من تداعيات قرار الإدلاء بجواز التلقيح :

تورية لغريب

أثار موضوع إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح موجة من ردود الأفعال العارمة، وبعيدا عن دستورية هذا القرار المفاجىء من عدمها، والذي تبنته الحكومة الجديدة في أولى إجراءاتها لمواجهة الوباء ،فإن ردود الأفعال قد تباينت بين مؤيد و معارض، والملاحظ أن تمظهرات هذا الرفض تميزت بتركيز النقاش حول إثارة موضوع الحريات الفردية مرة أخرى، بحيث أن الشارع المغربي في شقه الرافض للإدلاء بجواز التلقيح – وليس التلقيح نفسه- ،يعتبر أن هذا القرار يمس بحريته الشخصية ،باعتبار أن الإدلاء بوثيقة كهاته يعتبر انتهاكا لها .

وبعيدا عن النقاش حول مشروعية هذا الإجراء، فإن الملاحظ هو ارتجالية القرار في حد ذاته، ذلك أن هناك شططا وخروقات في تطبيق هذا الإجراء، بحيث لم يكن مهيئا له بطريقة تجعل المواطن أيا كان مستوى وعيه أن يتقبل هذا الأمر الذي أربك تفاصيل حسابات المواطن اليومية، كما أن صفوف الرافضين للإدلاء بجواز التلقيح قد طالت كل الفئات بدءا بالبرلمانيين،مرورا بالأساتذة، الموظفين، الطلبة وحتى الفئات البسيطة، هنا يجب أن نعيد طرح مفهوم الحريات ، بعد كل هاته السنين، وإعادة تفحص المكتسبات _ إن كان هناك مكتسبات – في هذا الصدد، ولعل التعامل الذي طال الفتاة في شارع من شوارع الرباط، لخير دليل على هذا التراجع في احترام المواطن ، والأمثلة عديدة توثق لها كاميرات المواطنين قبل الصحافة،،،

هاته الممارسات القمعية، تعيد إلى الأذهان ، حقب سنوات الرصاص، بكل ماتحمله من انتهاكات ، من المفترض أننا تجاوزناها، لكن يبدو أن علاقة المواطن بمؤسسات الدولة على اختلافها لازالت تعاني من اختلالات سريعا ما يماط عنها اللثام، فالصورة النمطية التي لازالت تحتفظ بها الذاكرة عن صورة ” المخزن ” وبكل ما يحمله هذا التمثل من قمع وعنف لازالت حبيسة أذهان أصحاب السلطة في هذا الوطن،،،

رغم الألفية الثالثة، رغم تحديات الخروج من هذا الوباء، ورغم حساسية الظرف الذي تمر به بلادنا اليوم لإثبات وجودها في مصاف الدول المتقدمة، إلا أن مطابخنا لم تنظف بعد، لدينا مشاريع مسطرة وتحديات تنموية نراهن على إنجاحها، لكن سقطت منا -سهوا أو عن قصد- مرتكزات أساسية، نجزم أنها محك إنجاح أي قفزة نوعية إلى الأمام، احترام الحريات الفردية، تحسين آليات التواصل مع المواطن، وإعلاء روح المواطنة لدى الشباب ،،،ومن دون الاشتغال على هاته الأسس، فإننا سنجد أنفسنا كمن قفز من مكانه ليسقط في مستنقع نثن مرة أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: