الشأن الديني ببلجيكا و دور بعض المخبرين في تهديم الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا

بوشعيب البازي

 

إن المتابع للشأن الديني في بلجيكا، وللخطاب الديني المنتشر وما يرافقه من أثر وتأثّر وتأثير، يرى بوضوح أزمة قوية الملامح لا تحتاج الى ذكاء أو كثير من العناء.
لقد كان الشأن الديني يعاني من أزمة كبيرة في فترة ما قبل اتهامات وزير العدل البلجيكي لممثلي الشأن الديني بالتخابر و سوء التسيير ، أزمة تمتد إلى اليوم بعدم الاعتراف بالمسجد الكبير ، و هدم كل ما بني منذ عشرات السنين بتعيين نورالدين الاسماعيلي خلفا لصالح الشلاوي.

نورالدين الاسماعيلي الذي لم نراه و لم نسمع عنه منذ تعيينه كنائب رئيس الهيئة التنفيذية و ذلك راجع لقضاء كل أوقاته في المغرب بعد حصوله على التقاعد ، الشيء الذي يطرح عدة أسئلة في سبب قبوله هذه المهمة ؟ و من كان وراء تعيينه في هذا المنصب بعد فشله في مهمته السابقة؟
حين جاءت الهيئة التنفيذية  وجدت صحراء قاحلة في قلوب وعقول أغلبية الشباب المغاربة بلجيكا فيما يتعلق بالشأن الديني وحقيقة المذهب المالكي ومميزاته، وجدت شبابا اعتادوا أن يأخذوا دينهم من الفضائيات التي تبث غالبا الخطاب الوهابي وما فيه من إشكالات ومن مآزق وفخاخ كارثية، دون أن يتنبهوا لها أو يعرفوا حقيقتها لأنه ليس لديهم معيار للقياس بحكم تغييب الفكر الديني السمح في المذهب المالكي والمنهج المغربي المسامح بامتياز والمتميز في العقيدة والأصول وفي مختلف شؤون الديانة ..


جاءت موجة الوهابية السلفية وارتفعت تحمل فكر التكفير والتبديع، ووجدت في شباب مغاربة بلجيكا مكانا مناسبا، فنمت بسرعة حتى بلغت اليوم مستوى ختامي كنا بيناه ضمن تقسيمنا المرحلي لذلك الفكر ولكل فكر متطرف مغال: التنظير، التكفير، التفجير.
بدأت المرحلة التفجيرية التنظيمية، بمستواها الأول الذي ساهم في سفر العديد من المغاربة الى جبهات القتال بسوريا و العراق ، ثم بلغت مستواها الثاني ، والذي تمظهر بسرعة في عمليات إرهابية و تفجيرات راح ضحيتها العديد من المواطنين سواء في تفجيرات بروكسيل او تفجيرات المطار الدولي بزافنتم مع تحدّ للدولة و عجز من السلطات الامنية، ومعلوم لمن درس كتاب فن الحرب لسون تزو وهو أقدم وأفضل وأخطر كتاب حرب أن الفوضى تستخدم لإخفاء النظام وأن الحريق من تقنيات الحرب الكبرى التي تسبق الخراب الكامل وهو فن كامل خصص له سون تزو مجالا وكان مستخدما في الحروب على مر العصور، فليست الأمور صُدفية بل تنتظم في سياق منظّم ومخطط له جيدا، وهنا لابد من وقفة تأمل وتحليل لهذه الأزمة ثم لابد من رؤية منهجية للخروج منها.
1/الأزمة: إن الأزمة الحالية والتي واكبناها منذ بدايتها متابعة وتحليلا، ليست غريبة عن تاريخ الوهابية في كل الدول التي دخلتها وخربتها، ولكن لهذه الأزمة في بلجيكا  أسباب ألخصها في الآتي:
*السبب الأول: الفراغ الديني الذي يتحمل مسؤوليته بعض المغاربة الذين يعملون لمصالحهم الخاصة و لمصالح الوهابية و بعض المساجد التي أصبح همها الوحيد هو جمع التبرعات و إنشاء مشاريع لأصحابها الذين أصبحوا خبراء في بيع مترات المربعات في الجنة ،وهذا الفراغ أدى إلى تأثر ابناء الجالية أولا بذلك الفكر ومن ثم مباشر بمن قاموا بنشره ضمن مختلف التقسيمات السلفية.
*السبب الثاني: تغييب العلماء المغاربة والفكر المالكي وما في مذهب الإمام مالك من سماحة وعمق، ثم غياب الطاهر التجكاني رئيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة” لأسباب كثيرة منها قلة وعيه  بخطورة الموقف وخشيته على نفسه أو التضييق عليه من طرف الاعلام البلجيكي و من يتعامل معهم من المغاربة .
*السبب الثالث: خطأ استراتيجي قاتل ارتكبته الدولة، ويتمثل في قراءة موضوع السلفية بشكل خاطئ تماما في اعتقادي، لأن الأمر نظر إليه على أنه عرض ناتج لا مرض قائم، وذلك لعدم دراية عميقة بالموضوع، وهكذا ظل الأمر يخضع للتسويف والوعود وينظر إليه كنتيجة لغياب الديمقراطية، ولكنه في الحقيقة مرض فعلي يستشري في المجتمع مستغلا طاقة الكراهية الكامنة ورغبة الكثير من المتطفلين على الشأن الديني من أصحاب الجمعيات الدينية في السير على منهج السلف وهو أمر جيد لكن منهجيته خاطئة، وكذلك كردود فعل على ما كان يفعله المتطرفون في التعهير والفساد وحرب الديانة بل إن  تصرفات بعضهم  زادت جنون الكثير منهم فازدادوا إمعانا في تعديهم وتحديهم ومن خلفهم منظرون لهم ومبررون يزينون الكلام ولا يعون خطورة الأمر حتى هدموا و خربوا الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا.
*السبب الرابع: قوة التمويل الخارجي، والدعم المادي واللوجستي لهذا الفكر الدخيل على بلجيكا، فنشأت الجمعيات الكثيرة ودخلت المليارات وتنظمت المجموعات تحت قيادات وتقاسمت الأدوار ثم تجمعّت وبدأت في الهجوم مستغلة بعض المحفزات فلم يعد للدولة من مهابة وصار الأمر ينبئ بكارثة، وأنا على يقين استشرافي مدعوم ببعض الأدلة الميدانية الكافية للبناء عليها أن هنالك من يتدرب ويتسلح بمناهج تخريبية لتطبيق الوهابية  وهنالك خط مباشر مع السعودية و الامارات  ومع التنظيمات فيقع إرسال متدربين إلى ليبيا وللقتال في جبهات القتال وآخرون يستعدون في بلجيكا ليوم الغزو المبارك والمقدس في اعتقادهم لنصرة دين الله بقوة السلاح وكذلك فعل ابن عبد الوهاب حين نصر (في وهمه) دين الله بقتل من قال لا إله إلا الله وحين نصر رسول الله بذبح آل بيته وتدمير مدينته وحجرته الشريفة.
*السبب الخامس: تعامل جمعيات دينية مع هذا التيار كان رخوا جدا أو متراخيا، والأمر يرجع فيما أراه إلى تأثر بعضهم بهذا الفكر وموالاتهم له، ولخطأ تقديري لقيمة ذلك التيار كمخزون تخريبي، أو لخطأ استراتيجي في فهم نوعية التعامل المناسبة مع ذلك الغزو الوهابي المدعوم بقوة، حتى أثبتت الأحداث الأخيرة أن كل ذلك كان خاطئا جدا، وعسى أن الأوان لم يفت.
*السبب السادس: طبيعة النسيج الذي شكل التيار السلفي الوهابي والذي كنا في دراساتنا عنه قسمنا نوعيات المنضوين ضمنه.
*السبب السابع: الفراغ الإستراتيجي الكبير لدى الهيئة التنفيذية  وعدم الانتقال السريع من المرحلة السردية والإحصائية والمرحلة التسويفية (الوعود وسوف نفعل ونفعل) إلى المرحلة التنفيذية الفعلية، مع غياب تخطيط ورؤيا واضحة للحل بسبب الجهل بالسبب الفعلي للمشكلة، ولا تشفع كثرة مشاكل البلاد أو أي تبرير آخر في هذا التقصير الخطير.

لذلك يجب التحرك السريع وفق المنهج التقسيمي للتعامل مع كل فئة من التيار السلفي فالحوار لازم مع من يحملون ذلك الفكر ويرونه حقا لإقناعهم بأفضلية المنهج المالكي أو لإنقاذهم من العنف والتنظيمات أو لإفهامهم المنهجية الحقيقية للدعوة.
وكذلك التعامل الصارم جدا مع بقية الفئات الهدامة والإجرامية والتي لا يجب التواني مطلقا مع من ثبت إجرامه و إرسال تقارير و وشايات كاذبة للسلطات الأمنية و للأحزاب اليمينية ببلجيكا  للإضرار بمصالح المسلمين ببلجيكا.
هي نظرة فقط، وهي رؤيا فحسب، وعسى تجد من يفعلها، لأن من دورنا التحليل والنصح والتذكير، حبا لوطننا الثاني، وغيرة على مصالح الجالية  وأحلامها التي صارت تتلاشى رويدا رويدا، حتى صار البعض يتمنى الرجوع إلى ما قبلها، هروبا من الحريق.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: