صراع بنكيران والعثماني وعقدة الزعامة لدى الإسلاميين

الدبابي

أعاد تأجيل مؤتمر حزب العدالة والتنمية المغربي ذي الخلفية الإخوانية بعام كامل الجدل حول عقدة الزعيم لدى التيارات الإسلامية وخاصة الإخوانية منها. والأمين العام السابق للحزب عبدالإله بنكيران لم ينظر إلى أزمة الحزب، الذي سقط سقوطا مدويا في انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، بل تعاطى معها على أنها مناورة من خصمه سعدالدين العثماني الأمين العام، والذي يسمح له التأجيل بالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أموره للعودة إلى المنافسة بقوة.

سعى بنكيران لاستثمار الهزيمة المدوية لخصمه ليعود إلى رئاسة الحزب كقائد ملهم. يريد أن يثبت للذين أطاحوا به في الانتخابات أنهم قد أخطأوا بحقه وأن عليهم الاعتذار، وخاصة عليهم السمع والطاعة في المستقبل ما يمكّنه من أن يضمن فترتين قادمتين دون مشاكل.

تحرص أدبيات الإسلاميين على التعامل مع رئيس الحزب أو الجماعة بمنطق الأمير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن منافسيه بقطع النظر عن تدينهم وتاريخهم وعلمهم هم خارجون عن صف الفرقة الناجية، وهو ما يجعل التجاءه إلى اعتماد الانتخابات أمرا شكليا وبلا معنى سوى محاولة استثماره للإيحاء بأن بعض الحركات الإسلامية باتت تعتمد الديمقراطية في إدارة شؤونها الداخلية، وهي رسالة موجهة إلى الخارج، ولا قيمة لها داخليا.

لقد نظر بنكيران إلى نتائج الانتخابات كنصر له شخصيا على خصمه، ولذلك طالبه بالاستقالة الفورية بعد الهزيمة، وها هو يغضب لتأجيل المؤتمر ويعلن أنه لن يترشح لأن التأجيل يفوّت عليه فرصة استلام سلطة القيادة دون عناء، والعودة إلى الواجهة كأمير قوي.

غير بعيد عن صراع الإخوان في شمال أفريقيا الذين غيروا أسماءهم ليقولوا إنهم لم يعودوا إخوانا وإنهم يقودون حركات ذات هوية محلية، نجد أن الجماعة الأم، أي حركة الإخوان المسلمين في مصر تعيش على وقع صراع الشقوق والرموز

وتتكرر هذه القصة في أكثر من حزب وجماعة إسلامية وفي كل الأوقات، والمشهد هو نفسه في تونس مع فارق في التفاصيل، فراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة بمسمياتها المختلفة لأكثر من خمسين عاما يرفض التنازل عن القيادة بالرغم من أن القانون الذي أشرف عليه بنفسه ووافق على إقراره يقول إن آخر مدته الرئاسية تنتهي بانعقاد المؤتمر، وأن عليه تسليم عهدته، والتفرغ لاحقا لمسائله وعلاقاته الخاصة.

وقد تأجل المؤتمر الحادي عشر لأكثر من مرة لأن حسابات الغنوشي لا تتماشى مع عقده، ويريد أن يبحث عن حيلة قانونية تتيح له أن يترشح كمنافس على الرئاسة، وسيكون ضامنا للفوز بسبب شبكة علاقات قوية صنعها خلال السنوات الماضية خاصة.

والحيلة التي لعب عليها الغنوشي هي اعتبار أن المؤتمر سيد نفسه، وممكن أن يغيّر ما تم الاتفاق عليه سابقا ويلتف على عملية المنع بإجازة عودة الرئيس مالك الأسرار والمال والعلاقات الخارجية المتينة.

وبعد اليأس من الحصول على تعهد من الغنوشي بأنه لن يترشح للمؤتمر القادم الذي لا أحد يعرف متى يعقد، بالرغم من مرور سنتين على موعده الأصلي، اختار مناوئو الغنوشي التصعيد في خطوتين الأولى تقديم عريضة تطالب بتوضيح باحترام مقتضيات الفصل الـ31 من النظام الداخلي الذي يمنعه بشكل واضح من الترشح، والثانية المرور إلى الاستقالات التي بدأت بأسماء كبرى ومؤثرة مثل عبدالمجيد الجلاصي ولطفي زيتون قبل أن تنتهي إلى استقالة جماعية في قائمة تفوق المئة وثلاثين قياديا من القيادات العليا والوسطى وفي المحليات.

والنتيجة هي نفسها تقريبا، فليس المهم مصير الجماعة أو الحزب وصورته وتأثيره المجتمعي، فذلك عنصر ثانوي، المهم أن تظل السلطة متمركزة في يدي الأمير، أو هكذا يسمّى قبل الخروج من السرية ودخول لعبة العمل السياسي العلني تحت مظلة ديمقراطية شكلانية.

ومن المنتظر أن يتوسع الخلاف أكثر باتجاه تحول حركة النهضة إلى أجسام متعددة إذا قرر المستقيلون تشكيل حزب، وقد لا يفي حزب واحد بالتعبير عن حاجة بعض القياديين إلى الزعامة، فهناك من يريد حزبا مدنيا دون أي إشارة لبعده الديني، وهناك من يسعى لإعادة تجربة حركة “الاتجاه الإسلامي” كواجهة تدعو إلى تطبيق الشريعة وتعيد الحركة إلى بعدها الإخواني الأول. وبعد وقت سنجد مسمّيات متعددة في إحياء لتجربة الإسلاميين في الجزائر الذين باتت لديهم أجسام سياسية بعدد الرموز المتصارعة.

وغير بعيد عن صراع الإخوان في شمال أفريقيا الذين غيروا أسماءهم ليقولوا إنهم لم يعودوا إخوانا وإنهم يقودون حركات ذات هوية محلية، نجد أن الجماعة الأم، أي حركة الإخوان المسلمين في مصر تعيش على وقع صراع الشقوق والرموز وكل يريد أن يثبت أنه حامل للشرعية وحام لمنهج القيادة التاريخية الموجودة في السجون.

من المنتظر أن يتوسع الخلاف أكثر باتجاه تحول حركة النهضة إلى أجسام متعددة إذا قرر المستقيلون تشكيل حزب

مع ملاحظة أن الصراعات لا علاقة لها بالبرامج والأفكار، فشق مكتب إسطنبول الذي يتزعمه القيادي محمود حسين ينظر إلى منافسه إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد، والمقيم في لندن، كمنافس على القيادة والشرعية، ولهذا سيتقوّى كل منهما بداعميه الخارجيين ليفرض نفسه الرجل الأول على التنظيم رغم أنه ضعف وتراجع تحت وقع الاعتقالات إلا أنه ما يزال يمتلك إمبراطورية مالية عابرة للدول لا شك أنها تغري كل قيادي بأن يقاتل للإمساك بمفاتيحها.

ولأن صراع الخارج وتشابكاته لا تنتهي، وقد تخرج من تفاصيل القيادة وتقييم الماضي وضبط من يتحمل المسؤولية إلى قضايا أخرى لا علاقة لها بالداخل، لذلك يتحرك شباب الداخل المنتمون إلى الجماعة من أجل استرداد القيادة لتكون اقرب إلى تفاصيلهم الداخلية والاستظلال بها لتقديم التماسات إلى السلطة السياسية من أجل إعادة النظر في وضع الجماعة، وعدم التعاطي مع ما تقوله “شرعية الخارج” من تصريحات تصعيدية، وأن “شرعية الداخل” لا تبحث سوى عن عفو رئاسي ينقذ ما أمكن من عناصر الجماعة وخاصة من الشباب والقيادات الثانوية التي لم تكن تعي حجم المعركة وتشابكاتها.

وواضح من كل هذه المسارات أن مشكلة الإسلاميين الرئيسية هي في تقديم الحصول على القيادة على ما سواها من العناصر، ما يحوّلهم إلى حركات مغامرة أو مهادنة حسب مزاج “الزعيم” أو “الأمير” الذي يضع وراءه كل الشعارات الكبرى من نوع إظهار الإسلاميين أن لهم مشاريع اجتماعية وبدائل، وهي مسائل ظلت مجرد شعارات في الكتب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: