استقبال وفد البوليساريو يفاقم الأزمة الصامتة بين روسيا

ماموني

لا يستبعد متابعون أن يفاقم استقبال روسيا لوفد من جبهة البوليساريو الانفصالية الأزمة الدبلوماسية الصامتة مع المغرب، في ظل إصرار موسكو على ممارسة ضغوط على الرباط بهدف لعب دور أكبر في ملف الصحراء المغربية.

استقبل المبعوث الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وفدا عن جبهة البوليساريو الانفصالية الأربعاء، في خطوة من شأنها أن تفاقم الأزمة الدبلوماسية الصامتة مع المغرب، حسب استنتاجات المتابعين.

وفيما بررت الخارجية الروسية هدف اللقاء بأنه يأتي للبحث عن آفاق حل لنزاع الصحراء، يلاحظ المتابعون أن موسكو تمارس ظغوطا على الرباط بهدف لعب دور أكبر في هذا الملف، خاصة أن اللقاء يأتي قبل أسبوع من الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن لبحث قرار تمديد مهام قوات المينورسو.

وتوقعت أوساط سياسية أن يفاقم استقبال وفد من البوليساريو الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين البلدين، والتي عززها مغادرة سفير موسكو بالرباط فاليريان شوفيف، صوب بلاده الأسبوع الماضي دون أي توضيحات لأسباب مغادرته سواء من طرف الخارجية الروسية أو السفارة، بعد أيام من قرار المغرب تعليق رحلاته الجوية المباشرة إلى روسيا.

وقالت مصادر سياسية ، إنه كلما كان النقاش جاريا حول ملف الصحراء بمجلس الأمن سواء في شهر أكتوبر أو أبريل، إلا وتقوم موسكو بحركة ما كورقة ضغط وابتزاز للمغرب، مضيفة أن هذا الأمر حدث في الكثير من المناسبات كما حدث في العام 2017 عندما استقبل بوغدانوف وفدا عن الجبهة الانفصالية.

وبرأي محمد لكريني أستاذ القانون والعلاقات الدولية فإن “التوقيت الذي استقبلت فيه روسيا جبهة البوليساريو يمكن اعتباره ابتزازا للمغرب في هذه الظرفية الراهنة التي اتسمت بالتوتر بين الطرفين وضغطا عليه” مبينا أنه إزاء هذا الاستقبال لهذه الحركة الانفصالية فإنه يعتقد أنه “سيجعل المغرب يقف بشكل أو بآخر أمام ما يقع في منطقة الساحل والصحراء لأن ذلك يشكل تهديدا للمنطقة وتحديا كبيرا يواجهها”.

وتابع لكريني في حديثه ، أن “استقبال وفد البوليساريو من قبل روسيا يؤكد على أنها تريد أن تلعب دوراً أكبر في المنطقة العربية، وتعمل على امتلاك مقعد على طاولة المفاوضات والقرارات الرئيسية، نظراً لما تمثله القوة – والتي لطالما ارتبطت تاريخياً بالتوسع الروسي – عنصراً أساسيا من عناصر الثقافة السياسية الروسية”.

ولم ترحب موسكو بالاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، فيما تتوجس من فقدان الجزائر كأول مورد للسلاح والعتاد العسكري الروسي في أفريقيا.

وترتبط روسيا بعلاقات استراتيجية مع الجزائر منذ الحرب الباردة، عبر صفقات التسلح التي تبرمها مع موسكو والتي تجاوزت في السنوات الأخيرة 15 مليار دولار.

ويرى العديد من خبراء الأمن أن المغرب ينظر بعين الريبة لأي تغلغل للجانب الروسي في منطقة الساحل وفي مالي خصوصا، مضيفين أن وجود خبراء عسكريين روس في الجزائر، يوحي بتبني مقاربة غير واقعية تجاه النزاع المفتعل بالصحراء المغربية.

محمد لكريني: فاغنر قامت بدعم العديد من الحركات الانفصالية

واعتبر لكريني أن ما أقدمت عليه روسيا يأتي استكمالا لخلاصات القمة الروسية – الأفريقية المنعقدة بسوتشي في أكتوبر 2019 والتي تهدف إلى توطيد وتعزيز العلاقات مع القارة الأفريقية كمحاولة منها لمنافسة القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة لإيجاد موقع جيواستراتيجي فاعل في منطقة حوض البحر المتوسط.

وفي ظل التموقعات الدولية تبحث موسكو عن موطئ قدم في منطقة الساحل والصحراء من خلال استغلال عناصر شركة الأمن الخاص الروسية “فاغنر”.

ولفتت المصادر السياسية إلى أن تواجد وفد البوليساريو وبتنسيق جزائري يأتي لدعم وجود فاغنر قرب الحدود المغربية الغربية والجنوبية، من خلال دعم ميليشيات الانفصاليين.

ولا يستبعد متابعون أن تقوم الجبهة الانفصالية بالتودد إلى مجموعة فاغنر الروسية بهدف كسب دعم عسكري في حال نشوب توترات مع المغرب، وكمحاولة للاستفادة من الطموح الروسي الذي يبحث عن المكاسب في أفريقيا.

وحسب هؤلاء تسعى البوليساريو إلى اكتساب دعم مجموعات فاغنر، لكسب موقع عسكري في منطقة الصحراء خصوصا بعدما فشلت محاولاتها في تثبيت رؤيتها بوجود حرب في الصحراء بعد احتراق آلياتها الحربية عند اقترابها من الجدار الأمني العازل.

واستحضر لكريني كيف قامت مجموعة فاغنر في العديد من المرات بدعم الحركات والقوات الانفصالية في العديد من المناطق كما حدث في الأزمة السورية والأوكرانية.

وحسب تقديره، سيشكل هذا الأمر توترا بين روسيا والمغرب خصوصا وأن هذا الأخير يعتبر قضية الصحراء أولوية متعلقة بالوحدة الترابية للمملكة.

وفيما يؤكد الجانب الروسي ثبات موقف روسيا بخصوص ملف الصحراء المغربية، على أساس الحاجة إلى إيجاد حل سياسي مقبول من الطرفين لهذه المشكلة المزمنة على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، إلا أنه وحفاظا على علاقاتها بالجانب الجزائري تتحفظ موسكو على مبادرة الحكم الذاتي التي يؤيدها عدد من قرارات مجلس الأمن.

ويزيد من غموض الموقف الروسي بعدما طالبت القيادة في موسكو تأجيل الدورة السادسة من منتدى التعاون الروسي -العربي الذي كان مقررا بالرباط يوم 28 أكتوبر 2021 إلى نهاية السنة.

وفي مقابل ذلك وقعت موسكو والمغرب العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالقطاعات المختلفة مثل التعليم والنقل الجوي ومصايد الأسماك البحرية والبيئة والجيش والطاقة والزراعة، إذ يوجد ما يفوق ما نسبته 90 في المئة من الصادرات المغربية إلى روسيا من الغذاء ومنتجات السردين والطماطم والحمضيات، بينما صدرت روسيا للمغرب سلعًا كالغاز والأسمدة والكبريت والفحم وغيرها من المنتجات.

وحسب لكريني، يؤكد ذلك توجهات موسكو السياسية التي تتسم بالواقعية والبراغماتية في تقاربها مع الرباط ودول المنطقة ومحاولة اتخاذ مسافة كافية منها والتزام الحياد الإيجابي، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية، وبذلك تحاول روسيا عدم خسارة أي طرف خدمة لمصالحها.

ويستنج باحثون في الشؤون الأفريقية أن المصالح المغربية الأمنية والاقتصادية والاستثمارية في غرب أفريقيا لن تكون في مأمن عند تمكن فاغنر من التواجد بشكل موسع في هذه المنطقة، منها خط الغاز النيجيري في اتجاه أوروبا عبر المغرب الذي يتفرع إلى مالي عبر غانا وبوركينا فاسو، والذي يشكل تهديدا لصادرات الغاز الروسي تجاه أوروبا والذي تستعمله ورقة ضغط.

وتماشيا مع الموقف الروسي في هذا الملف وغيره عملت الجزائر على محاولة إقناع أبوجا بإلغاء هذا الخط وإحياء المشروع المشترك الذي يربطها بها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: