المغرب: «تضخم» الأغلبية و«تشتت» المعارضة يُضعفان العمل الرقابي على الحكومة

La rédaction

بينما شرع الوزراء المغاربة في عرض برنامجهم الحكومي، أمس الاثنين، أمام البرلمانيين، يتوقع مراقبون أن تجري المصادقة عليه بعد جلسات مناقشته المتوالية بكل سهولة، نتيجة «تضخم» الأغلبية وتشتت المعارضة وعدم وجود تنسيق بينها، ما دام معظمها يشهد مشكلات داخلية، فضلاً عن تضارب توجهاتها الأيديولوجية.
بموازاة مع ذلك، سجلت هيئة من المجتمع المدني عدداً من الملاحظات حول تشكيل الحكومة وبرنامجها الوزاري، فقالت إن ارتفاع عدد الوزراء بدون انتماء سياسي (6 وزراء) لا يساعد على تفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأوضح تقرير أنجزه «مرصد العمل الحكومي» التابع لــ»مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني» أن تعيين وزراء «تكنوقراط» باسم كافة الأحزاب المشكّلة للحكومة يزيد في ضبابية تخليق الحقل السياسي، ويدفع إلى تعزيز فقدان الثقة في الكوادر والكفاءات السياسية.
التقرير الذي اطلعت عليه «القدس العربي» سجل أيضاً «تضخم الأغلبية الحكومية» بوجود 269 نائباً عنها في البرلمان، بالإضافة إلى إعلان «الفريق الدستوري الديمقراطي» الذي يضم 23 نائباً عن المساندة النقدية للحكومة. بينما لا يوجد في المعارضة سوى 103 من النواب، مما يخلّ ـ حسب المرصد المذكور ـ بالتوازن السياسي بين الأغلبية والمعارضة، ويضعف العمل الرقابي على الحكومة، في ظل هيمنة تشريعية مطلقة.
كما لاحظ أن عدد الوزراء المقلّص (25 وزيراً) جاء مرفقاً بتعيين مرتقب لكتاب دولة في عدد من القطاعات الوزارية، مما يجعل إيجابية العدد المقلص للوزراء نسبية. لكنه لفت الانتباه إلى وجود تمثيلية متميزة للنساء في الحكومة الجديدة (7 وزیرات، قبل إعفاء وزيرة الصحة ليصرن 6 فقط) في قطاعات استراتيجية تتماشى مع التوجهات الثابتة للمغرب في إقرار المناصفة الدستورية.
على صعيد آخر، اعتبر مرصد العمل الحكومي في تقريره أنه من الصعب أن تنجح الحكومة المغربية في إيجاد العدد الذي وعدت به من مناصب الشغل في برنامجها الحكومي، بسبب ضعف نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة.
ولاحظ التقرير أن البرنامج الحكومي يتسم بالتناقض في ما يخص النهوض الاقتصادي وربطه بالتشغيل، في ظل الالتزام بنسبة نمو محددة في 4 في المئة خلال خمس سنوات؛ مؤكداً أنه «من الصعب تحقيق هذا الالتزام في ضوء هذه النسبة المتدنية من النمو».
كما أشار إلى أن البرنامج الحكومي لم يتضمن بعض الوعود الانتخابية لكل من حزبي «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال» ومن أبرزها غياب الحديث عن تسقيف أسعار المحروقات، وإدماج المدرّسين المتعاقدين، بالإضافة إلى صمته عن الإصلاح الضريبي والتوجهات المؤسسة له.
كما أوضح أن البرنامج الحكومي كرّس لتوجهات هشة فيما يخص التشغيل، فضلاً عن اعتماده على رؤية كمّية لا تستحضر التزاماته بخصوص إرساء معالم الدولة الاجتماعية.
وأبرز التقرير أن برنامج الائتلاف الحكومي «صَمَتَ» عن إشكاليات المنافسة الاقتصادية والفساد الإداري والاقتصادي، كما صَمت عن المسالك المعتمدة في ما يخص تمويل البرامج الاجتماعية المتعددة والعالية التكلفة.
وسجّل غياب أي تصور لإصلاح مجموعة من القطاعات التي تعرف اختلالات، أهمها صندوق المقاصة والتقاعد؛ لافتاً الانتباه إلى عدم وضوح برنامج حكومة عزيز أخنوش فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.
وتضمن البرنامج الحكومي ثلاثة محاور أساسية تهم تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز الاقتصاد المغربي وتوجيهه نحو التشغيل، وتكريس الحوْكَمة الجيدة في التدبير العمومي.
كما تحكم البرنامج نفسه خمسة مبادئ موجّهة، تتجلى في تحسين الاختيار الديمقراطي، ومأسسة العدالة الاجتماعية، ووضع رأس المال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي، وجعل كرامة المواطن أساس السياسات العمومية، وتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة وتعزيز قدرتها الشرائية.
غير أن هذه الشعارات سرعان ما بدأت تصطدم بالواقع، فقد ندد عدد من المواطنين على منصات مواقع التواصل الاجتماعي بما وصفوه بـ«الارتفاع الصاروخي» لأسعار المحروقات. ويأتي هذا الارتفاع في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة أن تشهد أسعار المحروقات تراجعاً مع تنصيب الحكومة الجديدة، خاصة وأن حزب «الاستقلال» الموجود ضمن الأغلبية في إطار التحالف الثلاثي الذي يقود الحكومة، كان قد تعهد بالعمل على تسقيف أسعار المحروقات.
ولعل ما زاد الطين بلة هو أن ارتفاع أسعار المحروقات تزامن مع الزيادات التي شهدتها مجموعة من المواد الغذائية الأساسية، فضلاً عن ارتفاع فواتير الماء والكهرباء.
ونتيجة لذلك، طالب عدد من المواطنين حزب «الاستقلال» بالوفاء بوعوده، والالتزام بتسقيف أسعار المحروقات. كما التمسوا من الحكومة التواصل مع الشركات الموزعة للمحروقات من أجل وضع حد للارتفاعات المتكررة، علماً بأن رئيس الوزراء عزيز أخنوش من أكبر المستثمرين في القطاع. وطالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الحكومة الجديدة الاستفادة من تجارب بعض الدول التي حددت سقفاً للأسعار يمنع المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: