هواجس الصراعات القبلية في كلمة أمير قطر تعكس تخوفا من سيناريو الكويت

حنان الفاتحي

قالت أوساط خليجية متابعة إن كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الثلاثاء في افتتاح جلسات أول مجلس شورى منتخب تظهر قلقا حقيقيا من أن تنتقل هواجس الصراعات القبلية في البلاد إلى المجلس الجديد وتحوله إلى فضاء مربك للأسرة الحاكمة في تجربة شبيهة بالسيناريو الكويتي.

وأضافت هذه الأوساط أن قطر تسعى لإظهار أنها تطور مؤسستها التشريعية لترتقي إلى صيغة البرلمان المتعارف عليه، في سياق حملة لتجميل صورتها خارجيا. لكن الجدل الحاد الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي بعد استثناء أبناء قبيلة آل مرة من الحق في الترشح للانتخابات أصاب المسؤولين القطريين بمخاوف جدية من أن تنتقل هذه الخلافات إلى المجلس المنتخب ويصبح فضاء لا تقدر السلطة على التحكم فيه، وربما يتحول إلى قوة تعطيل وتحد لخيارات أمير البلاد.

وحذر أمير قطر من “التجليات السلبية” للنزعة القبلية في البلاد وقال إنها تعرّض الوحدة الوطنية للخطر، وأصدر تعليمات لإجراء تعديلات تشريعية لتعزيز “المواطنة القطرية المتساوية” في القوانين التي أثارت حساسيات قبلية.

وأشارت الأوساط السابقة إلى أن كلام الشيخ تميم عن التجليات السلبية وسعيه لسن قوانين تعيد تعديل الكفة هما نتيجة قلق مما حف بالانتخابات من ردة فعل غاضبة لدى فئة كبيرة من القطريين الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا لإظهار رفضهم لقانون الانتخابات الذي وضع ليمنع أعدادا كبيرة منهم من حق الترشح.

كلام الشيخ تميم عن التجليات السلبية نتيجة قلق مما حف بالانتخابات من ردود فعل شعبية

ويقول متابعون للشأن القطري إن الدوحة تريد أن تبدو في صورة الإمارة التي تدير شؤونها الداخلية بواسطة انتخابات مبكرة، لكن التطورات التي سبقت الانتخابات أعادت إلى الأذهان تجربة البرلمان الكويتي، وكيف أنه تحول إلى سلطة متحدية للأسرة الحاكمة، ونجح في جر أكثر من وجه بارز في هذه الأسرة إلى المساءلة، وقاد البعض الآخر إلى السجن من خلال إماطة اللثام عن قضايا فساد.

ومن الواضح أن خطاب افتتاح جلسات الشورى هدف من خلاله أمير قطر إلى امتصاص الغضب الشعبي الواسع، وطمأنة الفئات التي تم استثناؤها من الترشح أو حتى من الانتخاب بأن القوانين ستتغير من أجل تجاوز الأخطاء السابقة، وبداية مرحلة جديدة تضع الوحدة الوطنية على رأس أولوياتها.

وأثارت شروط الترشح إلى انتخابات مجلس الشورى في قطر جدلا واسعا وبالأخص شرط أن تكون “جنسية المرشح الأصلية قطرية”.

وقسّم القانون رقم 6 الخاص بنظام انتخاب مجلس الشورى المواطنين القطريين إلى ثلاث درجات، الأولى تضم القطريين الأصليين ويحق لهم الترشح والانتخاب، والقطريين المجنسين المولودين في قطر وجدّهم قطري، وهؤلاء يحق لهم الانتخاب ولكن لا يحق لهم الترشح، والقطريين المجنّسين وهؤلاء لا يحق لهم الترشح ولا الانتخاب.

وكان التحرك الأوضح من نصيب قبيلة آل مرة التي تذهب بعض التقديرات إلى أنّ عدد أفرادها يتجاوز الأربعين في المئة من حَمَلة الجنسية القطرية، معتبرة أنّ مواصفات الفئة الثانية من التصنيف تنطبق عليها، إن لم تكن أصلا قد صمّمت لإقصائها ومنعها من الوصول إلى مجلس الشورى.

Thumbnail

وتسبب القانون الانتخابي باحتجاجات غير مسبوقة قبيل نحو شهر من موعد الانتخابات جرى خلالها توقيف 15 شخصا على الأقل. وامتد انتقاد القانون إلى أوساط إعلامية مقربة من الأسرة الحاكمة وتعمل في وسائل إعلام قطرية بارزة. وقال بعض الإعلاميين إن “القانون سمَّمَ جوّ التآلف الاجتماعي الذي تنعم به قطر منذ زمن طويل”، كما شككوا في تأثير مجلس الشورى مستقبلا ودوره في تطوير الحياة السياسية في البلاد.

ورغم هدوء هذه الموجة من الاحتجاجات القوية، التي جعلت السلطات تشعر بقلق حقيقي، فإن الشيخ تميم قال إنه “لا يمكننا تجاهل الداء لمجـرد اختفاء أعراضه”، في إشارة إلى أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، وأنه ستجري خطوات لمنع العودة إلى هذا الوضع “لاسيما في مكافحة تغليب العصبيات على الصالح العام أو على الولاء للوطن والوحدة الوطنية”.

وقال الشيخ تميم “من منطلق حرصنا على تعزيز المواطنة.. أصدرت تعليماتي لمجلس الوزراء للعمل على إعداد التعديلات القانونية اللازمة التي تضمن تحقيق هذه الغاية وعرضها على مجلسكم الموقّر”. وأضاف “إن المواطنة ليست مسألة قانونية فحسب، بل مسألة حضارية قبل ذلك، ومسألة ولاء وانتماء، ومسألة واجبات وليست حقوقا فقط”.

وتابع أن “القبلية والعصبيات البغيضة على أنواعها يمكن أن يُعبث بها وأن تُسخّر للهدم وإفساد الوحدة الوطنية وأن تُستخدم غطاء لعدم القيام بالواجبات وتعويضا عن عدم الكفاءة وهو ما لم نقبل به ولن نسمح به في المستقبل أيضا”.

وانتخب أعضاء مجلس الشورى القطري الثلاثاء حسن بن عبدالله الغانم كأول رئيس لبرلمان منتخب في البلاد. وحصل الغانم على 37 صوتا مقابل 8 لمبارك بن مطر الكواري، من مجموع أصوات أعضاء مجلس الشورى الـ45.

ويتشكل المجلس من 45 عضوا، تم انتخاب 30 منهم عبر الاقتراع المباشر، فيما عيّن أمير البلاد الـ15 الباقين. وحضر افتتاح جلسات مجلس الشورى أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء الشيخ خالد بن خليفة، وعدد من الشيوخ والوزراء والأعيان.

ومهمة مجلس الشورى تقديم المشورة لأمير قطر في شأن مشاريع القوانين، لكنه لا يضع تشريعات خاصة به. ومن مهامه إقرار الموازنة وسحب الثقة من الوزراء، لكن كل قراراته يمكن نقضها بمرسوم أميري.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: