جدلية الرئاسة والعسكر في الجزائر تعود من بوابة ألمانيا

بليدي

عادت جدلية العسكر والرئاسة في الجزائر إلى الواجهة بين تلفزيون “دوتشيه فيليه” ومجلة “دير شبيغل”، بعدما حجبت خلال السنوات الأخيرة تحت ضغط التطورات المتسارعة في البلاد داخليا وخارجيا، فالأول وصف الرجل الأول في المؤسسة العسكرية بـ”الحاكم الفعلي للبلاد”، والثانية ذُكر فيها رئيس الدولة بأنه هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو صاحب القرار الأول والأخير في إدارة شؤون البلاد والمؤسسة معا.

ظل العسكر في الجزائر المدير الفعلي لشؤون البلاد، وصاحب القرار الحاسم في الملفات والقضايا الكبرى منذ استقلال البلاد في صائفة 1962 إلى غاية مطلع الألفية الجديدة، حيث استطاع الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة بعد العشرية الأولى من حكمه أن يفكك نفوذ المؤسسة ويعزل كبار رموزها لصالح نخبة مدنية شكلت نواة الرئاسة، لكن سرعان ما فاجأته المؤسسة بضغط رهيب أجبره على التنحي عن السلطة في أبريل 2019، تحت ضغط ثورة الشارع.

وأوحى انقلاب رجل الجيش القوي حينها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح على الرجل الذي قربه ومنحه ثقته على رأس المؤسسة بأن بوتفليقة لم يفكك سطوة المؤسسة كما ساد الاعتقاد، بل إن الجيش لجأ إلى استراحة محارب، فانكفأ قليلا قبل أن يعود بقوة وشراسة أكثر مما كان، فقاد المرحلة الانتقالية والفراغ المؤسساتي وفرض مخرجاتها على الجزائريين وعلى الحراك الشعبي.

قبضة حديدية

رحل لكن إرثه لا يزال حيّا 

لم تعد مسألة تصدّر المؤسسة لمفاصل السلطة من جديد إلا تحصيل حاصل لا غير، وحتى تجاذبات الأجنحة داخلها لم تفرط أبدا في المكانة الحمراء للمؤسسة كقاطرة تقود المؤسسات الأخرى، وأن جولات القبضة الحديدية لا يمكن أن تتنازل أو تتحالف مع المدنيين، لأن الفرقاء يجمعون على أنه لا بديل عن العكسر في إدارة شؤون البلاد.

لكن عودة جدلية العسكر والمدنيين عبر وسائل إعلام أجنبية تنحدر من بلد أوروبي لا تجمعه خلافات أو مصالح متنافرة مع الجزائر، تطرح استفهامات جوهرية حول ما إذا كانت القضية تندرج في منطق الصدفة، أم أن الرئيس عبدالمجيد تبون الذي دعمه الجيش للوصول إلى قصر المرادية بات ينزعج من تصاعد دور ونفوذ المؤسسة منذ تنصيب قائدها الجديد الجنرال سعيد شنقريحة في مطلع عام 2020، خاصة وأن الفارق بين تسجيل “دوتشيه فيليه” المتعلق بالرجل الأول في هيئة الأركان وبين التصريح الذي أدلى به تبون لمجلة “دير شبيغل” ليس كبيرا.

الجيش الجزائري حقق مكاسب دستورية غير مسبوقة حيث صار بإمكانه التدخل لإنقاذ البلاد، وهي الفتوى القانونية المطاطية التي تسمح له بالتدخل حتى في الشأن السياسي الداخلي

ووصف التلفزيون الألماني الجنرال سعيد شنقريحة بـ”القائد  الفعلي للبلاد، وبمهندس الحرب الباردة مع المغرب”، استنادا إلى وقائع وإفادات وتصريحات من مصادر مختلفة، بما فيها وسائل الإعلام الغربية وبعض ما ورد على لسانه.

وذكر أن صقر الجيش الجديد اقترن صعوده بتصاعد وتيرة التوتر مع المغرب، واستشهد على ذلك بأحد تصريحاته الذي قال فيه “الجيش مهمته الدفاع عن حدوده، اليقظة ضد الإرهاب، ضد المهربين، ضد حتى عدو كلاسيكي”، وهو لم يفوت أي فرصة لوصف المغرب بالعدو الكلاسيكي، حسب التلفزيون الألماني.

وأضاف “باستخلاف الجنرال الراحل أحمد قايد صالح في قيادة الأركان أصبح سعيد شنقريحة هو الرجل الثاني في الدولة، لكنه في الحقيقة هو القائد الفعلي للبلاد”، واستند إلى ما ورد في صحيفة “لوموند” الفرنسية التي قالت “تبون ليس أقوى رجل في الجزائر، الرجل القوي الحقيقي في الجزائر هو شنقريحة، وتعيينه جاء كإجراء رمزي داخل الجيش لاحتواء حراك الشعب 2019″.

وعاد إلى إفادات لقناة “بي بي سي” ومجلة “جون أفريك” اللتين ذكرتا أن سعيد شنقريحة هو “قائد ميداني في القوات البرية وشارك في عدة حروب (..) كحرب الرمال والعشرية السوداء، وهو صقر مناهض للمغرب ولم يتوان عن مهاجمته عدة مرات”.

وسرد دوتشيه فيليه تصريحات أدلى بها قائد الأركان، وذلك للاستدلال بها على تغول الرجل وهيمنته على مصدر القرار في البلاد، حيث قال في أحدها “النظام المغربي يتمادى في تحجيم دور الجزائر”، وقال في آخر “أراضي الصحراء مغتصبة من دون وجه حق من قبل المغرب المحتل”.

الحاكم الفعلي

مكاسب هامة تعكسها القُبل 

يرى متابعون للشأن الجزائري أن الجيش الجزائري حقق مكاسب دستورية غير مسبوقة في الوثيقة الدستورية الأخيرة للعام 2020، حيث صار بإمكانه التدخل في حالات الخطر لإنقاذ البلاد، وهي الفتوى القانونية المطاطية التي تسمح له بالتدخل حتى في الشأن السياسي الداخلي، وهو ما يكون قد شجع رئيس أركانه على استغلال كل ما هو متاح له، حتى ولو كان مثيرا للرأي العام والإعلام الأجنبي أو مزعجا للمؤسسات المدنية الأخرى.

واعتبرت دير شبيغل أن “تبون كان جزءا من جهاز السلطة في الجزائر العاصمة لفترة كافية تسمح له بالتعرف على مدى فساد حكومة بوتفليقة. وفي عهد الرئيس السابق تم إخراج مليارات الدولارات الأميركية من البلاد”.

وأضافت “ما زال الحكام الجدد يبحثون عن الأموال المسروقة من خلال شركات استشارية في مختلف أنحاء العالم، في سويسرا وفي الولايات المتحدة وفي أوروبا. وفي الجزائر أيضا يُزعم أن الحكومة الجديدة حصلت على مبالغ مالية كبيرة، على الأقل هذا ما يمكن سماعه من حاشية الرئيس”.

ولما سئل عن كونه مجرد واجهة مدنية لنظام عسكري قال تبون “الشعب الجزائري يعرف أن هذا غير صحيح. أنا من رشح قائد الجيش، وبالإضافة إلى الرئاسة أتولي منصب وزير الدفاع. الأجهزة السّرية وضعت تحت سيطرتي، لم تعد تحت سيطرة الجيش. هذا هو الواقع الجديد في الجزائر الذي يضمنه الدستور”.

وتابع “أستطيع أن أقول لك ذلك؛ يتلقى قائد الجيش الذي أقوده تعليمات مني لتحديث الجيش. علاوة على ذلك لديه ما يكفي من الاهتمام بالوضع الحساس على حدودنا. هذا أنا. لا أحد سيفعل ذلك في مكاني؛ أنا من أمر بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، وأنا من أمر بتنفيذ نفس الإجراء بالنسبة إلى الطائرات المغربية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: