احتفل المغاربة السبت بالذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء، وهي مسيرة شعبية سلمية تم تنظيمها في خريف 1975 من أجل الضغط على إسبانيا لمغادرة الصحراء المغربية.
وتأتي ذكرى المسيرة الخضراء هذه السنة في ظل مستجدات كثيرة عرفها ملف الصحراء على المستوى السياسي والدبلوماسي والأمني، مع زيادة المقتنعين بمبادرة وحقوق المغرب في صحرائه، ومنها صدور قرار مجلس الأمن رقم 2602 والذي جاء مكرّسا لمكتسبات المملكة على الأرض.
كما أن المستجد المهم الذي طبع السياسة الرسمية للرباط لهذا العام هو دينامية “دبلوماسيات القنصليات”، حيث نجحت في تحويل الاعتراف بمبادرتها بشأن الحكم الذاتي الموسّع إلى أمر واقع.
وكان الاعتراف بمبادرة المغرب بشأن الحكم الذاتي الموسع بمثابة تقرير واقع بمقابل تراجع الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية على مستوى الحضور الدبلوماسي الخارجي، وهو ما عكسه الموقف الأخير لمجلس الأمن الذي ألزم الجزائر بالمشاركة في “الموائد المستديرة” كشريك مباشر في النزاع.
وتوالى افتتاح قنصليات عدد من الدول الأفريقية والعربية في كبرى مدن الأقاليم الجنوبية، حتى بلغ عددها 25 قنصلية، حيث تُعد سيراليون آخر بلد افتتح قنصلية له في إقليم الصحراء في أغسطس الماضي، وقبلها بشهر افتتحت مالاوي قنصلية في الإقليم، وهي التي كانت تعترف سابقا بالبوليساريو قبل أن تسحب اعترافها بالجبهة في السابع من مايو 2017.
محمد لكريني: اعتراف دول أميركية بمغربية الصحراء تأكيد لفعالية مبادرة الحكم الذاتي
وكان الحدث الأهم هو إعلان الولايات المتحدة في العاشر من ديسمبر الماضي عزمها افتتاح قنصلية في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء، ضمن إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الإقليم، وهو ما استمرت في اعتماده إدارة الرئيس جو بايدن من بعده.
ويعتقد محمد لكريني أستاذ القانون والعلاقات الدوليين بكلية الحقوق أيت ملول جامعة ابن زهر، أنه بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بدأت استراتيجية فتح القنصليات في مدينتي الداخلة والعيون لتأكيد هذه السيادة المغربية.
وأوضح لكريني في تصريح له أن الإدارة الأميركية بعد اعترافها أقرت القيام بمشاريع استثمارية ضخمة في الأقاليم الجنوبية المغربية الاستراتيجية لأنها تطل على الدول الأفريقية، وبذلك فهي بوابة المغرب في قارته التي يعد جزءا لا يتجزأ منها.
وعلى مستوى دول أميركا اللاتينية فقد أعربت السلفادور في نيويورك عن دعمها لجهود المغرب لإيجاد حل سياسي واقعي وعملي ومستدام لقضية الصحراء، وذلك في إطار الاحترام التام لوحدة المملكة وسيادتها، كما جددت كولومبيا التأكيد على “أهمية المبادرة المغربية” للحكم الذاتي في الصحراء و”الجهود الجادة” التي تبذلها المملكة للتوصل إلى حل لهذا النزاع الإقليمي.
كما أعلنت نائبة الرئيس ووزيرة خارجية كولومبيا مارتا لوسيا راميريز نهاية أكتوبر الماضي عن إصدار “تعليمات للسفير الجديد لكولومبيا بالرباط من أجل تمديد نطاق الإشراف القنصلي لسفارة كولومبيا في المملكة على كل التراب المغربي، بما في ذلك الصحراء”.
ولفت لكريني إلى أن اعتراف العديد من الدول في أميركا اللاتينية، من بينها الاعتراف الأخير لكولومبيا التي كانت في عهد سابق مساندة لطرح جبهة البوليساريو، هو تأكيد لفعالية مبادرة الحكم الذاتي التي سبق وأن أكد مجلس الأمن في قراره عدد 1754 سنة 2007 وما بعدها أنها ذات جدية ومصداقية، مما سيدعم الموقف المغربي في المنتظم الدولي وبذلك يمكن اعتبار هذه الاعترافات المتتالية بمثابة امتياز سياسي ودبلوماسي للمغرب نتيجة دينامية الدبلوماسية المغربية في هذا الشأن.
ويعود تاريخ تنظيم المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350 ألف مواطن ومواطنة إلى السادس من نوفمبر 1975، عندما دعا العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني (والد الملك محمد السادس) إلى مسيرة شعبية سلمية من أجل الضغط على إسبانيا لمغادرة إقليم الصحراء الذي كانت تحتله بعدما تسلحت الرباط على سبيل الدعم القانوني برأي لمحكمة العدل الدولية أكد على أن الصحراء كانت ترتبط بالسلطة المركزية على مدى التاريخ.
وتعرف الصحراء المغربية منذ تحريرها من الاحتلال الإسباني زخما تنمويا وعمرانيا واقتصاديا كبيرا تعزز سياسيا بإنجاز انتخابات تشريعية ومحلية لاختيار مندوبين عن السكان، وقد عرفت العملية الانتخابية إقبالا واسعا.
واعتبر عبدالكريم الزرقطوني رئيس “مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث”، أن هذا التميز الانتخابي يعد تعبيرا منهم عن قوة ارتباطهم بوطنهم وبمقدساتهم العليا، ولم يكن الأمر مجرد عملية انتخابية لاختيار ممثلي المنطقة في المجالس والهيئات التمثيلية، بقدر ما أنه جسد روح الاستعداد لإثبات التعلق المستمر بقيم الانتماء للوطن وفرز الممثلين الحقيقيين للسكان والتعبير عن الموقف الواضح والمسؤول والصارم ضد مؤامرات الخصوم، وضد أساطير الدعاية الانفصالية المتهالكة.
وفي هذا الصدد نشرت الأمانة العامة للأمم المتحدة كوثيقة رسمية لمجلس الأمن وباللغات الست للمنظمة، الرسالة التي وجهها السفير الممثل الدائم للمغرب عمر هلال، إلى مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة في العاشر من سبتمبر الماضي، بشأن سير الانتخابات العامة في الثامن من سبتمبر بالمملكة، والتي أكدت أن نسبة المشاركة المرتفعة لسكان الصحراء المغربية “تمثل تأكيدا جديدا من خلال صناديق الاقتراع على التشبث الراسخ للمواطنين في الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم”.
الصحراء المغربية تعرف منذ تحريرها من الاحتلال الإسباني زخما تنمويا وعمرانيا واقتصاديا كبيرا تعزز سياسيا بإنجاز انتخابات تشريعية ومحلية لاختيار مندوبين عن السكان
ويرى مراقبون أن الاستقرار الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية المغربية عزز حضور الكثير من الشركات الغربية والعربية التي تستثمر في هذه المنطقة، مؤكدين أن بروباغندا الجزائر والبوليساريو لم تؤثر على تلك الشركات لسحب استثماراتها وهذا ما يشكل تعزيز سيادة المغرب على صحرائه، وهو ما سيرفع من تواجد تلك الشركات في مدن العيون والداخلة.
وشدد لكريني على أن هذه الاستراتيجية ستخدم القضية الوطنية كمحاولة لإيجاد حل ينهي هذا النزاع الذي طال أمده وكانت تكلفته كبيرة على دول المنطقة، بل الأكثر من ذلك ستسمح هذه الاستراتيجية باستضافة العديد من المشاريع الاقتصادية في ظل تزايد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء سواء ما سبق وأن تم الإعلان عنه حينما يتعلق الأمر بالنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية أو الاستثمارات التي ستقوم بها الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الكبرى في ظل تنافسها على المنطقة الأفريقية.
ومازالت الجزائر لم تقتنع إلى الآن بأن المغرب يمضي في تنمية صحرائه ولم يلتفت إلى استفزازاتها المستمرة إلى الآن، ومنذ دخولها على الخط من خلال تحريك جبهة البوليساريو الانفصالية لمنع المغرب من الاستعادة الكاملة لأراضيه وشغله عن تطويرها اقتصاديا، حيث تحول النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.