أخطاء العشرية السابقة تضاعف الرهانات أمام رئيسة الحكومة في تونس

هدوي

أثارت تركيبة الحكومة التونسية الجديدة بقيادة نجلاء بودن تساؤلات لدى الأوساط السياسية بشأن ما يترتب عليها فعله صحبة فريقها الحكومي لتجنب أخطاء الحكومات السابقة التي فشلت في إدارة الشأن العام وحلحلة أهم الملفات العالقة، وخلفت قطيعة بين الطبقة السياسية الحاكمة ومختلف الفئات الشعبية.

ولم تفلح الحكومات المتعاقبة منذ 2011 في تجاوز الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، وغرقت الطبقة السياسية بمؤسساتها وأحزابها في خندق ضيق من الصراعات والتجاذبات الأيديولوجية والبراغماتية للتحكم في السلطة والتعامل مع مقدرات الشعب التونسي والدولة بمنطق الغنيمة.

وتداول على إدارة الشأن العام بالبلاد منذ 2011 عشر رؤساء حكومات دون احتساب الحبيب الجملي الذي أخفق في إقناع البرلمان بفريقه الحكومي في 2020.

وخلال عشر سنوات تولّى رئاسة الحكومات التونسية المتعاقبة كل من محمد الغنوشي ثم الراحل الباجي قائد السبسي ثم حمادي الجبالي وبعده علي العريّض وخلفه مهدي جمعة، ثم الحبيب الصيد فيوسف الشاهد، وسقطت حكومة الحبيب الجملي لعدم نيلها الثقة، وإلياس الفخفاخ الذي استقال وخلفه هشام المشيشي، ثم نجلاء بودن التي تم تعيينها منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

وترى شخصيات سياسية أن حكومة نجلاء بودن مطالبة بتجنب عدة أخطاء ارتكبها رؤساء الحكومات السابقون لتتمكن من النجاح في مهمتها، ومن أهمها التركيز على الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة ودفع الاستثمار، فضلا عن السعي لحلّ مشاكل البطالة وتشغيل الشباب.

وطالب المحلل السياسي المنذر ثابت بأن تكون الحكومة الجديدة “منهجية في تحديد أولوياتها واختيار عدد محدود من الأهداف والسعي لتحقيقها خصوصا في المجال الاقتصادي”.

المنذر ثابت: على الحكومة إيجاد حلول للمنظومة الاقتصادية والتجارية

وأضاف في تصريح لـه أن “الإشكال في الحكومات السابقة هو الخطاب الفضفاض والأيديولوجي والسفسطائي، ويفترض أن تركز بودن على المنظومة الاقتصادية والتجارية لإصلاح ما يمكن إصلاحه في اتجاه تشجيع المبادرة الخاصة والاستثمار الداخلي والخارجي”.

وتابع “بالموازاة مع الملف الاقتصادي هناك ملف الهجرة الذي لا يقل أهمية، حيث تحولت تونس إلى معبر نحو أوروبا، ولكن لا بد من التفاوض مع الجانب الأوروبي والمطالبة بإقناعه بالطبيعة المنهجية لقرارات الخامس والعشرين من يوليو الماضي باعتبارها عملية لإعادة القاطرة”.

ودعا المحلل السياسي إلى “ضرورة التركيز على تشغيل الشباب من خلال إعطاء التراخيص الإدارية ومنح الدعم المالي لتلك المشاريع، فضلا عن تطوير منظومة الخدمات في قطاعات النقل والصحة والتعليم التي تحتاج إلى إصلاح وتطوير من حيث التجهيزات والجودة”.

كما طالب بضرورة “الإصلاح الجبائي بإدماج أكبر عدد ممكن من الفاعلين الاقتصاديين في مظلة الجباية والتغطية الاجتماعية، علاوة على الإصلاحات في المنظومة البيروقراطية التي ستكون هامة، والاتجاه نحو الرقمنة وعصرنة الإدارة، وهذا يناقش مع الاتحاد العام التونسي للشغل”.

ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجة الأزمات المتفاقمة بسبب ضعف تصوراتها السياسية والاجتماعية وغياب برامج واضحة، ما تسبب في خلق هوّة كبيرة بينها وبين المواطنين.

ويرى مراقبون أن حكومة نجلاء بودن مطالبة بالاقتراب أكثر من مشاغل المواطن التونسي والعمل على حلّ الأزمات اليومية المتعلقة أساسا بالجانب الاجتماعي والاستهلاكي، علاوة على تحسين السياسة الخارجية مع دول الجوار ومعرفة خبايا الأزمة الليبية وحسن التموقع بين القوى الإقليمية هناك.

رافع الطبيب: على الحكومة حل مشاكل الخدمات والتواصل مع المواطنين

وقال رافع الطبيب الباحث في الشؤون الجيوسياسية إن “حكومة بودن هي أول حكومة تأتي من خارج دائرة الأحزاب والحسابات السياسية، وعلى المستوى الشعبي القريب من الشارع لا بدّ أن تسعى لحلّ مشاكل السوق والخدمات التي لا تشرّف تونس حاليا (المضاربة والاحتكار وأزمات الزيت) وعليها أن تضرب بعصا من حديد على أيادي العابثين”.

وتابع في تصريح لـه أن “الشعب التونسي لا تعنيه التوازنات الاقتصادية والمالية، بل على الحكومة أن تحقق بعض المطالب التي تمس المواطن بشكل مباشر مثلما تم بخصوص جلب التلاقيح، على عكس حكومات النهضة التي كانت تريد المقايضة بالمساندة السياسية”.

ولفت الطبيب إلى أن حكومة بودن مطالبة بـ”خلق آليات تواصل مع الفئات الشعبية، واختيار استراتيجية مختلفة عن الرئيس قيس سعيد، فضلا عن توضيح العلاقات مع دول الجوار خصوصا ليبيا التي ربما ستدخل في أزمة كبرى حيث لم تتوصل القوى الإقليمية المتداخلة بعد إلى تفاهمات، وعلى تونس أن تأخذ حذرها من هذه المسألة وأن تبني تحالفات صلبة”.

ولعلّ ما يدعم دور الحكومة التونسية أنها جاءت من خارج المنظومة الحزبية التي عبثت بمصالح التونسيين عبر قراراتها السياسية المبنية على التحالفات والولاءات، فضلا عن كونها ضمت تسع نساء ضمن تركيبتها ما خلق نوعا من التفاؤل والترحيب لدى مختلف الأوساط السياسية والحقوقية.

وعبرت منظمات المجتمع المدني خاصة منها الناشطة في المجال النسوي عن تثمينها للخطوة التي اتخذها قيس سعيد لإعادة الاعتبار لنساء تونس وتقديم رسالة للداخل والخارج مفادها انتهاء مرحلة الرجعية وحضور النساء بالفعل في بناء الجمهورية الجديدة.

ونجلاء بودن هي أستاذة جامعية من مواليد 1958 متخصصة في علوم الجيولوجيا، وتم تكليفها بهذه المنصب بعد نحو شهرين من إقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان.

وأصدر الرئيس التونسي في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي قرارا أعلن فيه استمرار تجميد عمل البرلمان وتعليق العمل بأبواب كاملة من الدستور، وجاءت كل تلك الإجراءات عقب أزمات اقتصادية شهدتها البلاد، لكن تلك التدابير الاستثنائية لاقت انتقادات واسعة ووصفها البعض بـ”الانقلاب على الدستور والثورة”، بينما أكد الرئيس سعيد أنها ضرورية لإنقاذ البلاد.

وفي الخامس والعشرين من يوليو الماضي أعلن الرئيس التونسي جملة من القرارات الاستثنائية أهمها تجميد نشاط البرلمان لمدة ثلاثين يوما وإقالة حكومة هشام المشيشي بعد فشلها في إدارة الشأن العام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: