هدوء المغرب يغري النظام الجزائري بلعبة حرب

ماموني

أي خطأ أكبر من إقحام المغرب في كل المساوئ والكوارث التي تمر بها الجزائر وتعليق فشل العسكريين هناك على شماعة الرباط، فهل من الجيد أن تتهم جارك باستهدافك بعملية مسلحة من خلال حركة “ماك” وليس لديك دلائل دامغة تدعم اتهامك؟

لقد فشل النظام الجزائري في إخراج المسرحية التي قدمها التلفزيون الجزائري مساء الأربعاء، بإحباط ما سمي “محاولة تنفيذ عمل مسلّح داخل البلاد، بدعم إسرائيليّ وبتواطؤ أطراف داخلية”، وزعمه أنّ “شبكة إرهابية انفصالية دبرت مؤامرة تعود إلى عام 2014، بدعم من الكيان الصهيوني ودولة في شمال أفريقيا”.

فكيف فشلت المديرية العامة للأمن الوطني الجزائري في الكشف عن خيوط مؤامرة خلال ست سنوات؟

النظام العسكري لم يستوعب نهائيا نجاح المغرب في إنجاز انتخابات ديمقراطية شفافة في كل ربوع البلد وبالأخص في الأقاليم الجنوبية التي أفرزت نخبة صحراوية تدبر شؤونها بنفسها

إقحام إسرائيل في هذه المؤامرة المزعومة مجرد غطاء لاستهداف المغرب وتكوين رأي عام داخلي وخارجي لتبرير أي عملية مفترضة ضد الحدود المغربية، فالنظام الجزائري يعمل على استفزاز القوات المسلحة الملكية لإطلاق الرصاصة الأولى والركوب عليها واعتبارها عملا عدائيا يستوجب الرد المسلح، ما يؤكد أنه نظام منهك يبحث عن مخرج لأزمته الاجتماعية والاقتصادية الخانقة.

البصيرة الاستراتيجية التي تدير بها المملكة المغربية علاقاتها الخارجية وتدبر بها احتياجاتها السياسية والاقتصادية والتنموية، تقف سدا منيعا ضد محاولات جزائرية لاستدراج الرباط إلى مستنقع لعبة حرب محصلتها ستكون صفرا.

فالاستفزازات الجزائرية ضد المغرب توالت في الآونة الأخيرة حيث استعمل النظام العسكري هناك كل أساليبه العتيقة وغير المتقنة للإضرار بسمعة المملكة، وكلما كان المغرب صبورا كريما في ردوده أصبح الجانب الآخر أكثر عصبية وتشنجا.

كان النظام الجزائري الذي يقوده عبدالمجيد تبون ينتظر أن يكون قراره بقطع العلاقات مع المغرب وغلق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية إنجازا سياسيا يضغط به على المملكة. لكن عندما وجد أن المغرب لم يلتفت إلى تلك الخطوة وبقي مستمرا في طريقه بترسيخ ديمقراطيته وتثبيت أركان دولته الاجتماعية وتأمين حدوده ومجتمعه، زادت حدة تشنجه.

النظام الجزائري يعمل على استفزاز القوات المسلحة الملكية لإطلاق الرصاصة الأولى والركوب عليها

ومعروف أنه كلما كانت نسبة الغضب مرتفعة كانت القرارات عشوائية ولا تؤتي أكلها، وهذا ما يحدث مع النظام العسكري كل مرة.

لا مردود سياسيا أو استراتيجيا لكل ما تقوم به المجموعة الحاكمة في الجزائر، بل هو مجرد مناوشات لا طائل من ورائها. فالمغرب لديه وسائله الرادعة وهذا تعلمه الجزائر، كما تعلم قدرته على الرد ضد محاولات ميليشيات البوليساريو اختراق الجدار العازل. فالنظام الجزائري لم يهضم الطريقة التي واجه بها المغرب مجموعات البوليساريو التي عرقلت السير في الطريق الرابط بين جنوب المغرب وشمال موريتانيا من خلال معبر الكركرات وتحريره بقوة وحزم.

رفض الرئيس تبون أي وساطة في ما يخص علاقات بلده مع المغرب بمثابة إشارة نحو تصعيد إعلامي وسياسي ضد المغرب الغرض منه التشويش على المسار الذي يأخذه ملف الصحراء المغربية والذي يتدارسه مجلس الأمن في هذا الشهر، وعلى النجاحات الدبلوماسية والسياسية والميدانية التي عرفها الملف وعلى رأسها اعتراف واشنطن بسيادة الدولة المغربية على ترابها الصحراوي ونشر الاعتراف بالسجل الرسمي للولايات المتحدة، وتوزيع مرسوم الاعتراف على جميع دول العالم بالأمم المتحدة.

لقد دفع النظام الجزائري البوليساريو إلى فرض اشتراطات غير واقعية للعودة إلى طاولة المباحثات التي توقفت منذ عامين. وهو ما يمكن اعتباره هروبا مما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير حول الصحراء والذي قدمه إلى مجلس الأمن، عندما شدد على أن البوليساريو لا تتمتع بأي صفة قانونية أو حتى سياسية لتعيين أي ممثل في منظمة دولية تتألف من دول أعضاء، وليس إلى جماعة تحمل السلاح.

يريد النظام العسكري من خلال التصعيد الأخير والاتهامات المجانية ضد المغرب التحلل من مسؤوليته السياسية في هذا الملف والتي أكدتها قرارات مجلس الأمن الأخيرة، وهو ما ذهب إليه السفير المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، في اجتماع دول عدم الانحياز الاثنين ببلغراد، عندما قال إن الجزائر “بوصفها الطرف الحقيقي المسؤول عن خلق واستمرار النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية، مدعوة إلى الانخراط الكامل في مسلسل الموائد المستديرة بروح من الواقعية والتوافق”.

النظام الجزائري من خلال هذا التصعيد المتواصل يريد الدخول حتما في مغامرة مسلحة من الواضح أنه سيفشل فيها كما فشل في حرب الرمال في ستينات القرن الماضي، هزيمة شكلت عقدة مازال النظام يجتر مراراتها إلى حد الآن دون أن يتعلم أن المغرب أصبح أكثر حصانة وقوة.

بالتالي هل النظام العسكري مستعد لمقاتلة المغرب حتى النهاية وعرقلة مسيرته التنموية وتقويض نجاحاته داخل أرضه وفي محيطه؟ سؤال جوهري، الجواب عنه أن النظام هناك لم يدّخر جهدا في إبراز نواياه السيئة تجاه المملكة، ويمكنك أن تنتظر منه مغامرات تعكس مستوى تفكير قيادته التي لا تتوانى في استعداء المغرب وإبرازه كعدو للجزائريين.

النظام الجزائري فشل في إخراج المسرحية التي قدمها التلفزيون الجزائري مساء الأربعاء، بإحباط ما سمي محاولة تنفيذ عمل مسلّح داخل البلاد، بدعم إسرائيليّ وبتواطؤ أطراف داخلية

إظهار المغرب كعدو للجزائريين في اعتقاد النظام هو الملجأ المثالي للتغطية على فشله الدائم في تنمية البلد والتغطية على تبديده المليارات من ثروة المواطنين الجزائريين من عائدات النفط والغاز، مليارات ذهبت سدى في دعم البوليساريو من أجل فصل جنوب المغرب عن شماله والغاية منفذ على المحيط الأطلسي والتضييق على المملكة.

الخلاصة، النظام العسكري لم يستوعب نهائيا نجاح المغرب في إنجاز انتخابات ديمقراطية شفافة في كل ربوع البلد وبالأخص في الأقاليم الجنوبية التي أفرزت نخبة صحراوية تدبر شؤونها بنفسها. وهذه نقطة أساسية أغرتهم بلعبة حرب ضد المغرب بعدما أفرغت الأطروحة الانفصالية من محتواها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأن ما يقض مضجع هذا النظام وحلفائه هو فهم المغرب للبيئة الجيوسياسية الجديدة الناشئة والتحديات الأمنية والاقتصادية الجديدة والعالم الذي يتحول إلى عالم رقمي بشكل متزايد، الأمر الذي دفعه إلى تغيير مسار سياسته الخارجية وترسيخ مؤسساته الدستورية واستكشاف الطريقة المثلى في كيفية تعزيز الشراكات الحيوية خدمة لاستقراره وأمنه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: