حملة اعتقالات في الجزائر تتجاوز حركة “ماك” الانفصالية إلى استهداف منطقة القبائل
حنان الفاتحي
تنفذ السلطات الأمنية في الجزائر حملة اعتقالات في منطقة القبائل في خطوة ربطها مراقبون محليون بسعي السلطات لاستهداف سكان المنطقة أكثر من كونه استهدافا لعناصر يمكن أن يكونوا متعاطفين مع حركة “ماك” الانفصالية التي صنفتها الجزائر كحركة إرهابية.
وقالت مصادر في المنطقة إن الحملة بدأت في سياق استهداف منتسبي “ماك”، لكنها توسعت لتشمل نشطاء لا ينتمون إلى الحركة لكنهم عرفوا بانتقاد النظام وسياساته على مواقع التواصل، ومنهم عناصر يتبعون حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ونشطاء مستقلون، ما يظهر أن ما يقود الحملة ليس الانتماء الحزبي، ولكن استهداف فكرة الانفصال التي بدأت تلقى رواجا لدى أبناء المنطقة خاصة من الأجيال الجديدة.
وحذّرت هذه المصادر من أن الهجوم على النشطاء المعارضين في منطقة القبائل ومحاولة الربط بينهم وبين “ماك” لتسهيل محاكمتهم بأحكام قاسية لن يزيد سوى في توسع دائرة الغضب بين سكان المنطقة.
حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية استغرب تكثيف لقاءات المجلس الأعلى للأمن (هيئة استشارية)، دون التداول أو التشاور حول ما وصفه بالمشاكل التي تهدد التماسك الاجتماعي
وندد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بما أسماه “الممارسات القمعية للسلطة”، وتوظيف “جهاز القضاء لترويض قوى المعارضة السياسية في البلاد”، وذلك في أعقاب حملة متابعات وتوقيفات طالت عددا من مسؤوليه المركزيين والمحليين.
ويعد الحزب، المحسوب على منطقة القبائل وعلى التيار البربري، أحد أقطاب تكتل البديل الديمقراطي المعارض، وكان من أبرز المعارضين المتشددين لمختلف الخيارات التي تبنتها السلطة منذ العام 2014، ولم يتوان عن دعم احتجاجات الحراك الشعبي، كما عارض خارطة الطريق التي أعدتها قيادة الجيش آنذاك للخروج من المأزق السياسي.
وقرر الحزب خلال الأسابيع الماضية مقاطعة الانتخابات المحلية المقررة في السابع والعشرين من نوفمبر القادم، الأمر الذي أحرج السلطة التي كانت تطمح إلى انتخابات دون مقاطعة.
وجاء استهداف مناضلي الحزب وكوادره بزعم صلاتهم بتنظيم استقلال القبائل (ماك)، ودخول بعضهم تحت طائلة التوقيفات والتحقيقات، لتفاقم من حالة الاحتقان بين أنصاره، ورغم نفيه في كل مرة لأيّ علاقة له بالتنظيم المذكور، واتهامه للسلطة بتوظيف شماعة “ماك” للتضييق على الحزب عقابا له على مواقفه السياسية المناوئة لها، إلا أن القبضة الحديدية ما زالت متواصلة بين الطرفين.
وكانت السلطات قد اتهمت عنصرا من الحزب بالانتماء لما يعرف بـ”خلية إسرائيل “، بحسب الإفادة التي وردت في الوثائقي الذي بثه التلفزيون الحكومي خلال الأيام القليلة الماضية، في محاولة لاتهام الحزب بأنه على صلة وتنسيق مع حركة استقلال القبائل، ومع قوى دوائر إقليمية تستهدف ضرب أمن البلاد واستقرارها.
غير أن قيادة الحزب نفت وحذرت من استغلال القواعد العريضة للحزب في منطقة القبائل، في “نسج فرضيات كيدية تستهدف الزج بالحزب في مؤامرات ضرب الوحدة الوطنية، أو افتعال علاقات وهمية بين الحزب وبين ما تسوق له السلطة، واعتبرت ذلك خطة لمعاقبة الحزب على مواقفه السياسية المعارضة.
واعتبر البيان الذي أصدره الحزب السبت أن “المضايقات التعسفية والمطاردات القضائية التي يواجهها مناضلو الحزب، تمثل صورة للسياق القمعي وتقييد الحريات الذي يخيم على النشطاء السياسيين”.
وعبّر البيان عن قلق الحزب تجاه الوضعية الاجتماعية في البلاد، بالقول “التدهور الخطير وغير المسبوق للقدرة الشرائية والظروف المعيشية التي يعاني منها كافة الأجراء، والوضع المزري الذي تتخبط فيه الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، هو نتيجة طبيعية لفشل الحكومة في التكفل بالانشغالات الحقيقية للجزائريين، واكتفائها بالمعالجة الأمنية للوضع القائم”.
وانتقد خطاب الحكومة تجاه ظاهرة المضاربة ووصفه بـ”الخطاب الشعبوي” الذي لا يرمي “سوى إلى التغطية على توجّه مندرج ضمن برنامج السلطة التنفيذية، ويتمثل في التخفيض التدريجي والمتواصل لقيمة الدينار والضغط على التموين لكبح العجز في الميزان التجاري، الذي يستنزف الاحتياطي القليل الذي نجا من نهب الزبائن وشراهتهم”.
حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ينتقد بما أسماه “الممارسات القمعية للسلطة”، وتوظيف جهاز القضاء لترويض قوى المعارضة السياسية في البلاد
واعتبر أن تدخل “آلة القمع البوليسي والقضائي” يقتل الحياة العمومية والسياسية والنقابية والجمعوية، وهي سبب رئيسي لارتفاع مؤشر البطالة والعودة المخيفة لظاهرة الهجرة السرية، وانعدام الأمن المتزايد في البلاد.
وتأسّف الحزب لكون “نواة النظام السياسي اختارت الانغلاق على نفسها لإعادة تركيب نفسها، بدلا من تسخير الطاقة الهائلة للحركة الثورية السلمية لصالح البلاد، والمساعدة في تنميتها وتحقيق تطلعات الشعب”.
كما استغرب تكثيف لقاءات المجلس الأعلى للأمن (هيئة استشارية)، دون التداول أو التشاور حول ما وصفه بـ”المشاكل التي تهدد التماسك الاجتماعي وتعمق الفجوة الفاصلة بين المواطنين والمؤسسات التي غرقت في شعبوية تافهة”.