نادية فتاح العلوي أول مغربية تتولى حقيبة الاقتصاد والمالية

ماموني

لأول مرة في المملكة المغربية تتربع إمرأة على رأس وزارة الاقتصاد والمالية بعدما كانت مقتصرة على الرجال، ما يعزز مبدأ المناصفة بين الجنسين وتكافؤ الفرص في تولي المسؤولية، لتكون نادية فتاح العلوي الوزيرة التي تنتظرها مهام غاية في الصعوبة والدقة بعد مرورها اللافت كوزيرة للسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي في الحكومة السابقة.

العلوي ورثت طبيعة وطموح والدها محمد فتاح الذي لعب أدوارا مهمة على رأس وزارة الطاقة والمعادن أواخر ثمانينات القرن الماضي، والذي نجح في مهمته مديراً عاما للمكتب الشريف للفوسفات، المادة الحيوية والاستراتيجية التي تعد من أركان الاقتصاد المغربي، وقد ترعرعت ابنته في جو يجمع بين السياسة والمال والأعمال.

رؤية خاصة

كفاءة وخبرة العلوي في مجال المال والأعمال والتدبير المالي جعلتا الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش تقرّر تفويض السلطة إلى وزيرة الاقتصاد والمالية في ما يتعلق بالتمويلات الخارجية وإبرام عقود الاقتراضات الداخلية واللجوء إلى كل أداة مالية أخرى قصد إرجاع الدين الخارجي المكلف وعقد اتفاقيات لضمان مخاطر أسعار الفائدة والصرف، ويبدو أنها ستنجح في مهمتها على اعتبار الخبرة التي راكمتها كمديرة عامة مكلفة بقطب الدعم والتمويل في شركة إيسيني السعادة للتأمينات، ومستشارة بمؤسسة “آرثر أندرسون” المتخصصة في التدقيق المالي وتمويل الشركات.

وقبل التحاقها بالعمل الحكومي لأول مرة في العام 2019 بحقيبة السياحة حققت العلوي إنجازات عالية في مجال التأمين على المستوى الأفريقي منذ انطلاق مسارها المهني أهلها لتأسيس شركة “ماروك إنفيست فايننس غروب” العاملة في مجال صناديق الاستثمار وتمويل الشركات والتابعة لمجموعة “تينينفيست”، واستمرت فيها في منصب المدير العام إلى 2004، كما شجعت النساء على تحمل المسؤوليات في القطاعات ذات الصبغة الاستراتيجية منها التدبير والمحاسبات والمالية والتسيير، ولهذا كان تأسيسها لنادي “نساء المغرب” عام 2012 ومهمته مساعدة الراغبات في ولوج المناصب الحساسة والتي كانت حكرا على الرجال، ونتيجة جهودها اختيرت من طرف مجلة “جون أفريك” ضمن أفضل خمس نساء أفريقيات رائدات.

الزيادات في أسعار بعض المواد الاستهلاكية تضع أمام وزيرة الاقتصاد والمالية مهام كبيرة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن والتعامل مع تقلبات الأسعار التي تعتبرها الحكومة مسألة ظرفية ومحدودة زمنيا

ونجحت العلوي في تعزيز النشاط السياحي وتأهيل الصناعة التقليدية ومدّ جسور الحوار مع المهنيين وحل مختلف الملفات المطلبية للعاملين بالقطاعات التي ترأسها، وكانت جائحة كورونا بمثابة امتحان غير تقليدي مرت به هذه السيدة التي طورت طرقا مبتكرة لحلّ أزمة المرشدين السياحيين غير المرخصين، وقادت مشاورات مطولة مع القطاعات ذات الصلة لتمكين هؤلاء والنظاميين منهم من التغطية الاجتماعية، ووقعت اتفاقيات مع منصات رقمية لترويج وتسويق المنتجات التقليدية المغربية على المستوى الوطني والدولي.

ولم تركن الوزيرة إلى مكتبها داخل الوزارة بل قامت بعدد من الزيارات الميدانية لعدد من جهات المملكة للوقوف شخصيا على تأثير الجائحة على القطاع الذي ترأسه، وكانت لها رؤية واضحة لتشجيع السياحة الداخلية للتعامل مع الأزمة غير المسبوقة والتي ضربت السياحة في مقتل، ولهذا جندت كل طاقاتها وعلاقاتها وطاقمها للتواصل مع المسؤولين على القطاع البنكي لتدبير مشكل القروض الصغرى والمتوسطة التي عانت منها الشركات العاملة في القطاع السياحي.

من المتوقع أن تتعامل العلوي بالمنطق المعهود عنها مع مهمتها الجديدة على رأس وزارة الاقتصاد لتعزيز التزامات الحكومة التي يرأسها حزبها في المستقبل في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة التي تواجهها البلاد بالبحث الحثيث عن التمويل الميسر للمشاريع الكبرى والمتوسطة  والمساعدة التقنية والخدمات الاستشارية المناسبة من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والدول الصديقة والشركاء الاقتصاديين، خصوصا وأن مشروع قانون مالية سنة 2022 الذي صادقت عليه الحكومة خصص للاستثمارات العمومية مبلغاً غير مسبوق يناهز حوالي 245 مليار درهم.

وبعد الزيادات في أسعار بعض المواد الاستهلاكية وجدت وزيرة الاقتصاد والمالية أمامها مهام كبيرة للتعامل مع معادلة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن والتعامل مع تقلبات الأسعار التي تعتبرها الحكومة مسألة ظرفية ومحدودة زمنيا، لهذا قررت الحكومة توقيف رسوم استيراد القمح وتعويض المستوردين للحفاظ على سعر الدقيق ثابتا، وهناك إجراءات تتفق نادية العلوي على تنفيذها في المستقبل المنظور، خصوصا مع ارتفاع تكلفة النقل واللوجستيكية الذي تسبب في ارتفاع التضخم، في المقابل انخفضت أسعار المواد الغذائية.

تحديات للمستقبل

مجلة “جون أفريك” تصنف العلوي ضمن أفضل خمس نساء أفريقيات رائدات

تحديات وملفات كبرى على طاولة العلوي لعل أبرزها الإشراف على الإقلاع الاقتصادي بعد أزمة جائحة كورونا وتحفيز الشغل خصوصاً لفائدة الشباب، حيث تعتزم الحكومة دعم خلق أكثر من 250 ألف فرصة شغل في السنتين القادمتين، وأمامها أيضا تحدي تحقيق الإجراءات التي تؤسس للدولة الاجتماعية التي تولي عناية كبرى للمشاريع الملكية المتعلقة بالحماية الاجتماعية الشاملة، وإصلاح المنظومة التربوية بكل مكوناتها، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، فمن خلال تفاعلها مع التحديات تجد أن جائحة كورنا أظهرت بجلاء حجم الإخفاقات التي راكمتها الحكومات السابقة، أبرزها وزن القطاع غير المهيكل وفشل مجموعة من البرامج الاجتماعية وغياب الحماية الاجتماعية بالنسبة إلى فئات واسعة من المواطنين.

وعندما تتكلم هذه المسؤولة الحكومية البارزة فهي تتحدث بلغة الأرقام وهي الحاصلة على دبلوم من المدرسة العليا للتجارة بباريس في العام 1994، وبالنسبة إليها يعبر قطاع التعليم بصدق عن مبادئ النجاعة والتشارك، بعدما تم دمج التعليم الأولي مع باقي أسلاك التعليم الأخرى من ابتدائي وإعدادي وثانوي بالاضافة إلى الرياضة نظرا للارتباط الوثيق بين الدراسة والرياضة ودورهما في تحقيق الاندماج والارتقاء الاجتماعي، إلى جانب التكوين المهني الذي يرتبط بشكل مباشر بالاقتصاد والشركات، حيث تم إدماجه في وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وهو نفس المنطق الذي تم بواسطته توزيع باقي القطاعات الوزارية.

العلوي لم تركن إلى مكتبها داخل الوزارة بل قامت بعدد من الزيارات الميدانية لعدد من جهات المملكة للوقوف شخصيا على تأثير الجائحة على القطاع الذي ترأسه

عينا العلوي على إنجاز التأمين الإجباري عن المرض لتعميمه على الفئات المعوزة كأولوية، وهي تنظر إلى الطبقة الوسطى كعامل توازن مهم اجتماعيا واقتصاديا في المغرب، وغايتها توسيع قاعدة هذه الفئة لدورها المحوري في النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، ما يستدعي العمل على هندسة الموازنات المالية للسنوات المقبلة والحفاظ على قدرتها الشرائية بمراجعة الرواتب والتعويضات وتخفيض الضريبة على دخول العمال في إطار استراتيجية متكاملة وهادفة تجعل الإصلاح الضريبي وإعادة التوزيع العادل للثروة من أولويات عملها على رأس وزارة استراتيجية.

وهذه الورش تحتاج إلى نسبة نمو أكبر من 2.5 في المئة، وهو المعدل المحقق خلال السنوات العشر الماضية، والعلوي ترى أن الرؤية الاستباقية الملكية لتدبير الأزمة جعلت الاقتصاد الوطني يسترجع نشاطه، ويتوقع أن يصل النمو نهاية السنة الجارية إلى 5.7 في المئة. ومسؤوليتها في شركة “أكسا” كرئيسة قسم التأمين على الحياة وتوليها لمنصب مديرة عامة مسؤولة عن الشؤون المالية إلى غاية سنة 2017 حيث تقلدت منصب المديرة العامة لشركة سهام للتمويل ورئيسة مجلس إدارة سهام للتأمين فرع المغرب، خبرات ستجعلها قادرة على تقييم كل السياسات المتعلقة بصناديق التأمين وعلاقتها بمناصب الشغل وفق المعايير الدولية للعمل اللائق للحد من الهشاشة، إلى جانب تكوين نظرة واقعية بخصوص عمل القطاعين العام والخاص في النهوض الاقتصادي، وهي تركز من خلال تجربتها على أنه يجب ألا يشتغل كل قطاع حكومي لوحده، وأن مجهودات الحكومة لوحدها لا تكفي بل يجب أيضا العمل مع القطاع الخاص وكل الفاعلين.

مناوشة العدالة والتنمية

التدابير الحكومية لحزب العدالة والتنمية ترى العلوي أنها أجهزت على المكتسبات السابقة للمغرب

السياسات الحكومية أثناء تدبير حزب العدالة والتنمية للشأن العام خلال السنوات العشر الأخيرة أنتجت إخفاقات اقتصادية واجتماعية أجهزت على المكتسبات التي حققها المغرب سابقا، وأصبحت عائقا للتنمية عوض أن تكون محركا لها، هذا هو رأي وزيرة الاقتصاد في حكومة أخنوش، وهو رأي لم تستسغه قيادات العدالة والتنمية رغم أن زملاءها السابقين على رأس الوزارة كان أغلبهم من حزبها التجمع الوطني للأحرار، إلا أنها اعترفت أن الإنجازات التي تحققت كانت دون الطموحات، وأن الأرقام المتعلقة بالنمو الاقتصادي ومعدل البطالة تكشف ذلك.

هذا الاعتراف لم يعجب أعضاء العدالة والتنمية الذين شاركوا في حكومتين على التوالي حتى أكتوبر الماضي، معتبرين أن هذا التصريح يستهدف تجربة قيادتهم للحكومة، ومنهم الوزير السابق عزيز الرباح الذي حجر على تفكير واستقلالية العلوي عندما قال إن الوزيرة الجديدة تلت ما كُتب لها لا غير، مشيرا إلى أن تصريحاتها تناقض التقارير الدولية والخطابات الملكية في الوقت ذاته.

وعندما تنظر جيدا في كلام وزيرة الاقتصاد الجديدة تراه منصفا، فهي تعرف أن الذين توالوا على هذا المنصب ينتمون إلى تنظيمها السياسي إلى جانب وزارات كبرى كالصناعة والفلاحة والتجارة، وهي تؤكد “تحملنا مسؤوليتنا في القطاعات التي دبرناها، ولحسن الحظ أننا دبرناها، وتم ذلك بشكل جيد، وهو ما ساهم في ألّا يكون الوضع الحالي أسوأ نتيجة غياب الرؤية الشمولية والتنسيق بين القطاعات الحكومية”.

العلوي تستند إلى إرث وطموح والدها محمد فتاح الذي لعب أدوارا مهمة على رأس وزارة الطاقة والمعادن أواخر ثمانينات القرن الماضي، ونجح أيضاً في مهمته مديراً عاما للمكتب الشريف للفوسفات

وريثما تكمل الحكومة مئة يوم من عمرها، وحتى يكون التقييم موضوعيا وعملياً، ترى وزيرة الاقتصاد والمالية أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة هو أول مشروع للحكومة الجديدة سيمكن من تفعيل توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس المضمنة في خطاب السنة التشريعية، ومن الشروع في تنفيذ التزامات البرنامج الحكومي، مع الأخذ بعين الاعتبار الانخراط في مسار استعادة التوازنات المالية التي تأثرت بشكل واضح نتيجة أزمة كوفيد – 19.

أما عن عمل المعارضة داخل البرلمان، فترى العلوي أن مقاربة الهندسة الحكومية لا تقاس بعدد الحقائب، بل بمدى انسجام القطاعات التي تشكل الحكومة لضمان النجاعة الضرورية في تنفيذ مختلف السياسات والبرامج الملتزم بها، وهذا بمثابة رد سياسي على ما عرفته الحكومات السابقة من اختلافات وتناقضات جوهرية في المقاربة والتواصل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: