العلاج بالمصالحة سلاح المغرب في مواجهة التطرف

يوسف لفرج

نجح المغرب في العقدين الأخيرين في صدّ مجموعة من العمليات الإرهابية، وفي تفكيك عدد من الشبكات التي اتهمت بالضلوع في أنشطة إرهابية، والقبض على عناصر ذات صلة بهذه الأنشطة والجماعات، لكنه لم يكتف بالزج بهم في السجون وإنما اختار أن يصالحهم مع ذواتهم والمجتمع ضمن استراتيجية العاهل المغربي الملك محمد السادس، التي تراهن على ضمان الأمن الروحي للمغاربة.

تعمل الرباط التي شهدت مجموعة من العمليات العنيفة خلال العقد الأول من هذه الألفية، على مكافحة التطرف والإرهاب ضمن استراتيجية وطنية تضمن الأمن الروحي للمغاربة، وتعالج المسجونين في قضايا الإرهاب، مما ينسف لديهم المعتقدات الدينية المتشددة ويمكنهم من حياة طبيعية آمنة لهم ولمحيطهم.

ومنذ العام 2017، تستهدف المندوبية العامة للسجون ومؤسسات رسمية أخرى، الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني ضمن برنامج “المصالحة”.

ووفق إحصاءات رسمية، اعتقل منذ العام 2002 أكثر من 3500 شخص وتمّ تفكيك أكثر من ألفي خلية من الإسلاميين المتشددين، ووجهت إليهم اتهامات مختلفة بالانتماء الى “تنظيمات إرهابية” والتخطيط لعمليات تزعزع الأمن، فيما التحق 1662 مقاتلا مغربيا بالتنظيمات المتطرفة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفق مصدر أمني بالرباط.

فرصة للإصلاح

إدريس أكلمام: البرنامج فتح بابا لمساعدة السجناء الراغبين في الإصلاح

يأمل صالح المحكوم بالسجن 30 عاما في المغرب على خلفية قضية إرهاب، معانقة الحرية قريبا بعد “مصالحته” مع ذاته والمجتمع، بفضل برنامج ساعده على مراجعة الأفكار المتطرفة التي قادته إلى السجن.

ويقضي الرجل (50 عاما) أيامه وراء القضبان منذ اعتقاله العام 2002 وإدانته بالإعدام بسبب “الانتماء إلى خلية إرهابية وتمويل مشروع إرهابي”، قبل أن يخفض الحكم إلى السجن 30 عاما إثر استفادته من “مصالحة”.

ويقول صالح من داخل مكتبة سجن القنيطرة الواقع شمال الرباط “آمنت بأفكار اعتقدت أنها الصواب بما فيها العنف… أحمد الله أن يدي لم تتلطخ بالدماء”.

ويوضح صالح أنه تعرّف على الأفكار المتشددة في إيطاليا التي هاجر إليها في التسعينات “من خلال شيخ مسجد من الجماعة الإسلامية المصرية”، ليقرّر بعدها تغيير حياته بدءا “بهجر بلاد الكفر مع أسرته نحو دار الإسلام” التي كانت آنذاك “إمارة طالبان في أفغانستان”.

لكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر أوقفت مشروعه، فاعتقل بعد عودته إلى المغرب في 2002، وأدين مع أفراد خلية مكوّنة من 31 شخصا.

ويقول صالح إنه آمن بوجوب محاربة الحكام الظالمين الذين يعطلون الشريعة الإسلامية والدول التي تحارب المسلمين، استنادا إلى آيات وأحاديث، “لم أكن مؤهلا لفهمها الفهم الصحيح”.

وتستند أفكار الإسلام المتطرف العنيفة عموما إلى تأويل حرفي وخاطئ لبعض نصوص القرآن والأحاديث المنسوبة للنبي محمد منزوعة من سياقاتها التاريخية، وبما لا يتوافق غالبا مع تأويلات أخرى معتدلة يزخر بها تاريخ المسلمين.

وبدأت هذه الأفكار تلقى انتشارا واسعا منذ الثمانينات على الخصوص، مع قتال “المجاهدين” ضد السوفييت في أفغانستان آنذاك بدعم أميركي، قبل أن تصبح تهديدا رئيسيا للأمن في العالمين العربي والغربي.

وتحث هذه الأيديولوجية إجمالا على العداء المطلق لكل المخالفين لها سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، وعلى الجهاد لإقامة “دولة الخلافة”.

ويقول محمد دمير، الذي أدين بالإعدام العام 2003، بسبب الانتماء إلى خلية “إرهابية” بزعامة يوسف فكري المتمسك حتى اليوم بأفكاره العنيفة، إن عددا ممن يتم اعتقالهم “يكتشفون حاجتهم إلى التخلص من الأفكار التي تسيطر عليهم عندما يختلون بذواتهم”.

ولم يشعر دمير (47 عاما) بالحاجة إلى مساءلة معتقداته إلا بعد سبعة أعوام على توقيفه، لكن في المراجعة “كنت صادقا مع نفسي كما كنت صادقا حين آمنت بتلك الأفكار المنحرفة”.

وبدأ حينها مسارا طويلا لإقناع المسؤولين “بأن يمدوا لنا يد المساعدة”، ما قاد إلى خفض عقوبته العام 2011 إلى 30 عاما سجنا، ثم أفرج عنه في 2017 بعد مشاركته في أولى دورات برنامج “مصالحة”.

ويوضح المسؤول في المندوبية العامة للسجون إدريس أكلمام أن البرنامج كان “ثمرة مقاربة جديدة منذ 2015 شملت تتبع تطور هؤلاء السجناء وسلوكياتهم، وفتحت باب التفكير لمساعدة الذين عبّروا عن حاجتهم إلى من ينير الطريق أمامهم”.

واستفاد من البرنامج حتى الآن 207 معتقلين في قضايا ذات صلة بالإرهاب بينهم 8 نساء، وأفرج عن 116 منهم وخفضت عقوبات 15 آخرين. ويستمر البرنامج لكل معتقل قرابة ثلاثة أشهر.

عالم جديد

Thumbnail

يرتكز برنامج المصالحة الذي تشارك في الإشراف عليه الرابطة المحمدية للعلماء، حول ثلاثة محاور أساسية، هي مصالحة الفرد مع الذات والمصالحة مع النصّ الديني والمصالحة مع المجتمع.

والرابطة المحمدية للعلماء هي النسخة الحديثة لرابطة علماء المغرب، وقد تأسست بأمر ملكي في فبراير 2006، على خلفية السجالات التي خلفتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، ويوجد مقرها بالعاصمة المغربية الرباط.

وتعمل الرابطة على العديد من المستويات لنشر قيم الإسلام وتعاليمه بالحكمة والموعظة الحسنة واحترام مبادئ الوسطية والاعتدال، وتنشيط الحياة العلمية والثقافية في مجال الدراسات الإسلامية بالتعاون والشراكة مع المؤسسات والهيئات العلمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك، وكل ذلك بهدف خلق مجتمع مغربي متّزن وآمن روحيا.

ويشمل برنامج المصالحة محاضرات دينية يلقيها مؤطرون من الرابطة المحمدية للعلماء، وأخرى في القانون والاقتصاد، ومرافقة نفسية للمعتقلين، ولكن لا يقتصر عليها.

ومثل دمير، كان صالح الذي بدأ مساءلة أفكاره تلقائيا “دون أن أهتم في البداية ببرنامج مصالحة، لكن أصداءه الإيجابية دفعتني إلى المشاركة فيه في 2019 لأكتشف عالما جديدا”.

ويقول صالح إنه اكتشف مبادئ حقوق الإنسان و”أن جلها ليس غريبا عن جوهر الإسلام”، مضيفا “صحيح هناك بعض التحفظات مثل الحق في الإجهاض، لكنها موجودة أيضا لدى مجتمعات غير مسلمة”.

وأوضح أكلمام “لاحظنا اهتمام شركائنا الأجانب بالبرنامج”، مشيرا إلى أنه “يمكن أن يكون مصدر إلهام لبرامج مماثلة تناسب خصوصياتهم”.

وقرّر دمير بعد انضمامه إلى البرنامج دراسة القانون بالفرنسية من داخل السجن.

ويقول “كنت أكفر بالقانون الوضعي، فإذا بي أكتشف فكرة العقد الاجتماعي التي تتيح للجميع العيش في سلام، ما دمنا مختلفين بالضرورة”.

ويضيف “عندما قرأت للفيلسوفين جان جاك روسو وفولتير وجدت أن أفكارهما غير بعيدة في العمق عن مقاصد الإسلام”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: