موسم أصيلة يرصد واقع العروبة وتحديات النظام العربي

ماموني

ضمن ثالثة ندوات الفترة الخريفية في الدورة الثانية والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي في المغرب حاول خبراء ومحللون سياسيون من مختلف الدول العربية استشراف تصور جديد للعمل العربي المشترك واقتراح حلول لتغيير الواقع العربي ومنهجية عمل المؤسسات المشتركة كجامعة الدول العربية، وفق استراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار التغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية، وذلك بمناقشة التحديات التي تواجه العالم العربي والمشكلات التي تعاني منها بعض الدول وتقديم مقترحات لتجاوزها.

أثرت التحولات الإقليمية والدولية في فكرة العروبة التي شكلت الأفق السياسي والاستراتيجي لمشاريع التحديث والنهوض في العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر، الشيء الذي نجمت عنه آثار سلبية على الهوية والمواطنة وانفجار الأوضاع الداخلية في الدول، ما ساهم في ازدياد حجم التدخلات الأجنبية في القرار العربي وعلى الخصوص تركيا وإيران كجوار جغرافي ومشترك ديني ضمن معادلة المشاريع الشرق – أوسطية التي تبنتها دول عظمى.

مواضيع ناقشها عدد من المسؤولين والمثقفين والأكاديميين العرب في ندوة “العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة، العروبة إلى أين؟”، سؤال استراتيجي اختلف هؤلاء على مدى يومي الاثنين والثلاثاء في تحليله ورصد أبعاده ومآلاته ضمن ندوات منتدى مؤسسة أصيلة شمال المغرب السنوي.

تحديات وتحولات

مصطفى نعمان: العروبة صارت شعارا نتغنى به وليس فكرة نُفعّلها في المجتمع

إذا انطلقنا من محاولات التحديث التي ظهرت في العالم العربي منذ القرن الـ19، نجد أنها اقترنت وامتزجت بالعروبة في ثلاث صياغات؛ حسب ما جاء في مداخلة محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى مؤسسة أصيلة، أولاها الصيغة الحضارية التي تمثلت في جهود المفكرين والأدباء الذين آمنوا بإمكان النهضة العربية، باستلهام قيم الإصلاح والتنوير الديني واستنباتها في العالم العربي، وثانيتها الصيغة الأيديولوجية المتمثلة في التنظيمات السياسية والحركية التي تبنت القومية العربية، وعمل فيها دعاة الوحدة العربية انطلاقا مما اعتبروه المقوّمات المشتركة التي يمكن أن يتم بها تشييد الدولة العربية المكرسة لهوية الأمة، أما الجانب الثالث فهو النظام الإقليمي الاندماجي الذي تبنته جامعة الدول العربية.

واعتبر محمد بن عيسى السفير ووزير الخارجية السابق أن التحولات الإقليمية والدولية أثرت إلى حدود اللحظة سلبا على فكرة العروبة، إضافة إلى الشرخ الذي حدث في كيان الدولة الوطنية بعدد من الأقطار العربية، و”التداعيات الكارثية” التي ترتبت على ذلك في “بعض التجارب المريرة”، ما شجّع القوى الإقليمية غير العربية على التدخل والتأثير في الساحة العربية المضطربة، وهو ما فجر بصيغة أو بأخرى النّزعات الإثنية والطائفية، بما في ذلك في الدول التي كانت مهد العروبة والقومية العربية.

فيما حذر الحسين شعبان -المفكر والباحث العراقي- من تصدع الدولة العربية وتراجع القضية الفلسطينية الجامعة للعروبة، وانفجار الهويات الفرعية، والرياح الطائفية والإثنية المناوئة لفكرة العروبة، وحضور قوى أخرى بالمنطقة، مثل تركيا وإيران.

وأمام المنطقة العربية، وفق ما يرى السيد ولد أباه، تحدي وجود تشكل إقليمي جديد وتحولات دولية كبرى وتحولات إقليمية تستهدفنا كعرب، وأوضح أن هناك نمطا من التحدي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وشمال أفريقيا في ارتباط مع الساحل والصحراء، وهي تحديات لم يعد بإمكاننا معها إعادة بناء النظام الإقليمي العربي دون أن نكون فاعلين فيها.

تدخلات أجنبية

تاج الدين الحسيني: عالمنا العربي يعيش أسوأ أزماته منذ حصول دوله على استقلالها

تشهد الساحة العربية حروبا داخلية وصراعات، وتدخلا خارجيا في صورة قاتمة لا يجب أن تفقدنا الأمل، حسب توصيف نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين، لأنه توجد بذور تحولات عربية إيجابية، فالإنسان العربي أصبح أكثر وعيا بالمؤامرات التي تحاك، وأكثر تشبثا بعروبته، والكثير من الدول التي عانت بدأت تستوعب الدروس وتعود رويدا إلى صفوف أمتها.

ويعتقد محمد أبوحمور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي بالأردن أن المنطقة العربية هدف للأجندات داخل المنطقة وخارجها، لأنها تملك موارد الطاقة البديلة، حتى لو نضب النفط بعد عقود.

فالمنطقة عرفت الاستعمار والتدخلات والأجندات الخارجية والصراعات الأيديولوجية والاصطفاف بين معسكري الغرب والشرق أثناء الحرب الباردة والقصور التنموي والتبعية الاقتصادية واتساع الهوة التقنية وقضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والحرية والتطرف والتشرذم، حسب هاشم كايد، وهي تقتضي التنمية بمفهومها الشامل، وبالتالي إعادة الترابط العربي في حقول التنمية الذي يبدأ بالمفاعيل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وصولا إلى بناء كتلة اقتصادية تشكل صوتا للمنطقة العربية ضمن كتل متنافسة أخرى.

ودق نبيل الحمر جرس إنذار كبير بخصوص وضع العرب أمام التحديات الاقتصادية والتحولات العالمية، فالوضع يتطلب الحد الأدنى من التنسيق والتكامل.

والأمر بالنسبة إلى الحمر لا يجب أن يقتصر على مواجهة التحديات بل ينبغي أن يشمل صناعة التحولات لمواجهة القوى الأخرى، مشيرا إلى أن الحضارة ظلت صامدة في قلب كل التحولات التي واجهت العرب، وربط العروبة بالمصلحة المشتركة والعمق العربي.

وأبرز الحسين شعبان أن هناك مخاطر تتعرض لها العروبة بتصدع الدولة العربية وانفجار الهويات الطائفية، حيث يحتاج الأمر إلى عروبة جامعة لها امتداد حضاري وهي حقيقة موضوعية وليست نهائية بل متحولة ومتجددة باستمرار.

واقع يدعو للتشاؤم

Thumbnail

في ظل الواقع العربي المتردي ركز مصطفى نعمان، وهو سفير يمني سابق لدى إسبانيا، على دور الجامعة العربية التي اعتبرها مجرد جهاز إداري يتقاضى موظفوها تعويضات سخية دون أن تستطع التدخل وحل مشكلة عربية واحدة، متسائلا ماذا أنجزت الجامعة العربية وهي تجمع 22 دولة في مجالس اقتصادية واجتماعية وشبابية وإعلامية، لكنها مجرد جهاز إداري يتقاضى موظفوه مبالغ سخية، وتقاعدا سخيا، فهل ينجزون ما أنشئت من أجله؟

مبارك ربيع: العروبة يجب أن توحدنا دون انغلاق

ولم يكتف السفير والمحلل السياسي بهذا النقد بل ذهب بعيدا في القول إن الجامعة العربية لم تقدم مقترحا واحدا ولم تنخرط في تقديم حل للأزمة الخليجية الأخيرة، فدول المجلس لا علاقة لها بالجامعة ولم تسمح لها بالتدخل، وتساءل بشكل متشائم لماذا فشلت الدول العربية في إيجاد نموذج بديل عن هذه المنظومة؟ هل يرجع ذلك إلى عدم وجود إرادة لإيجاد بديل وتفعيل الموجود؟

أزمات كثيرة في جل الدول العربية منها اليمن والعراق وليبيا، لكن كيف لا يوجد مبعوث عربي في حين أن هناك مبعوثين أمميين؟ هكذا تساءل مصطفى نعمان، مضيفا أيضا هل العروبة هي الجذور واللغة الواحدة والمساحة الجغرافية المترابطة، والمصالح الواحدة، والمخاطر المشتركة، أم مجرد شعار نتغنى به أم فكرة علينا التمسك بها وتطويرها وتفعيلها في مجتمعاتنا؟

وبنظرة تشاؤمية أكد تاج الدين الحسيني أن عالمنا العربي يعيش أسوأ أزماته منذ تاريخ نشأة دوله وحصولها على استقلالها، حيث أكد أن الربيع العربي كان خريفا قاسيا ومدمرا أنتج دولا فاشلة وأخرى مارقة أو تتأرجح بينهما، ويتطلب منا ذلك تقييم هذا الوضع الذي يعيشه عالمنا العربي من منطلق كيف تضررت المواطنة العربية والهوية.

فيما أشار الحمر إلى أنه تقع على الجامعة العربية مهمة جسيمة تتمثل في تقريب وجهات النظر بين الدول العربية، موضحا أن العالم العربي الممتد من أفريقيا إلى الشرق الأوسط وآسيا قادر على مواجهة التحديات، بل قادر على صناعة التحولات في العالم.

الهوية والمواطنة والعروبة

يقول الحسين شعبان إن اختلاف الهويات حقيقي وغير ملفق، لأن هناك مجموعات وأفرادا، حيث توجد علاقة قوية اليوم بين القومية العربية والمواطنة، فيما يتساءل نعمان لماذا نطالب غير العربي بما نحن مقتنعون به من فكرة العروبة كالكردي أو الصومالي أو الجيبوتي؟ لماذا أوسمه بهويتي وما علاقته بهذه العروبة التي نريد أن نجعلها جامعة لهذا الحيز الجغرافي؟ فعند الحصول على الجنسية لا بد أن يصبح الشخص مواطنا كامل المواطنة والأهلية في كل مؤسسات الدولة.

أما ولد أباه فيعتقد أن المواطنة ضمن الدائرة العربية تفترض أن التجانس على مستوى النسيج الوطني يحمي المواطنة ويحمي استمرارية الدولة، لكنّ لدينا دولا عربية تشهد حروبا أهلية وهي الدول الأكثر تجانسا، مثل اليمن، فالظاهرة الطائفية فيها مفتعلة؛ فالزيدية مثلا كانت دوما ضمن النسيج المجتمعي.

وعلى العكس من ذلك ذهب مصطفى نعمان إلى التأكيد على أن العروبة فكرة مثالية لا نستطيع إسقاطها على أرض الواقع، حيث أن هناك الكثير من الأزمات بين الدول العربية سببها ذاتي أكثر منه موضوعيا، وهو ما فاقم الأزمات.

محمد بن عيسى: التحولات الإقليمية والدولية أثرت سلبا على فكرة العروبة

واعتبر الروائي والأكاديمي المغربي مبارك ربيع أن العروبة يجب أن تكون بعيدة عن الأيديولوجيا والعرقية والإثنية، فهي الكيان الذي يجب أن يوحد دون انغلاق ويجمع العبقريات المختلفة المتلونة، والخطأ كما يعتقد هو رفض كل ما هو أجنبي، فمستقبل العروبة كالماضي البعيد يكمن في البحث عن أسباب التلاحم والتداخل مع الثقافات الأخرى والاندماج في العالم بما فيه من معرفة وتكنولوجيا واتجاهات سياسية لكي نكون عروبتنا وليس بالانعزال، إذ لا يوجد شيء اسمه عروبة خالصة.والمشكلة حسب الأكاديمي الموريتاني مرتبطة بالهوية الوطنية فنحن نفترض أن الهوية الوطنية في تعارض دائم مع الانتماءات وهذا غير حقيقي، هناك دول تشكلت فيها هويات وطنية كمصر وتونس والمغرب. هناك بلدان أخرى لم تتشكل فيها هوية وطنية، فحق المواطنة لا يتعارض مع حق الهوية القومية، والمشكلة هنا تكمن في ضعف سياسة المواطنة وضعف البناء الوطني في الدول العربية.

واستغرب المثقف والروائي أحمد المديني الحديث عن الماضي فقط وكأن الحاضر غير موجود، وعن الهوية كقالب ومفهوم ثابت، مؤكدا في مداخلته أنه لا توجد هوية ثابتة فهي مراتب وتتشكل وتتدرج حسب الأزمنة والثقافات.

فالهوية عند المديني مرتبطة بالآخر الغربي الذي وجد كتحدّ تاريخي وثقافي، هذه المواجهة حركت عندنا لكنها لم تكن حاسمة بالضرورة في انطلاق المشاريع الفكرية او السياسية أو الإصلاحية، لأننا دائما كنا انتقائيين نأخذ من هذا الاتجاه أو ذاك لا لكي نصنع هوية جديدة، وهذه هي مشكلتنا. وكما هو موجود حاليا في فرنسا إعادة تشكيل ما هو قائم من التشكلات السياسية لا ينبغي التعامل معها بمعان قديمة بل هناك إعادة هيكلة للواقع.

ما العمل؟

تشبث محمد بن عيسى بالأمل، وإمكان التفكير والعمل من أجل آليات تستشرف الواقع العربي الجديد، وما تعرفه منطقته المجاورة، فالنقاش الجاد يبدأ بانتقاد الذات، والمصالحة داخل الدول نفسها مسألة مهمة جدا، كما أنه لا وجود لأسرة في بيت مقسم مهجور.

وبنفس متفائل أيضا أكد الحمر أنه ما تزال للمنطقة “ليس فقط قدرةٌ على مواجهة التحديات والتحولات، بل صناعة التحولات، لتكون قوة يحسب لها حساب في الاستراتيجيات والسياسات التي يتخذها آخرون”.

أما الحسيني فاعتبر أن العناصر الأساسية لنظام إقليمي عربي مستجد هي البحث في مبادئ الحكم الرشيد في القضاء على الفساد واستغلال النفوذ وتمكين المواطنين من صناديق الاقتراع وعودة العسكر إلى ثكناتهم، في حين أكد نعمان أن بعض الدول العربية تحتاج إلى مصالحة داخلية، ليشعر المواطنون بأنهم أصحاب حق لهم مسؤوليات وعليهم واجبات، ويمكن أن نتحدث بعد ذلك عن العروبة.

وبالنسبة إلى كايد هاشم، نائب الأمين العام للشؤون الثقافية في منتدى الفكر العربي، فإن “إدامة التَّفَاكُر في مآلات العالم العربي دليل عافية للخروج من حلقة معاناة طويلة، بعد ما يزيد عن القرن من التحولات التي أنتجت تحديات متلاحقة، وصدامات أيديولوجية ومادية”.

وفي انتظار مرحلة أفضل لنتحدث عن الاندماجات الإقليمية، ثم الوحدة، ثم أمة تستحق مواجهة باقي الأمم كنموذج للرقي والحضارة والتقدم، كما يرى الحسيني الذي أكد أن التشاؤم هو محرك ديناميكي لمستقبل مغاير يكون أحسن، بوضع النقاط على الحروف والقيام بتصحيحها بشكل تدريجي ولكن تفاؤلي.

وأوصى حمور بضرورة وجود رؤية عربية مشتركة نابعة من رصد وتحليل مشكلات البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وربطها بالمخططات التنموية، ووضع رؤية شمولية لمشكلات التنمية العربية، معتبرا أن إعادة الترابط العربي في حقول التنمية تبدأ من المصالح الحقيقية والموضوعية، وصولا إلى بناء كتلة اقتصادية تستطيع أن تشكل وزنا للصوت العربي في ظل التكتلات المتنافسة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: