظومة القانونية الوطنية بميثاق لأخلاقيات وسلوك العون العمومي بغية ضمان الشفافية في تسيير المرفق العام”.
وذكر في كلمة أدلى بها في لقاء الحكومة والولاة (المحافظون) “توطيد قيم النزاهة والشفافية في تسيير المرفق العام وتعزيز آليات مكافحة الفساد وأخلقة الحياة العامة، تحتم مراجعة قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وستعزز منظومتنا القانونية بميثاق لأخلاقيات وسلوك العون العمومي، لترسيخ روح المسؤولية وتعزيز مبادئ الحكم الراشد وضمان فعالية المرفق العام، استجابة لتطلعات المواطن إلى إدارة فعالة، مسؤولة وشفافة”.
وأوضح أن “أخلقة الحياة العامة ترتبط بمسألة الوقاية من الفساد وأن تجسيد الاتجاه الجديد لبناء هذا الوطن الذي عانى لمدة سنوات من تفشي هذه الآفة التي تسببت في انهيار منظومة القيم والأخلاق في المجتمع يمر عبر مكافحتها”.
وأضاف “مفهوم أخلقة الحياة العامة، وإن كان يتطلب مجموعة من الإجراءات التي تسمح للمواطن بممارسة حق النظر في كيفية إدارة الشؤون العامة عن طريق الآليات التي وضعها الدستور، إلا أن القضاء الإداري يلعب دورا أساسيا في بسط الرقابة على أعمال الإدارة من خلال دعاوى الإلغاء أو دعاوى التعويض”.