يراهن المغرب كثيرا على أهمية الاستثمار الأجنبي، كآلية اقتصادية من شأنها خلق فرص شغل للعديد من المواطنين، ويدخل هذا في إطار استراتيجيته الشاملة للانفتاح والتحرير، بحيث وضع إطارا قانونيا يساعد على تطوير علاقاته التجارية مع العديد من الشركاء الدوليين، وذلك لاعتبارات عدة : أولها القرب الجغرافي من أوروبا، انخفاض تكلفة الأجور، توفر البنى التحتية بمواصفات عالمية كالموانيء والمطارات…إلى غير ذلك من الامتيازات التي تغري بالاستثمار على أرضه.وبالموازاة مع ذلك فإن هذه الاستثمارات تساهم بشكل كبير في تدوير عجلة الاقتصاد وهو ما من شأنه أن يرضي الطرفين : المستثمر الأجنبي والمغرب ممثلا في كل المتداخلين لتفعيل وإنجاح هذا الرهان.
إلا أن مناخ الاستثمار في المغرب ورغم الترسانة القانونية التي توحي بتوفير الحماية الكافية للمستثمر سواء فيما يتعلق باتفاقيات التجارة والصناعة..أو فيما يخص ضمان حقوق المستثمر بمواءمة مع التشريعات الوطنية، يجعل الأمر يصير مدعاة للأسف الشديد عندما نشهد تعرض بعض المستثمرين الأجانب لعمليات نصب منظمة، من طرف مغاربة، وهذا ماحدث فعليا مع السيد “سيلي ألدو ” وهو مستثمر بلجيكي، قادته الأقدار بإيعاز من مهاجر مغربي، أقنعه بمزايا الاستثمار في المغرب، بمدينة القنيطرة وهكذا أسس شركة لحفر الآبار.
بدت الأمور طبيعية للغاية وطيلة 15 سنة إلى أن أبرم عقدا مع المدعوة الصافي .خ والسيد ق.فتح الله ينص على العمل في ضيعة السيد محمد قمرين الكائنة بسكيلات، قيادة بئر الطالب. بعد توصله فور توقيع العقد بمبلغ 20.000 درهم كقسط أولي من مبلغ 690.000 ستسلم للسيد ألدو خلال فترة تنفيذ الأشغال الموكولة له والواردة في نص العقد، سوف يتفاجأ بعدم توصله بباقي المبالغ المستحقة، مما جعله يتوقف عن تنفيذ الأشغال…
لم يكن هذا هو الأمر السيء الوحيد ، بل إن الأسوء هو حجز معداته ودعوة قضائية ضده من المدعوة الصافي .خ والمدعو فتح الله بتهمة توصله بالمبالغ كاملة ، وامتناعه عن إنجاز المهمة المتفق عليها حسب العقد !!
دخلت القضية ردهات المحكمة ابتداءا بمحضر استماع لدى الدرك الملكي بسيدي قاسم الذي أقر بتوصل المواطن البلجيكي بمبلغ 690.000 درهم مسجلة بعقد في بلدية سيدي قاسم وهو الأمر الذي أنكره السيد ألدو مؤكدا أن بنوذ العقد المبرم لا تسمح له بأخذ المبلغ المتفق عليه كاملا قبل إنجاز مهمته وأن الوثيقة التي أدلى بها الطرف الثاني مزورة فالمثبت هو أن حساب الشركة قد توصل بمبلغ 20.000 درهم فقط وهو ما اعترف به المواطن البلجيكي، كما أنه قام بالطعن في التوقيع الذي ينسب له من خلال وثائق القضية، مشيرا إلى أنه لم يصادق عليه لدى مصالح بلدية سيدي قاسم وهو مايثبته عدم إثبات تصحيح الإمضاءات في سجل الإمضاءات بنفس البلدية…
ولإثبات ضرره، تقدم المستثمر البلجيكي بشكاية وجهها إلى وزير العدل المغربي يتهم فيها بلدية سيدي قاسم التي قامت بتصحيح إمضاءه دون أن يكون حاضرا ودون التوقيع على السجل الخاص بذلك، زيادة على غياب ختم الشركة في عدة وثائق وثبوت وجود إمضاء يخالف إمضاء السيد ألدو مما لا يجعل مجالا للشك بأن هناك خروقات وتزويرات في هاته القضية إضافة إلى أن محامي الطرف الثاني في القضية قد أدلى بالتزام بإنهاء العقد المبرم بين الطرفين وهو التزام مكتوب باللغة العربية ، اللغة التي لا يفقهها السيد ألدو مع تزوير توقيعه حسب أقواله !! والحصيلة أنه عاد إلى موطنه بلجيكا بعد أن دمر نفسيا وماديا.
يبقى إذن أن المشتكي- السيد ألدو – وفي لقاء أجرته معه جريدة أخبارنا الجالية، لازال ينتظر إنصاف القانون المغربي له في قضيته هاته، وهي واحدة من القضايا التي تستدعي إعادة النظر في الكثير من التلاعبات الإدارية التي يخسر فيها أصحاب الحق، أموالهم بسبب النصب، لكن خسارة المغرب تكون أشد وأكثر فداحة إذ تسوق لسمعة سيئة عن ظروف الاستثمار في المغرب رغم المؤهلات التي يتوفر عليها، ولعل الجملة التي ختم بها في لقائه مع طاقمنا لأبلغ تعبيرا عن تبعات مثل هاته الممارسات خصوصا أن شكايته لم تجد آذانا صاغية من ذوي الحل والعقد في المغرب وهي عندما قال : “الآن لدي أصدقاء وهم رجال أعمال من بلجيكا يسألونني عن الاستثمار في المغرب..ماذا عساي أن أقول لهم ؟ ” في إشارة واضحة أن المستثمر الأجنبي لن يخوض غمار إقامة مشروع اقتصادي في بلد لا ينصف المستثمرين ولا يحميهم من بطش النصب وحفظ الحقوق.
من الواضح أن الأمر ضرب من العبث، في مرحلة يلفظ فيها اقتصاد المغرب أنفاسه، من جراء الوباء وتبعاته، ازدياد نسبة البطالة في صفوف الشباب، وغيرها من التحديات التي ستظل حبرا على ورق مادمنا لا نتوفر على إطار قانوني يحمي المستثمر القادم إلينا من خارج الوطن سواء أكان أجنبيا أو مهاجرا، وهي كذلك دعوة للتصدي والضرب بيد من حديد على المتواطئين الذين يستسهلون خرق القانون مقابل الارتشاء..فهل من معتبر ؟؟