الانحياز القطري للمغرب في قضية الصحراء يعمق الأزمة الصامتة بين الجزائر ودول الخليج

Belbazi

عكس الموقف القطري اللافت من ملف الصحراء المغربية والذي شكل بمثابة الانقلاب على حليفتها في منطقة شمال أفريقيا الجزائر تعمّق الأزمة الصامتة بين الجزائر ودول الخليج، فبعد الموقف السعودي الداعم لمغربية الصحراء وقبله الموقف الإماراتي جاء الموقف القطري ليؤكد هذه الأزمة.

سجلت دولة قطر انقلابا لافتا في مواقفها الدبلوماسية تجاه حليفتها في منطقة شمال أفريقيا الجزائر بعد إعلانها من داخل لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة عن دعمها لحل دبلوماسي لقضية الصحراء المغربية وفق المقاربة التي يتبناها المغرب، وهو ما يعني أن الدوحة قد انحازت لصالح غريم الجزائر في المنطقة، رغم ما ظهر من تقارب وتناغم بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.

وأكدت قطر على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني أنها “تدعم حلا سياسيا دائما ومتوافقا عليه بشأن قضية الصحراء في إطار سيادة المملكة المغربية”.

وذكرت في مداخلتها أمام الحضور بأن “بلادها تدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي دائم ومتوافق عليه، في إطار العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك طبقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2548/ 21، وبما يضمن سيادة المملكة المغربية على أراضيها”.

وجاء هذا الموقف مفاجئا للدبلوماسية الجزائرية التي تكون قد فقدت حلفاءها في منطقة الخليج العربي تباعا في الآونة الأخيرة، بعد الموقف السعودي الداعم للمقاربة المغربية في قضية الصحراء وقبله الموقف الإماراتي الذي تجسد في فتح قنصلية لها في مدينة العيون.

الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني: قطر تدعم حلا سياسيا دائما بشأن الصحراء في إطار سيادة المغرب

واعتبرت الجزائر في أول تعليق لها أن “التصريحات تحمل في طياتها العديد من التناقضات والمغالطات، وتهدف إلى تضليل الرأي العام الدولي، وأن هذه التصريحات تأتي في وقت لا يعترف فيه المجتمع الدولي بتبعية الصحراء إلى السيادة المغربية”.

وذكر تلفزيون النهار الخاص المقرب من النظام الجزائري أن “تلك التصريحات تضرب عرض الحائط أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تتعامل مع قضية الصحراء على أنها قضية إنهاء استعمار، وتتجاهل ما أقرته وبشكل نهائي محكمة العدل الدولية في لاهاي سنة 1975، بأن الروابط بين الصحراء والمغرب وموريتانيا غير وثيقة ولا تصل إلى السيادة”.

وذكّرت القناة بـ”قرار الكونغرس الأميركي بمنع إقامة قنصلية أميركية في الصحراء المغربية، رغم اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب عليها، بعد الاعتراف الرسمي بإسرائيل من طرف المغرب”.

وإذ لم يخرج الموقف القطري عن التقاليد الملكية في منطقة الخليج العربي الداعمة للطرح المغربي في الملف المذكور، إلا أن الصراحة والجرأة التي ورد بها داخل لجنة تصفية الاستعمار تعتبر تحولا مفاجئا ينطوي على العديد من الرسائل أبرزها أن ما كان يظهر من توافق بين قطر والجزائر لا يعدو أن يكون مجرد تحالف ظرفي، وأن قطر لا تريد الخروج عن الإجماع الخليجي هذه المرة، بعد تجربة سنوات من الجفاء الذي خيم على علاقاتها مع دول المنطقة، كما أنها لا تريد المجازفة بفرصة التطبيع، خاصة وأنها مقبلة على استحقاق عالمي يستدعي وقوف دول الجوار معها في تظاهرة كأس العالم 2022 لكرة القدم.

ولم يستبعد مراقبون أن يكون رفض الجزائر لأي وساطة دبلوماسية لحلحلة الأزمة المتفاقمة بينها وبين المغرب أحد أسباب التكتل الخليجي ضدها وإعلان انحيازه التام لصالح الطرح المغربي في قضية الصحراء، وذلك بعدما أغلقت الجزائر كل الأبواب أمام مساع قادها مسؤولون خليجيون من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر خلال الأسابيع الماضية من أجل احتواء الأزمة المذكورة.

وكانت الرياض قد عبرت على لسان سفيرها في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي عن موقف مماثل تمحور حول ما أسماه بـ”دعم بلاده لسيادة المغرب على وحدته الترابية، وترفض بأي شكل من الأشكال المساس بالمصالح العليا أو بسيادة المملكة المغربية الشقيقة ووحدتها الترابية”.

ويبدو أن الدوحة من خلال هذا الموقف الصريح تريد مراجعة بعض أوراقها الدبلوماسية بشكل يعطي الانطباع بأنها تتماهى مع الاستراتيجية التي تتبناها دول الجوار، وأن محاولات التمرد التي أبدتها خلال السنوات الماضية بالانفتاح على شركاء جدد على غرار تركيا وايران والجزائر، لا تعدو أن تكون إلا مجرد نكاية أو رغبة في كسر المقاطعة التي فرضت عليها آنذاك من طرف دول المنطقة.

الموقف القطري جاء مفاجئا للدبلوماسية الجزائرية التي تكون قد فقدت حلفاءها في منطقة الخليج العربي تباعا في الآونة الأخيرة، بعد الموقف السعودي الداعم للمقاربة المغربية في قضية الصحراء

وإذا كانت قطر قد حاولت تبني مواقف متطابقة مع الجزائر في القضايا الإقليمية على غرار ليبيا وتونس في وقت سابق من خلال دعم تيار الإسلام السياسي وذهبت إلى تجسيد نواياها في إقامة استثمارات اقتصادية في الجزائر كما هو الشأن بالنسبة إلى مصنع بلارة لإنتاج الألمنيوم بشرق البلاد، فإن موقفها الداعم للمغرب في ملف الصحراء يبدو أنه ليس وليد اللحظة.

وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي قد أكد في لقاء المؤتمر الوزاري لدعم مخطط الحكم الذاتي المنتظم في المغرب مطلع العام الجاري أن موقف بلاده “ثابت” إزاء قضية الصحراء، وأن قطر تقف بجانب المغرب في مسألة السيادة والوحدة الترابية، كامتداد لأواصر الأخوة والصداقة بين البلدين والشعبين.

كما شدد على تأييد بلاده للخطوة التي قامت بها المملكة المغربية في نوفمبر 2020 في منطقة الكركرات، كما ثمّن الجهود المبذولة من قبل الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي ودائم لهذا النزاع الإقليمي حول الصحراء بما يخدم مصلحة جميع دول المغرب العربي ويكفل الأمن والاستقرار الإقليميين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: