الحكومة المغربية تعتزم فرض ضرائب جديدة على المواطنين ومنظمة شبابية تنتقد افتقارها إلى رؤية سياسية واضحة

حنان الفاتحي

أعلنت الحكومة المغربية عن عزمها إقرار ضرائب جديدة على المواطنين، بينما تتعالى أصوات منتقدة لتوالي الزيادات في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وأسعار المحروقات، مما يعد -في رأي مراقبين- مؤشراً على بداية التراجع عن الوعود “البراقة” التي أطلقها رئيس الوزراء عزيز أخنوش، خلال حملته الانتخابية باسم حزب “التجمع الوطني للأحرار”.
الحكومة الجديدة التي تضم أيضاً حزبي “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” تهيئ لسنّ ضرائب على الثلاجات والمصابيح والمكيفات وغيرها من الأجهزة المستهلكة للكهرباء، فقد جاء في مشروع الموازنة العامة للعام 2022 الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، التوجه نحو تطبيق ضريبة داخلية على الاستهلاك على المنتجات والآلات والأجهزة المستهلكة للكهرباء (مكيفات الهواء والثلاجات، والمجمدات، والمصابيح المضيئة بتوهج الشعيرات، إلخ…)، وعزت الحكومة إقرار هذه الضريبة إلى “تشجيع إجراءات حماية البيئة والتنمية المستدامة، مشيرة إلى أن عائداتها ستخصص لفائدة صندوق “دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي”.
كما ينص المشروع على تطبيق رسم بيئي في صيغة ضريبة داخلية على الاستهلاك لإعادة التدوير لبعض المنتجات والتجهيزات الإلكترونية التي تشكل خطر تلوث بيئي في نهاية دورة استخدامها.
وفي أول رد فعل على الضرائب الجديدة، اعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، أن ذلك يعني إثقال كاهل الأسر المغربية والإضرار بقدرتها الشرائية. وقال في تصريح صحافي إن “الجميع يعلم أن الأسر المنتمية للطبقة المتوسطة هي التي تقبل بشكل كبير على اقتناء هذه التجهيزات، على اعتبار أن نسبة كبيرة من الأسر الفقيرة تكتفي باقتناء الآلات المستعملة، وهو ما يعني أن مشروع قانون المالية لم يأخذ بعين الاعتبار الضربات التي تلقتها الفئات متوسطة الدخل التي تضررت كثيراً من جائحة كورونا طوال الشهور الماضية”.

إجراءات محفزة

في المقابل، تعتزم الحكومة في مشروع قانون المالية القيام بإجراءات محفزة لفائدة الشركات، تتمثل في حذف تصاعدية أسعار الجدول الحالي للضريبة على الشركات واعتماد الأسعار التناسبية في أفق تطبيق سعر موحد، وملاءمة وتحسين نظام المساهمة المهنية الموحدة المحدث بموجب قانون المالية لسنة 2021، بالإضافة إلى تخفيض سعر الحد الأدنى للضريبة من 0,50 في المئة إلى 0,45 في المئة بالنسبة للمنشآت التي تصرح بحصيلة إيجابية.
ولاحظ مراقبون أن بصمات الوزير المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بدت واضحة في مشروع الموازنة العامة، باعتباره رئيساً للجامعة الملكية لكرة القدم، إذ دافع عن الرياضيين من خلال التنصيص على مراجعة الخصوم الجزافية المحدثة بموجب قانون المالية لسنة 2021، المطبقة على الأجور المدفوعة للرياضيين المحترفين والمربين والمدربين والفريق التقني.
وانتقدت المنظمة الشبابية التابعة لحزب “التقدم والاشتراكية” المعارض والتي تحمل اسم “الشبيبة الاشتراكية” التوجهات العامة للحكومة الحالية، مسجلة افتقارها لرؤية وإرادة سياسية واضحة تسهم في بلورة مشروع مجتمعي يعطي الأولوية للقضايا الاجتماعية والحقوقية، ويسهم في الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، ودعم الفئات الهشة والفقيرة، وبروز طبقة متوسطة قادرة على قيادة التغيير.
ولاحظت “الشبيبة الاشتراكية” في بيان اطلعت عليه “القدس العربي”، أن حكومة أخنوش تكتفي بتقديم أرقام مغلوطة تطغى عليها الارتجالية، دون أي أساس علمي أو منطقي.
كما استنكرت موجة الغلاء التي شهدتها أسعار المواد الأساسية، وكذا الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، معربة عن استغرابها من عجز الحكومة عن التواصل بشأن هذه الزيادات غير المبررة؛ ومطالبة في هذا السياق بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وحماية الفئات الهشة الفقيرة من تداعيات هذه الزيادات.
وفي ما يخص الوضع الوبائي في المغرب، قالت “الشبيبة الاشتراكية” إنها بقدر ما تشيد بحسن تنظيم عملية التطعيم والتقدم الملحوظ نحو ربح البلاد لرهان المناعة الجماعية، فإنها بالمقابل تدين اللجوء لسياسة الأمر الواقع عبر فرض جواز للتطعيم دون سند قانوني، في ضرب صارخ للمبادئ الدستورية.
وعادت المنظمة الشبابية إلى الانتخابات الأخيرة، البرلمانية والبلدية والجهوية، حيث أدانت في بيانها ما أسمته “إفساد العملية الانتخابية” في كل مراحلها، عبر الاستعمال المكثف للمال، وعدم توفير الأجواء المناسبة لممارسة سياسية سليمة تحترم تكافؤ الفرص، فضلاً عن غياب نقاش مجتمعي يسائل الفاعل السياسي عن المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد على جميع المستويات، وخاصة النزوع نحو المقاربة الأمنية، على حساب التراجعات المسجلة على مستوى الحقوق والحريات.

الاستثناء المغربي

في سياق متصل، نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية” مقالاً تحليلياً حول الاستحقاقات الانتخابية التي شهدها المغرب يوم 8  سبتمبر، مشيرة إلى أنها كرست فكرة “الاستثناء المغربي” من جديد. وكتبت أنه مع الانهيار الانتخابي لحزب “العدالة والتنمية”، أعلن البعض عن فشل الإسلاموية، بينما تعجب آخرون من “دقة” النظام المغربي. وأضافت أنه “بينما جرى سحق الإسلاميين دموياً في مصر، وقضي عليهم عن طريق “انقلاب” في تونس، فإن صناديق الاقتراع “الشفافة” سمحت بتراجعهم وتذويبهم في المغرب.
وسجلت الصحيفة نفسها أن أطروحة فشل الإسلاموية لا تصمد في الحالة المغربية لاعتبارات ثلاثة، أولها أن حزب “العدالة والتنمية” ليس سوى واحد فقط من التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، فعلى عكس جماعة “العدل والإحسان” التي تتمتع بحضور قوي في ساحة الاحتجاج، لكنها لا تزال مستبعدة من اللعبة السياسية القائمة، فإن “العدالة والتنمية” لم يطعن قط في الشرعية الدينية للملك، بصفته أميراً للمؤمنين.
وفي ما يخص الاعتبار الثاني، أشار المقال التحليل إلى أن الفضل في انتصار حزب “المصباح” خلال الانتخابات التشريعية لعامي 2011 و2016 يعود إلى جمهور الناخبين المنجذبين لقيمه الدينية والهوياتية وللآمال التي أثارتها بين الناخبين المتحمسين لعرض سياسي بديل، فكانوا يراهنون على طاقم سياسي يُفترض أنه “نزيه”، ويناضل من أجل “التغيير” ومحاربة الفساد.
أما الاعتبار الثالث فهو كون حزب “العدالة والتنمية” لم يفقد ناخبيه، لأنه طبق سياسة إسلامية تبين أنها غير فعالة؛ ففي نظر قسم كبير من الرأي العام، اتضح أنه حزب سياسي مثل أي حزب آخر.
ويذهب المقال التحليلي الذي أوردته صحيفة “لوموند” إلى أن النظام السياسي المغربي هو في نهاية المطاف آلة لسحق الأحزاب التي لها بصمة سياسية ورسوخ اجتماعي، سواء كانت إسلامية أو يسارية، وأعطى مثالاً على ذلك بـ”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي قاد حكومة التناوب بين عامي 1998 و2002.
وسجلت الصحيفة أنه مع نهاية عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، أتاح التحرر السياسي النسبي خلق منافسة مفتوحة، بشكل متزايد، مستندة على المستوى الوطني إلى أجندات سياسية تنافسية. غير أنه للمفارقة، لوحظ بعد عشرين عاماً، عودة المال والمقاولات المستندة إلى اقتصاد الريع إلى التنافس الانتخابي من أجل السيطرة على الساحة السياسية، في إشارة إلى صعود “التجمع الوطني للأحرار” الذي يوصف بكونه حزب رجال المال والأعمال.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: