الرباط تواجه تحدي ضبط غلاء الأسعار في الأسواق التجارية

يوسف لفرج

تحولت موجة الغلاء في المغرب إلى واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في ظل حالة التذمر التي تسود المواطنين وخاصة الفئات الاجتماعية الهشة، وذلك بالتزامن مع حملة الانتقادات من قبل الأوساط الاقتصادية جراء تراجع القدرة الشرائية للمغاربة الذي يرون أنه قد يتفاقم إن لم تعجل السلطات بتدارك الوضع سريعا لتعديل بوصلة الأسواق التجارية.

 يبدي المغاربة حساسية مفرطة إزاء غلاء الأسعار وتراجع قدرتهم الشرائية الذي يعني بالنسبة إليهم مؤشرا على اتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية على الرغم من تعهدات الحكومة الجديدة بمعالجة هذه القضية.

وتجد السلطات نفسها أمام اختبار ضبط غليان الأسعار في الفترة المقبلة ببلد يضم أكثر من 36 مليون نسمة، خاصة وأنها مقبلة على عملية إصلاح اقتصادي كبيرة ستشمل كل القطاعات لإعادة تحريك عجلات النمو.

وشهدت أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق التجارية ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، ما انعكس على جيوب المواطنين، خاصة الطبقة الفقيرة التي تضررت من تداعيات الأزمة الصحية.

وتظهر المؤشرات أن غلاء الأسعار طال زيت المائدة، الذي بلغ سعره 23 درهما (2.5 دولار) بالنسبة إلى القارورة سعة خمس لترات، في ما وصل سعر خمسة لترات من الزيوت النباتية إلى ثلاثة دولارات بمختلف العلامات التجارية. كما شهد سعر كيس السميد، وهو نوع من الدقيق، سعة 25 كيلوغراما ارتفاعا بنحو خمسة دولارات.

فوزي لقجع: الأسعار طرأ عليها ارتفاع في السوق العالمية وليس المغرب وحده

ولم تشمل الزيادات في الأسعار المواد الغذائية فقط، فحتى أسعار المحروقات عرفت ارتفاعا تراوح بين درهم ودرهمين (0.11 دولار و0.22 دولار) للتر الواحد، بالتزامن مع قفزات أسعار النفط عالميا.

لكن الحكومة تقول إن الأسعار طرأ عليها ارتفاع في السوق العالمية. وقال فوزي لقجع، الوزير المنتدب، في وقت سابق إن “مؤشر الأسعار عند الاستهلاك بلغ 5.4 في المئة في الولايات المتحدة و3.4 في المئة في الاتحاد الأوروبي في سبتمبر الماضي”.

وأوضح خلال رده على مداخلات نواب بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب أن مؤشر الأسعار ارتفع اثنين في المئة، لأن أسعار النقل ارتفعت بشكل حاد بواقع 7.1 في المئة.

وأشار لقجع حينها إلى أن المواد الغذائية عرفت ارتفاعا بنحو 0.7 في المئة، في حين ارتفعت أسعار المواد ذات الأسعار المحددة، والتي تمثل 22 في المئة من سلة المنتوجات المستهلكة، بحوالي 1.3 في المئة.

وتختلف الأسعار في السوق المحلية حسب المصدر، فالمنتجات الغذائية المحلية أسعارها مستقرة أو منخفضة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما تشهد السلع المستوردة أو المعتمدة في إنتاجها على مواد أولية مستوردة تقلبات في الأسعار.

وفي منتصف أكتوبر الماضي أظهرت توقعات البنك المركزي المغربي بلوغ التضخم 1.2 في المئة هذا العام و1.6 في المئة خلال العام القادم، في سياق متسم بتزايد أسعار المشتقات النفطية وانتعاش الطلب الداخلي.

وتتعرض حكومة عزيز أخنوش لضغوط من الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية للإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المغاربة من هذا الوضع قبل أن يتفاقم.

ولكن محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري، أعلن في الثاني من نوفمبر الجاري أن “تمويل الأسواق بالمنتوجات الزراعية يتم بشكل جيد”.

وتوقع أن تشهد أسعار بعض المواد الفلاحية تقلبات تتمثل في ارتفاعات عادية أثناء هذه الفترة من السنة، ناتجة عن الانتقال من الزراعات الصيفية نحو الزراعات الشتوية.

رشيد أوراز: سياسات التحفيز أدت إلى ارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار

وكانت وزارة الفلاحة قد قالت في بيان إن “وضعية تموين السوق المحلية وأسعار المواد الغذائية شهدت وفرة كافية في المواد الغذائية واستقرارا وانخفاضا في أثمنة الخضر والفواكه والحبوب واللحوم الحمراء”.

وأضافت أنها “تعمل، في إطار تتبع حالة التموين والأسعار في السوق المغربية عبر مصالحها في قطاع الزراعة، على رصد تموين الأسواق ووضعية أسعار المنتجات الزراعية والغذائية”.

وتفيد منظمات أممية ودولية تُعنى بمجال توفير الغذاء ومكافحة الفقر في العالم بأن أسعار السلع الغذائية ظلت ترتفع بشكل مطرد منذ يونيو الماضي، تاركة الحكومات تغرق في مأزق كبير خاصة بعد تضرر الدول من القيود التي فرضت بهدف تطويق الأزمة الصحية.

ويرى خبراء أن مسؤولية ما يحدث لا تقع بأكملها على عاتق الحكومة، بل إن المشكلة عالمية بسبب عدة عوامل متداخلة ولعل من أهمها التغيرات المناخية التي أثرت على المحاصيل الزراعية وعمليات الإنتاج مما ساهم في استيراد التضخم.

واعتبر رشيد أوراز، الباحث بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، أن “هناك موجة عالمية من ارتفاع أسعار بعض المواد لأسباب كثيرة، مرتبطة أساسا بارتفاع أسعار النقل على المستوى الدولي، والذي يؤثر على كل الدول التي تخضع لمعايير التجارة الدولية”.

وقال أوراز، وهو خبير اقتصادي، لوكالة لأناضول إن “المشكلة أن بعض الحكومات الغربية والدول المتقدمة وضعت موازنات ضخمة من أجل إعطاء دينامية اقتصادية وإنعاش الاقتصاد بعد مرحلة كورونا”.

وتابع “الإنفاق الكبير أدى إلى ارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار على مستوى أسواق الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والدول الأوروبية بالدرجة الثانية”، واستطرد “السياسات التحفيزية للبنوك المركزية بهذه الدول المتقدمة ساهمت في ارتفاع الأسعار”.

وأوضح أن المغرب لديه شركاء مهمون، وهو كغيره من البلدان سيتأثر بموجة من التضخم الذي يسمى التضخم المستورد الذي يساهم فيه أّساسا ارتفاع أسعار المواد المستوردة.

أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق التجارية شهدت ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، ما انعكس على جيوب المواطنين

وشدد على أن الحكومة المغربية مطالبة باللجوء إلى سياسات نقدية واقتصادية تخفف ثقل الزيادات على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة.

وفي الصيف الماضي أعلنت الحكومة عن ضبط خطة لإنهاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية بحلول 2024، في مسعى لترشيد الإنفاق في الموازنة السنوية، والتي تأتي ضمن برنامج إصلاح الاقتصاد الذي يتوخى سياسة متوازنة بحيث لا تنعكس مثل هذه القرارات على القدرة الشرائية للمواطنين.

وحددت السلطات في مايو الماضي إجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال الرفع من مداخيل المواطنين عبر مراجعة عدد من الأجور ووضع سياسة جبائية ملائمة والحفاظ على استقرار الأسعار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: