غابت كلمة «المغرب» من قاموس مجموعة من المغاربة مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، وعُوّضت بكلمة «شمال إفريقيا» فصارت التدوينات والتغريدات حبلى بهذه الكلمة الأخيرة، على سبيل الطرافة.
وسبب الغياب هو الاقتداء بالسُّنّة غير الحميدة التي ابتدعها الإعلام الجزائري في الآونة الأخيرة، حين يتحدث عن المغرب الأقصى، أو ينقل البيانات الرسمية الجزائرية التي تشير باللمز والهمز إلى هذا البلد الجار الواقع في «شمال إفريقيا» الذي صار «عدوا» بين عشية وضحاها.
وإذا كان الشاعر العربي القديم قال «وكم ذا بمصر من المضحكات…» فيجوز أن ينطبق هذا القول اليوم على الجزائر، مع الاعتذار لشعبها الطيب الذي لا ذنب له في ما يقترف إعلامه وحكّامه، والاعتذار موصول أيضًا لأبي الطيب المتنبي على هذا التحوير في بيته الشهير.
والمتابع للقنوات الجزائرية اليوم، الحكومية والخاصة، سيقف عند حالات من «الكوميديا السوداء» التي تجعل نشرات الأخبار والبرامج الحوارية يغلب عليها «كابوس» اسمه المغرب، مما يجعلها أُنموذجا لأي طالب جامعي في علوم السياسة يريد إنجاز أطروحة حول «نظرية المؤامرة».
هل تريدون حالات وأمثلة على ذلك؟
الأسبوع الماضي، ظهر في قناة «النهار» محلل رياضي يتحدث عن أوضاع المنتخب القومي الجزائري لكرة القدم، وسرعان ما تفطّن إلى حيلة يثير بها الانتباه إلى نفسه وكلامه، حيث أقحم المغرب بطريقة فجائية، وقال إن هذا البلد هو السبب وراء تردّي عشب ملعب «مصطفى تشاكر» في الجزائر، حيث خاض المنتخب القومي الجزائري مباراته ضد النيجر ضمن تصفيات كأس العالم. سأله المذيع إنْ كان جادا في كلامه، وعمّا إذا كان يميل إلى «نظرية المؤامرة» فسعى إلى البحث عن «أدلة» تثبت صحة كلامه، على حد زعمه، مبرزا أن الهدف من ذلك دفع مدرب الفريق الجزائري إلى الاستقالة! وهو ما خلق مادة دسمة للفكاهة في شبكات التواصل الاجتماعي، تسهم في التخفيف من حدة التشنج الموجود في العلاقات بين البلدين الجارين!
زمن السِّباب!
منذ أيام قلائل، انتقل التشنج إلى الفن الغنائي الشبابي المعروف بـ«الراب» فلم يسلم هذا الأخير من لوثة السياسة، إذ نشرت قناة «دزاير» عبر صفحتها على «فيسبوك» صورة فوتوغرافية لصفٍّ طويل من الشباب، موضحة أن الأمر يتعلق بتجمّع كبير لـ»رابور» جزائريين أمام أحد استوديوهات التسجيل في العاصمة.
كلّ ما في الأمر، والعهدة على المصدر نفسه، أن رئيس الأركان شنقريحة والرئيس تبون أعطيا أوامرهما لتشجيع مغنيي «الراب» الجزائريين للرد على زملائهم المغاربة. وما زاد الخبر طرافة أن تبون أمر بتخصيص مكافأة مالية، قد تصل الى مليون دينار جزائري لكل من يتفوق في الرد على الجيران غناءً.
وختمت قناة «دزاير» الخبر بالتعليق التالي «وهذا يؤكد على أن الجزائر الجديدة أصبحت لا تتهاون مع جار السوء في مختلف المجالات».
سبب هذه الزوبعة أن «رابور» مغربيا شهيرا أنجز أغنية تتضمن هجاء نابيا لحكّام الجزائر الجدد. وحين سمع بالرد الجزائري، سارع إلى القول في تسجيل صوتي إنه على استعداد لدفع ضعف المبلغ الذي حدده الرئيس تبون كمكافأة لأي «رابور» جزائري يتفوق في الرد عليه غنائيا.
والتفوق في الرد معناه، أن الأسر المغربية والجزائرية قد تجد نفسها في حرج شديد، وهي تسمع تبادلا للهجاء البذيء الذي ينزل أصحابه إلى الدرك الأسفل من قاموس قنوات الصرف الصحي، شرّف الله قدركم؛ لأن الكثير من مشاهير «الراب» في الجانبين معًا لا يتقنون سوى ذلك، للأسف الشديد.
تُرى، هل شعبا البلدين بحاجة إلى كل هذه الأحقاد، أمام تراجع صوت الحكمة؟
رابح درياسة والشاب خالد وآخرون
منذ أيام، غادرنا الفنان الجزائري الكبير رابح درياسة، وترك غيابه حزنا شديدا في نفوس محبيه في مختلف بلدان الوطن العربي. وللمغاربة، بدورهم، صلة وثيقة بهذا الفنان الذي أحبوه وأحبهم، وافتتنوا بأغانيه البديعة، وكان ضيفا عزيزا مكرّمًا كلما حلّ في مهرجان فني ما، أو استضافته إحدى القنوات التلفزيونية المغربية. ومثله مثل مطربين جزائريين آخرين، كان يتغنى أحيانا بحبه للمغرب، تمامًا كما يفعل فنانون مغاربة حين يُستضافون في بلاد الجزائر.
المسألة إنسانية بحتة مرتبطة بشعور الأخوّة، ولا علاقة لها بالسياسة وبأوهام السياسيين. لكن، في السنين الأخيرة، صار إعلاميون جزائريون يخلطون بين الأمور، ويُقحمون الفنانين في الحسابات السياسية الضيقة. ويتذكر المُشاهدون ما حصل للنجم الشاب خالد منذ أعوام قلائل في قناة «الشروق» التلفزيونية التي أقامت له «محاكمة» أشبه ما تكون بـ»محاكم التفتيش» في إسبانيا خلال سقوط الأندلس.
كل ما في الأمر أن المغرب منح هذا الفنان الجنسية، تكريمًا له، وعرفانًا بتجربته وروحه الإنسانية العالية ودفاعه عن القيم المغاربية المشتركة. وكان مُخجلا حقا، أن فنانا من هذا الحجم يخضع لعملية «استنطاق بوليسية» من طرف مذيع تلفزيوني مبتدئ، بذريعة التشكيك في وطنيته وانتمائه لبلده ومسقط رأسه الجزائر؛ بل إن هذه الاتهامات شملت فنانين جزائريين آخرين منحهم المغرب جنسيته هم أيضا!
قناة «الشروق» ركّزت في جلسة «الاستنطاق» على الفنانين فقط، وتجاهلت مسؤولين جزائريين كثيرين ممّن يحملون جنسيات مزدوجة، ويهرّبون الأموال إلى البلدان التي يحملون جنسيتها، وهي غالبا أوربية. وسبق لقناة «البلاد» أن كشفت عن وجود حوالي 50 ألف مسؤول جزائري حاصلين على الجنسية الفرنسية، مخترقين بذلك القانون الذي يمنع ازدواجية الولاء.
وهذا سبب من أسباب لجوء حكام الجزائر إلى عدم التصعيد القوي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق تصريحات حادة تتضمن شكوكا حول تاريخ الجزائر وتنتقد نظام الحكم العسكري فيها، واكتفائهم بالحد الأدنى من التعبير عن الانزعاج. في حين، جعلوا المغرب في خندق «العدو» على خلفية توتر دبلوماسي، كان يمكن أن يعالج بالحكمة وتغليب القواسم المشتركة.
في أرض الكنانة!
ما حدث للفنانين المغربيين ريدوان وبلعياشي في افتتاح مهرجان «الجونة» المصري لم يكن خطأ عفويا ناتجا عن تقصير مقدمة الحفل التي أغفلت ذكر اسميهما، وإنما بدا الأمر مقصودا، رغم قيام إدارة المهرجان بالاعتذار في وقت لاحق.
للمسألة خلفيتان: إحداهما نفسية، تتمثل في النظرة إلى الفنانين المغاربة الذين حققوا شهرة عالمية، والرغبة في تقزيمهم.
والخلفية الثانية، تتجلى في الربط بين وجود فنانين مغربيين وقضية الفنان سعد المجرد. مع أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى» كما جاء في القرآن الكريم.
ومن يطالع الصحف والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي في أرض الكنانة يلمس ضراوة الحرب التي شُنّت ضد الفنان المجرد، بسبب أن إحدى القنوات المصرية كانت تعتزم استضافته في سهرة تلفزيونية؛ لكنها ألغتها في آخر لحظة دون ذكر السبب. وواضح أن ذلك كان نتيجة الضغط الذي مورس عليها، على خلفية ربط الفنان المغربي بقضية الاغتصاب؛ مع العلم أنه ما زال متّهما، ولم يُدن بعد. لكن البعض ارتأى أن ينصّب نفسه مكان القضاء، ويصدر حكمه النهائي في حق الفنان المغربي!