هل سيتفاوض المغاربة والجزائريون في جنيف؟

بولحية

ما الذي اضطر المبعوث الجزائري الخاص للمغرب العربي والصحراء عمار بلاني، لأن يخرج الاثنين الماضي، أي بعد يوم من إعلان بلاده وقف أنبوب ضخ الغاز نحو المغرب ليبرر القرار؟ وهل كان هناك داع أصلا لأن يحمّل حديثه لصحيفة «الشروق» الجزائرية، نبرة وعيد وتهديد أخرى لجارته الغربية برد «الضربة مقابل الضربة»؟ ألا يكفي العلاقات الجزائرية المغربية ما وصلته؟ ثم هل قطع البلدان فعلا شعرة معاوية، ولم يعد هناك أي مجال لأن يتحاورا بهدوء، ولو حول ملف مشترك يعنيهما معا وهو ملف الصحراء؟ أم أن ذلك الملف سيظل مرتهنا بعلاقاتهما المشحونة، حتى بعد أن أصدر مجلس الأمن الجمعة الماضي قرارا جديدا حوله؟
مبدئيا لا اعتراض للموريتانيين، على ما يبدو، للعودة إلى طاولة المفاوضات الرباعية في جنيف، إن عبّر الطرفان الرئيسيان في النزاع، أي الجزائر والمغرب عن استعدادهما لحضورها. غير أنه لن يكون من السهل على طرف آخر وهو جبهة البوليساريو، أن يقرر وحده حضور تلك الجلسات أم لا، لأن ذلك قد لا يكون بيده، حتى إن بادر لوصف القرار الأخير لمجلس الأمن «بالنكسة الخطيرة» متوقعا أن تكون له «آثار بالغة على السلم في المنطقة برمتها» ومضى أبعد حد التهديد بمراجعة موقفه من المفاوضات السياسية حول الصحراء. فالكل يعلم أن مثل تلك المواقف والتعليقات، لم تعد غريبة أو مفاجئة بالنسبة للرباط على الأقل، منذ أن أعلنت الجبهة قبل ما يقرب العام، عن عدم التزامها بوقف إطلاق النار، وما تلا ذلك من إصدارها مئات البيانات، التي تحدثت عن عمليات عسكرية تشنها قواتها في الصحراء، ضد من تصفها بقوات العدو المغربي، من دون أن يتمكن أحد حتى الآن من التحقق فعليا من حصول أي عملية منها، أو أن يكون لذلك الأثر الواضح والملموس على مجريات الأمور على الأرض.

الرباط ستمتنع عن حضور المفاوضات الرباعية، إن تخلف عنها من تعتبره الطرف الرئيسي في المشكل، أي الجزائر

لكن ما قد يهم المغرب بالدرجة الأولى وأكثر من غيره هو، ليس ما الذي تقوله أو حتى تنوي البوليساريو فعله، بل كيف ستتصرف الجزائر بعد القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن في التاسع والعشرين من الشهر الماضي حول الصحراء المغربية ؟ وكيف ستتعامل مع أي دعوة قد يوجهها لها المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا لاستئناف لقاءات جنيف. ومن الواضح أن تعليق الخارجية الجزائرية، الأحد الماضي، الذي تضمن «الأسف العميق» إزاء ما وصفه بالنهج غير المتوازن كليا المكرس في نص القرار الأممي، لا يلقي الضوء على ذلك، بقدر ما يظل مبهما وغامضا وغير حاسم في توضيح الطريقة التي سينتهجها الجزائريون مع ما بات يشكل لهم نوعا من الحمل الثقيل والمكلف. فهو أي بيان خارجيتهم لا يرد على أهم وأخطر سؤال سيكون عليهم أن يجيبوا عنه في الشهور القليلة المقبلة وهو، هل إنهم سيعودون مجددا إلى جنيف للجلوس مع من حددتهم الأمم المتحدة أطرافا في ذلك النزاع، اي المغرب والبوليساريو وموريتانيا؟ أم أنهم سيتمسكون بما أعلنته البعثة الجزائرية في الأمم المتحدة في رسالتها إلى رئيس مجلس الأمن، في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، من أن «الجزائر لم تعتبر يوما أن هذه الموائد المستديرة صيغة نهائية لتسيير العملية السياسية في الصحراء الغربية، بل بالأحرى كمرحلة انتقالية لمفاوضات بين مملكة المغرب وجبهة البوليساريو» وأنها أي الجزائر «لن تشارك في هذه الموائد» حسب ما جاء في تلك الرسالة؟
إن واحداً من المآزق التي قد يواجهونها في حال ما إذا قرروا التمسك بذلك الموقف، أي عدم الحضور لاستئناف الجلسات الرباعية، أو الموائد المستديرة التي يفترض أن يرعاها المبعوث الأممي الجديد للصحراء، هو أن الرباط ستمتنع بدورها عن حضورها، إن تخلف عنها من تعتبره الطرف الرئيسي في المشكل، أي الجزائر، لأن المفاوضات حول الصحراء ستكون في غيابها، حسب ما صرح به الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة عمر هلال، قبل سنوات مع انطلاق تلك الموائد «مضيعة للوقت» لأن «البوليساريو كيان وهمي ومجرد أداة سياسية بيد الجزائر» مثلما قال. و»إن المفاوضات إما أن تكون مع الجزائر، أو لن تكون نهائيا مع هذا الكيان الوهمي» حسبما أضاف. لكن من سيكون المتضرر أكثر من غيره في تلك الحالة؟ بالنسبة للرباط ربما يستوي وجود مفاوضات أو غيابها. فمن الواضح أنها ترى أنها لن تقدم حلا آخر للمشكل الصحراوي غير الذي قدمته، كما أن الوضع الحالي يخدمها بشكل كبير، ويسمح لها بأن تدعم رؤيتها وتصورها اللذين عرضتهما قبل أكثر من عقد حول ذلك الحل العملي والواقعي والتوافقي للمعضلة الصحراوية، كما تصفه الأمم المتحدة، بمنح المناطق الصحراوية حكما ذاتيا. وهناك أكثر من سبب، كما ذكر وزير الخارجية المغربي يدعو الرباط لأن ترحب بالقرار الأممي الأخير حول الصحراء وتعتبره «مهما» ومن بينها أن مجلس الأمن أجاب على رفض الجزائر صيغة الموائد المستديرة «بأن أقر بأن هذه هي الصيغة الوحيدة المناسبة لرعاية الحوار السياسي، وذلك بمشاركة جميع الأطراف، وذكر التقرير في فقراته عبارة الموائد المستديرة أربع مرات» كما أنه أي مجلس الأمن رد على رفض الجزائر المشاركة في العملية السياسية، بأن ذكرها في القرار خمس مرات و»حدد الأطراف الحقيقيين في النزاع، وأن الجزائر تتحمل المسؤولية في نزاع الصحراء واستمراره» كما جاء في كلام الناصر بوريطة في مؤتمر صحافي الجمعة الماضي. واعتبار الجزائر هنا طرفا أساسيا في المشكل، لا يجعل فقط من حضورها مسألة جوهرية لا هروب منها، بل ينسف أيضا كل ما تقوله من أنها تقف بثقلها وراء البوليساريو، فقط لأنها تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وفي المقابل يرى الجزائريون أن الطريقة التي تنظم بها تلك المفاوضات تخدم المغاربة، أكثر مما تخدمهم، وهي تضفي مشروعية على ما تقوله الرباط، من أن الجزائر هي الطرف الحقيقي في النزاع لا البوليساريو. ولأجل ذلك فهم لا يتحمسون لحضورها من جديد.
لكن ما الذي سيحدث إن أصروا على أن لا يشاركوا في أي مفاوضات قد يدعو لها ديمستورا، وطالبوا بالمقابل بأن ينحصر التفاوض على الصحراء فقط بين المغرب والبوليساريو؟ ما يفترضه المغاربة هنا هو أن جيرانهم سيدخلون حينها في مواجهة مباشرة مع المنتظم الدولي، بمخالفة القرار الأخير لمجلس الأمن وسيضعون أنفسهم على الضد من مقررات الهيئة الأممية وتوجهاتها. لكن هل ستصل الأمور فعلا إلى ذلك الحد؟ من الصعب أن تضع الجزائر نفسها في مثل ذلك الوضع، كما أن دخولها في مواجهة عسكرية مع جارتها الغربية، من خلال اشتراكها مع البوليساريو في هجمات على مواقع مغربية، يبدو أيضا مستبعدا. غير أن السيناريو الذي يبدو أقرب من غيره، هو أن تقدم للمبعوث الأممي شروطا إضافية، أو تطلب منه تغييرات شكلية أو ضمانات ما للحضور إلى جنيف. يبقى إلى أي نتيجة سيفضي كل ذلك؟ لا أحد بمن فيهم عراب المفاوضات يملك الجواب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: