اليسار المغربي أمام فرصة للاتحاد كمعارضة قوية

اردان ماجدة

عاشت الأحزاب اليسارية المغربية منذ قرابة العقدين من الزمن حالة من الجمود جعلت مستقبلها السياسي على المحك، وأفقدتها قاعدتها الشعبية، لكنها تبدو الآن أمام فرصة تاريخية للاتحاد بعد أن عادت جميعها إلى الاصطفاف في المعارضة، لأول مرة منذ 23 عاما.

ومنذ ستينات القرن الماضي، قادت أحزاب اليسار المعارضة لعقود، وظلت حاضرة في الحكومات المتعاقبة، منذ اعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس عرش المملكة في يوليو 1999، وحتى حكومة سعدالدين العثماني المنتهية ولايتها، والمعينة في السابع عشر من مارس 2017.

واختار رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي كلّفه العاهل المغربي في العاشر من سبتمبر، بأن يشكّل الائتلاف الحكومي من الأحزاب التي تصدرت الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة، وهي التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، في حين تظلّ الأحزاب اليسارية جميعها في المعارضة.

عباس بوغالم: على أحزاب اليسار القيام بنقد ذاتي لتجاوز التشرذم

ويرى محللون مغاربة أن أمام اليسار فرصة للوحدة أو لتعزيز التنسيق على الأقل، شرط استبعاد عوامل التفرقة والتشرذم.

ويقول عباس بوغالم أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الأول في وجدة (حكومية)، إن اصطفاف أحزاب اليسار في المعارضة البرلمانية، لأول مرة منذ نهاية التسعينات، “لا يعني وجود تقارب بين الأحزاب السياسية اليسارية، لأن الموقع يفرض نوعا من التنسيق ونسج خطاب متقارب”.

لكنه يشير إلى أنه “رغم التباينات الموجودة بين العائلة اليسارية، فإن هناك نفس المقولات المرجعية التي تؤطر هذه الأحزاب، وهو ما يجعلها قادرة على بلورة خطاب سياسي يعكس المرجعية الأيديولوجية”.

ويتزعم حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الأحزاب اليسارية، لكن شعبيته ومكانته السياسية تراجعت كثيرا بعد الربيع العربي.

وكان الاتحاد قد بلغ ذروة نجاحه عندما ترأس زعيمه التاريخي عبدالرحمان اليوسفي، حكومة التناوب (1998-2002) التي ضمّت كلا من الحركة الشعبية (يمين) وحزب التقدم والاشتراكية (يسار)، بالإضافة إلى حزب الاستقلال (محافظ).

وتمكن الاتحاد الاشتراكي من الفوز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2002، غير أن الملك محمد السادس عين وزير الداخلية السابق إدريس جطو، تكنوقراط، على رأس الحكومة، فاعتبر اليوسفي حينها أن المغرب حاد “عن المنهجية الديمقراطية”، واعتزل العمل السياسي.

ولم تسمح مشاركة الأحزاب اليسارية في انتخابات 2016 باستعادة الصدارة مجددا، حيث مُني الاتحاد الاشتراكي بهزيمة قاسية وحلّ سادسا، أما حزب التقدم والاشتراكية فحلّ في المرتبة الثامنة. لكن هذه النتائج السلبية لم تمنع الحزبين من الانضمام لحكومة سعدالدين العثماني، إلى جانب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري (يمين)، فضلا عن حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي آنذاك.

ومكنت مشاركة الأحزاب اليسارية في انتخابات 8 سبتمبر الماضي، من ربح مقاعد إضافية، دون أن تسمح لها باستعادة الصدارة مجددا.

وثمة قناعة بين الأوساط السياسية المغربية بأن أي محاولة غير مدروسة للمّ شمل اليسار في المستقبل سيكون مآلها الفشل، وتعدّ تجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي لم تستطع أن تصمد دون مشكلات رغم أنها تحالف بين الحزب الاشتراكي الموحّد، وحزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، خير دليل على ذلك.

ورغم ذلك أشار بوغالم إلى أنه “من شأن تواجد كل الأحزاب اليسارية في المعارضة، إعادة ترتيب المشهد الحزبي، إذ لدينا أحزاب متقاربة في مرجعيتها مع الأغلبية (الحكومية).. مما قد يؤدي إلى بروز قطبية منتظرة”.

عبدالرحيم العلام: الفروقات بين اليسار ستتضاءل ويمكن أن تؤدي إلى تنسيق

وتابع “من المتوقع حدوث إرهاصات أولية، لإعادة ترتيب المشهد الحزبي، في أفق أنه يكون عندنا فرز واضح للأحزاب على أساس أيديولوجي”، لكنه يستدرك “نظريا أحزاب العائلة اليسارية المفروض أنها تتقاسم نفس الأيديولوجيا، وهي الأقرب للوحدة، لكن الواقع يعطينا نتيجة عكسية”.

ويوافقه الرأي عبدالرحيم العلام أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، الذي لا يتوقع “أن اليسار سيتوحّد فقط لأنه موجود في المعارضة، حيث إن هناك أسباب اختلاف غير قابلة لتقريب فجوة الخلاف بين اليساريين حاليا”.

وأوضح أن “هناك تيارات يسارية تطالب بالملكية البرلمانية مثل فيدرالية اليسار والحزب الاشتراكي الموحّد، وهناك يسار آخر لا يشارك في الانتخابات”.

ويرى العلام أنه “من الصعب جدا إيجاد مساحات للاتفاق والتنسيق بين أحزاب يسارية راديكالية، مع حزب الاتحاد الاشتراكي مثلا، الذي تجاوز مطلب الملكية البرلمانية، كما أنه من الصعب تصور اتحاد حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، فقط لاصطفافهما معا في المعارضة، فهناك أسباب شخصية تستبعد ذلك أيضا، إذ أن العديد من قيادات الأحزاب السياسية لها رغبة في الاستمرار في القيادة”.

وخلص إلى القول “رغم ذلك، ما يمكن استشرافه من المعارضة القادمة، هي أن الفروقات بين اليسار ستتضاءل، ويمكن أن تؤدي إلى تنسيق، لنشهد ما يشبه تحالف الكتلة الذي كان يجمع ثلاثة أحزاب، وهي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية اليساريان، وحزب الاستقلال المحافظ”.

ودعا الأكاديمي بوغالم أحزاب اليسار إلى “القيام بنقد ذاتي، ومراجعات، لتجاوز واقع التشرذم، الذي في حال استمراره سيعزز انعدام الثقة في التيارات اليسارية، وسيحدّ من توسعها وانتشارها، إن لم يحدث نوع من القطيعة مع الواقع السابق، نحو تشكيل تكتل تنتظم فيه كل الحساسيات اليسارية، وفق هوية جديدة، ربما تنسجم مع متطلبات المرحلة والواقع السياسي”.

واستطرد “دون إحداث نوع من القطيعة، سيظل الأمل في الوحدة مجرد حلم وتمنّ، ما لم تكن هناك ثورة فكرية من داخل العائلة اليسارية”.

وفي المجمل يعتقد بوغالم أنه “يلزم اليسار الكثير من العمل لتجاوز واقع التشرذم، باستحضار رؤية جديدة تقرأ المشهد السياسي بعمق، وتحقّق نوعا من الامتداد على مستوى الجماهير”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: