افتعال الصراعات يعيق أي مسار إصلاحي في الجزائر

ماجدة اردان

لا تتوقف السلطات الجزائرية عن افتعال الأزمات الخارجية سواء مع المغرب أو فرنسا واتهام جهات خارجية بالوقوف وراء أزماتها الداخلية، وهو ما يعيق أيّ إصلاحات في البلاد التي تعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا منذ سنوات.

ويقول مراقبون جزائريون إن السلطات تعتقد أنه لا بد من شد الجزائريين إلى الأزمات الخارجية لمنع التفاتهم إلى مشاكل البلاد والدخول في احتجاجات كما حصل منذ سنتين، لافتين إلى أن الجزائر من دون محيطها الإقليمي لم تنجح في القيام بأيّ إصلاحات منذ فترة الحرب الباردة، وظلت تعتمد على عائدات النفط والغاز دون تنويع لاقتصادها.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن ما يقلق النظام الجزائري أن الأجيال الجديدة لم يعد يقنعها الحديث عن الثورة وشعاراتها، كما لم تعد تخيفها التحذيرات من أن تقود احتجاجاتها إلى حرب أهلية كما جرى في تسعينات القرن الماضي، ولذلك كثّف النظام من اعتماده على نظرية المؤامرة واتهام جهات خارجية بالتآمر على أمن الجزائر على أمل أن يدفع الجزائريين إلى السكوت مثلما فعلوا في السابق.

ولا يفتأ النظام يستدعي خصوماته حول الذاكرة مع فرنسا أو ورقة إسرائيل من خلال حديثه عن “مؤامرة” تستهدف أمن الجزائر وركوب موجة معارضة عضويتها في الاتحاد الأفريقي من أجل جلب الرأي العام الجزائري لصفه، متناسيا أن الأجيال الجديدة لم تعد تعنيها قصص الماضي.

ومنذ سنوات اهتزت صورة النظام لدى الجزائريين، ليس فقط بسبب الصراع على الحكم في فترة عجز الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ورواج أخبار المؤامرات والصراعات داخل غرف النظام، ولكن بالأساس بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة خاصة بعد تراجع عائدات النفط وفشل السياسة التقليدية للنظام القائمة على الإنفاق السخي لشراء السلم الاجتماعي.

ما يقلق النظام أن الأجيال الجديدة لا تغريها شعارات الثورة، ولا تخيفها التحذيرات من سنوات جمر جديدة

وكانت الجزائر تعاني بالفعل من عجز في الميزانية في 2019 مع تآكل احتياطياتها من العملات الأجنبية بسرعة. ولم يوافق النظام المنغمس في الخلافات بين الفصائل المختلفة للسلطة على خطة خلافة الرئيس المريض. لذلك، حاول فرض ولاية خامسة لبوتفليقة، مع استمرار الحكم من وراء الستار لمحيط بوتفليقة وشقيقه السعيد.

دفعت هذه الخطوة الملايين من الشباب إلى النزول إلى الشوارع، حيث لم يعيشوا خلال الحرب الأهلية في التسعينيات على عكس آبائهم، وكانوا بالتالي محصنين ضد ادعاء النظام بأن الاستقرار تحت قبضة النظام هو أفضل ما يمكن أن تأمله الجزائر. وأصبحت الحركة الاحتجاجية على الرغم من حشدها في البداية ضد ولاية خامسة لبوتفليقة منذ ذلك الحين رفضا واسعا وسلميا للاستبداد العسكري الذي حكم البلاد منذ الاستقلال.

وعندما ارتفعت أصوات الشارع ضحّى النظام بجزء منه للبقاء على قيد الحياة، ففي أبريل 2019 قرر الجنرال أحمد قايد صالح الذي عينه بوتفليقة رئيسا لأركان للجيش قبل سنوات إقالة الرئيس من منصبه.

وواصل متظاهرو الحراك مسيراتهم الأسبوعية مع إبعاد بوتفليقة عن الطريق. حيث كانوا يعلمون أن الرئيس كان مجرد جزء من نظام أكبر وطالبوا بانتخابات جمعية تأسيسية لإصلاح النظام الحاكم وليس رئيسا آخر يتم اختياره خلف الأبواب المغلقة.

Thumbnail

واستمر المأزق السياسي لأشهر، حتى فرض الجنرالات انتخابات رئاسية جديدة في أواخر 2019. وعلى الرغم من ضعف الإقبال، فقد أعاد التصويت إحياء شخصية أخرى في النظام لملء دور الرئيس، حيث جيء بعبد المجيد تبون، الذي كانت سنّه آنذاك 74 عاما، والذي كان وزيرا ورئيسا للوزراء في عهد بوتفليقة. ومنذ 2019، رفض العديد من الجزائريين المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات الرئاسية والتشريعية، متجاهلين محاولات النظام اليائسة كسب الشرعية.

وأعاد تبون الوجوه القديمة للنظام خاصة من القيادات العسكرية إلى صفه واستعاد بشكل كامل أسلوبه في الحكم من خلال اتهام المعارضة بأنها تنفذ مؤامرة مدعومة من الخارج لزعزعة استقرار البلاد. وألقى باللوم على المغرب في موجة حرائق الصيف التي أودت بحياة العشرات ودمرت مناطق واسعة في منطقة القبائل ذات الأغلبية البربرية.
وتسارعت وتيرة اعتقال الصحافيين والنشطاء والمتظاهرين. على الرغم من أن الوباء والكبت قمعا الاحتجاجات في 2021، إلا أن البلاد ظلت غارقة في السخط الاجتماعي مما زاد من احتمالات العودة إلى الاحتجاجات الجماهيرية وردّ الفعل العنيف من الدولة.

وفي مقارنة بأوضاع دول أفريقية فقيرة وجد الجزائريون أنفسهم خلال الصيف بلا ماء، واكتفت الدولة بإلقاء المسؤولية على الشركة الفرنسية التي تتولى مهمة توزيع الماء، وسط العديد من التساؤلات منها كيف تعجز دولة بها بعض أكبر احتياطيات الهيدروكربونات في العالم عن المحافظة على تدفق مياه الشرب من صنابيرها؟

ويقول المراقبون إن السلطات التي تخاف من موجة احتجاجات جديدة أكثر حدة بسبب تردي الوضع المعيشي للجزائريين ستعمل ما في وسعها للاستمرار في لعبة الهروب إلى الأمام، وأنها لن تتوقف عن ذلك، وإلا فتحت الباب أمام ما تخشاه من دعوات جديدة لسقوط النظام وتجدد الدعوات لانفصال منطقة القبائل.

ويشعر قادة النظام الجزائري، وهم من الجيل الذي تسيطر عليه شعارات الثورة، أن البلاد باتت معزولة، ولا يريدون الاعتراف بالأمر الواقع، ولذلك يفضلون افتعال الأزمات الخارجية على اتخاذ خطوات عملية لإعادة تصويب مسار البلاد والتركيز على التنمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: