الرئيس الجزائري قرارات وتصريحات عشوائية وتهور في المنهج الديبلوماسي
بقلم : عبد اللطيف الباز
لا أحد يملك مفاتيح التحكم في النظام العسكري بالجزائر، قوة مطلقة لسلطة شمولية فقدت السيطرة على مقود الحكم، رعونة في السلوك السياسي وتهور في المنهج الديبلوماسي، أصبح يثير مخاوفا وقلاقل جمة، إن على المستوى الوطني الجزائري ودول الجوار أو على مستوى الإقليمي والدولي.
لا أحد يتكهن مسار هذا الانحراف في الأعراف الدولية والسياسات الخارجية، قرارات متمايلة ومتدحرجة يتم الرمي بها بشكل عشوائي في شتى الاتجاهات، دون مراعاة للعواقب والنتائج التي قد تترتب عنها لا قدر الله، ويذهب ضحيتها الشعب الجزائري في المقام الأول.
قرارات مثيرة للجدل سواء داخل الجزائر أو خارجها، تعكس مدى فقدان النظام الحاكم التوازن والثبات وغياب الحكمة والعقل، لدرجة بلغت تصريحاته وخرجاته مبلغ الجهل والجبن في بعض جوانبها. في محاولة منه لتغطية إخفاقاته وفشله بالإصرار والتشبث بقراراته السياسية المتهورة، وشطحاته الديبلوماسية الرعناء لتضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي. معتقدا أن سياسة العالم لازالت تدار بالأبيض والأسود.
إن التصريحات الأخيرة للنظام الجزائري واتهاماته التي كالها للمغرب كانت جلها غريبة الأطوار ومثارا للسخرية والهزل، ليس فقط لدى الرأي العام الأجنبي بل حتى داخل الجزائر. حيث غدت كل الحوادث و الأحداث التي تقع بالجزائر، وإن كان يطبعها طابع الحياة اليومية، أو أحوال الطقس والطبيعة، إلا ويتم انتسابها إلى المغرب، وتصنيفها ضمن المؤامرة الخارجية والأجندات العدائية، واتهامات بعبارات لا تخلو من قصد ونعت لإحدى بلدان الجوار، أو إحدى الدول بشمال إفريقيا على حد تعبير الرئيس الجزائري تبون. وتارة يتم توجيه الاتهام بشكل مباشر للمملكة المغربية.
ظروف معيشية محضة ترتبط بالشعب الجزائري وتعكس معاناته الاجتماعية، جراء الفشل الذريعة للحكومة العسكرية التي تضع ضمن أولوياتها قضايا لا ترتبط بإكراهات الحياة اليومية للمواطن الجزائري، ولا تمس أمنه الداخلي أو الخارجي، لا من قريب ولا من بعيد. وبالرغم من ذلك تصر هذه الحكومة على صرف الأموال الطائلة على مليشيات الانفصال والتطرف البوليزاريو، من أجل زعزعة استقرار أمن المنطقة وعرقلة المغرب في استكمال وحدته الترابية. وذلك على حساب نفقات الشعب الجزائري الذي يعاني نقصا في مواد العيش الأساسية، كالزيت والسكر والخبز والماء والغاز، بالرغم من أنه بلد يصدر هذه الثروة الطبيعية.
ففي الوقت الذي كان عليها أن تواجه الظروف المعيشية التي يعاني منها الشعب الجزائري نتيجة سياستها المتهورة، نهجت حكومة العسكر سياسة الهروب إلى الأمام، والمراوغة والتضليل والكذب على مواطنيها في واضحة النهار. حيث عملت على انتساب أزمة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى بلاد الجوار المغرب، على اعتبار أن كل تقدم يحققه هذا الأخير يكون على حساب الجزائر، فتأهيل المطارات ومحطات النقل الدولية، والطرق السيارة والقطارات السريعة، والترامواي والأنفاق الطرقية، وصناعات السيارات وإنتاج الطاقة المتجددة، وغيرها من المشاريع العظمى والأوراش الكبرى للملكة المغربية، يعتبرها النظام الجزائري مساسا بأمنه الاجتماعي الداخلي، وتهديدا لسياسته الحكومية الفاشلة. فحتى المبادرة الإنسانية الجليلة التي قام بها المغرب تجاه جاليته بالمهجر على خلفية تداعيات جائحة كورونا، حيث خصص طائرات الخطوط الجوية الملكية لنقل المغاربة العالقين في ديار المهجر بأثمنة منخفضة جدا، قد أثارت حفيظة حكومة الجزائر العسكرية التي تأبى أن تصرف ولو دينارا واحدا يساهم في التخفيف من معاناة شعبها. وهذا ما جعل ردة فعل النظام الجزائري محشوة بالحقد والضغائن، تجلت في استهداف الخطوط الجوية المغربية بشكل مفضوح، ومنعها من التحليق والعبور فوق التراب الجزائري.
حكومة تستحمر شعبها، وتحاول تعليق فشلها على الدول الأرقى منها سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، فحتى انقطاع الماء الصالح للشرب وأزمة الدقيق والخبز، بل حتى الكوارث الطبيعية، من حرائق وفيضانات التي هي فوق قدرة الإنسان، اعتبرتها حكومة العسكر، على أنها مؤامرة خارجية عدائية من حياكة بلد الجوار المغرب، في اعتقاد منها بكل سذاجة وجبن على أن الشعب الجزائري تنطلي عليه مثل هذه الافتراءات والترهات.
ويزداد وضع النظام العسكر الحاكم في الجزائر مسخرة ومهزلة، بينما ينتقل الرئيس الجزائري التبون من الكذب على شعبه إلى تزوير حقائق التاريخ، حينما صرح بكل جهل بالتاريخ والمعرفة، على أن الأمير عبد القادر الذي عاش في القرن 19 كان يتلقى الدعم بالسلاح من جورج واشنطون، مؤسس الولاية المتحدة الذي كان يعيش في القرن 18.
والحال أن هذه الخرجات والتصريحات والقرارات التي تصدر عن الرئيس التبون تعكس بحق مستواه السياسي والمعرفي، الشي الذي قد يتسبب لا محالة فيما لا تحمد عقباه ليس فقط على الشعب الجزائري، بل على أمن واستقرار المنطقة برمتها. لأن مثل هذه الأخطاء ليست سهوا بل تنم على جهل صاحبها، سيما عندما يتعلق الأمر برئيس دولة، مما يحيلنا على إشكالية النخب المثقفة داخل الجزائر. كيف يتسنى لرئيس بهذا المستوى المعرفي والثقافي ان يحكم الجزائر؟
ويزيد الإشكالية تعقيدا عندما نجد مكونا أساسيا من مكونات النخب في الجزائر، وهم رجال الإعلام، يروجون لمثل هذه التصريحات الخرقاء ويبثون تعليقات وتحاليل لا يقبلها الحمقى فبالأحرى العقلاء والمثقفون، حين نسمع محللا رياضيا في إحدى القنوات الرسمية الجزائرية يتهم المغرب بالتسبب بسوء أرضية ملعب كرة القدم وتعطيله، يعتبر ذلك بحق قمة الغباء والاستهتار، وقلة الحياء والوقار، ويطرح أكثر من استفسار حول بروز أمثال هؤلاء كركوزات العار التي تملأ المشهد الثقافي والسياسي والإعلامي بالترهات والأقذار. في الوقت الذي يتم فيه تغييب مبرمج وتهميش ممنهج، للنخب المثقفة الحقيقية والحرة من أبناء الشعب الجزائري. وهو ما قد يجلب لا قدر الله الوبال والقلاقل للشعوب المغاربية بسبب هكذا قرارات وتصريحات عشوائية، تصدر عن حكومة منتخبة تحت ضغط وتحكم القوة العسكرية، وبدعم وتشجيع من نخب متهورة وغير واعية.