الجزائر تسعى لبناء تكتل إقليمي ينهي الاتحاد المغاربي

بليدي

تتجه الجزائر لبناء تكتلات إقليمية جديدة تقوم على توسيع وفرز الجغرافيا السياسية للمنطقة لتشمل دول المجموعة التي تجمعها قواسم مشتركة فرضتها التحولات المتراكمة، على غرار المصالح المشتركة والجوار البرّي والتحديات السياسية والاقتصادية، وهو ما يرشح لبروز تحالفات جديدة في المنطقة تقوم على أنقاض تحالفات قديمة بات استمرارها في حكم المستحيل، لاسيما في ظل الفجوة المتعاظمة بين الجزائر والمغرب.
ألمح موقع إخباري مقرّب من السلطات الجزائرية، إلى أن الحضور الأفريقي والمغاربي الذي ميز الاحتفالات الرسمية في البلاد بمناسبة ذكرى عيد الثورة التحريرية، هو مقدمة لميلاد تكتل إقليمي جديد في منطقة شمال أفريقيا على أنقاض الاتحاد المغاربي قوامه دول الشريط الجغرافي الجنوبي والشرقي للجزائر.

وتميّزت الاحتفالات الرسمية بالذكرى السابعة والستين لعيد ثورة التحرير (الأول من نوفمبر) بتسجيل حضور أفريقي ومغاربي مميز، على غير عادة السلطات الجزائرية خلال العقود الماضية، وهو ما أعطى الانطباع بأن الجزائر تستغل الذكرى التاريخية لجمع دول المنطقة على غرار مالي والنيجر وتونس وليبيا، في خطوة توحي برسم معالم تكتل إقليمي جديد يملأ الفراغ الاستراتيجي الذي يخيم على المنطقة، خاصة في ظل الشلل الذي يضرب تكتل الاتحاد المغاربي.

وذكر موقع “الجزائر اليوم” المقرب من السلطة في تقرير له، أن “قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في أغسطس الماضي سهّل الطريق لبقية الدول المغاربية للمضي نحو إقامة اتحاد مغرب عربي بين الجزائر وتونس وليبيا”، في إشارة إلى الدفع بفرز جديد إلى الواجهة يقوم على تركيبة جديدة للاتحاد دون المملكة المغربية.

راشد الغنوشي: علينا أن نحيي مشروع المغرب العربي من هذا المثلث

ويرى مراقبون أن المقاربة الجزائرية الجديدة تقوم على فرز وصياغة جديدة بقواسم مشتركة لم يكن معمولا بها في السابق، على غرار الحدود البرية والملفات المشتركة في المجالات الأمنية والاستراتيجية في الخاصرة الجنوبية، وهو ما يدفع إلى انضمام أعضاء جدد كمالي والنيجر، وأن الحضور الأفريقي اللافت لمسؤولين وشخصيات من البلدين، يعتبر تمهيدا لبلورة مشروع لا يستبعد إطلاقه قريبا على أنقاض الاتحاد المغاربي التقليدي الذي كان يشمل دول الشمال الأفريقي دون الحزام الجنوبي.

وبرّر التقرير ذلك بكون “الواقع الميداني يعتبر الاقتصاد الجزائري والتونسي أقرب إلى الاندماج والتكامل، بفضل الاتفاقيات الثنائية وشبكة البنية التحتية التكاملية بين البلدين، لاسيما وأن البلدين يجمعهما اتفاق تجاري تفاضلي، موقّع عليه بتونس في ديسمبر 2008، وتمت المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بتاريخ يناير 2010، ويهدف إلى تسهيل وتشجيع تنمية التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين”.

ولفت إلى أن “الاتفاق يتضمن إعفاءات جمركية يشترط للاستفادة منها أن يتم التبادل للمنتجات المعنية بهذه الإعفاءات بصفة مباشرة بين البلدين، كما لا تسري على السلع المنتجة داخل المناطق الحرة في أي من البلدين”.

وأضاف “بنفس العلاقة التي تجمع الجزائر بتونس، تقوم الحكومة الجزائرية منذ وصول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الحكم في ديسمبر 2019 بالعمل على مساعدة الشقيقة ليبيا على استعادة عافيتها، عبر تنظيم انتخابات حرة تسمح بانتخاب حكومة شرعية ما يسهل على الشعب الليبي الشقيق استعادة السيطرة على ثرواته التي تتعرض للنهب الممنهج من قبل قوى دولية متعددة”.

وأشادت بنجاح الرئيس تبون في “تنظيم اجتماع لوزراء خارجية دول جوار ليبيا بالعاصمة الجزائر، فضلا عن مشاركته في قمة برلين حول ليبيا”.

الرئيس تبون يرسم خارطة طريق جديدة للجزائر

واستند الموقع في مقاربته إلى أن الفكرة كانت قد طرحت من طرف رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، خاصة وأنه وجه دعوة إلى كل من تونس وليبيا والجزائر، بفتح الحدود وتبني عملة موحدة ومستقبل واحد لشعوب البلدان الثلاثة، لكنه اصطدم بهجوم مغربي اتهمه بـ”العمل لصالح أجندة جزائرية” حسب التقرير المذكور.

وذكر بأن الغنوشي صرح حينها “علينا أن نحيي مشروع المغرب العربي ولو بالانطلاق من هذا المثلث، كما انطلق الاتحاد الأوروبي من العلاقة بين ألمانيا، وفرنسا، هذا منطلقنا لإنعاش حلم المغرب العربي، ونحن من دون هذا الإطار لا نقدر على حل مشكلات تونس”.

لكنه لم يضع في الحسبان التطورات الأخيرة في تونس، بعد التحول الذي أرساه الرئيس قيس سعيد، على نظام الحكم في بلاده، وأن رئيس البرلمان بات من الماضي، الأمر الذي يفقد المشروع ورقة هامة رغم التقارب والتناغم الظاهر بين الرئيسين سعيد وتبون.

الاحتفالات الرسمية بالذكرى السابعة والستين لعيد ثورة التحرير تميّزت بتسجيل حضور أفريقي ومغاربي مميز، على غير عادة السلطات الجزائرية خلال العقود الماضية

وقال الموقع “باستطاعة الدول الثلاثة إطلاق قاعدة صلبة لبناء مغرب عربي قوي بكتلة بشرية تقارب خمسة وستّين مليون نسمة وبناتج قومي يفوق ثلاثمئة وثلاثين مليار دولار، وبثروات طبيعية هائلة تمكن من تحقيق تكامل في ظرف سنوات قليلة”، وهو ما يوحي بأن الفرز الجديد يقوم على تحييد المغرب من الخارطة التقليدية للتكتل.

وتولي الدبلوماسية الجزائرية أهمية قصوى لمد جسور التعاون والتضامن بينها وبين جاريها في الناحية الشرقية (تونس وليبيا)، حيث حرصت منذ وصول الرئيس تبون إلى السلطة منذ عامين على الوقوف العلني والمادي مع البلدين، ما ينبئ بأن الجزائر باتت تفكر استراتيجيا دون الالتفات إلى جارتها الغربية.

وحضر الاحتفالية إلى جانب وزيري خارجية تونس وليبيا، كل من رئيس البرلمان المالي مالك دياو، ممثلا للرئيس الانتقالي أسيمي غويتا، ووزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة مالي عبد اللاي ديوب، الرئيس السابق لدولة موزمبيق جواكيم ألبرتو شيسانو، ووزير الدولة السابق للسنغال عبد اللاي باتيلي، وسميرة نكروما، ابنة الزعيم الغاني كوامي نكروما.

وحظي الوزيران باستقبال رسمي من طرف الرئيس تبون ثم عقدا لقاء رسميا أيضا مع نظيرهما الجزائري رمطان لعمامرة، حيث تناولوا الملفات المشتركة والمواقف المتطابقة إزاء القضايا الإقليمية خاصة الوضع في ليبيا والمسار الانتخابي من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية وشرعية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: