منذ أن عَيَّنَه الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا خاصا جديدا لإقليم الصحراء، تثار تساؤلات حول قدرة الدبلوماسي الإيطالي ستيفان دي ميستورا، على تحريك عجلة تسوية نزاع ممتد منذ عقود، لاسيما في ظل توترات بين الجارتين المغرب والجزائر.
وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تدعو جبهة “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وفي 6 أكتوبر الجاري، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعيين دي ميستورا مبعوثا له إلى إقليم الصحراء، خلفا للمبعوث الألماني هورست كوهلر، الذي استقال في 22 مايو2019.
ويتمتع دي ميستورا بخبرة تزيد عن 40 عاما في الدبلوماسية والشؤون السياسية، وشغل منصب المبعوث الأممي الخاص لسوريا، وعمل ممثلا خاصا للأمين العام لأفغانستان والعراق وجنوب لبنان، ومدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في روما، وفق ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم غوتيريش، خلال مؤتمر صحافي.
وسيعمل دي ميستورا مع “جميع المحاورين المعنيين، بما في ذلك الأطراف والبلدان المجاورة وأصحاب المصلحة الآخرين، مسترشدا بقرار مجلس الأمن 2548 والقرارات الأخرى ذات الصلة”، بحسب دوجاريك.
وصدر هذا القرار في أكتوبر 2020، ومدد ولاية “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في إقليم الصحراء” (مينورسو) حتى أكتوبر الجاري، وحث جميع الأطراف على العمل لمساعدة البعثة الأممية على إيجاد حل سياسي واقعي للنزاع.
وسبق وأن عَيَّنَ غوتيريش، في 27 أغسطس الماضي، الدبلوماسي الروسي ألكسندر إيفانكو، ممثلا خاصا له في إقليم الصحراء ورئيسا لبعثة “مينورسو”.
وتتمثل مهام المبعوث الخاص في تحريك المفاوضات بين طرفي النزاع حول إقليم الصحراء، بينما تتعلق مهام الممثل الخاص بتسيير وإدارة عمل البعثة.
مفاوضات متوقفة
آخر جولة مفاوضات بين المغرب و”البوليساريو” تعود إلى 2018، ولم يحدث تطور يُذكر منذ ذلك التاريخ.
ونهاية سبتمبر من ذلك العام، دعا المبعوث الأممي آنذاك هورست كوهلر، الأطراف المعنية بالنزاع إلى اجتماع “طاولة مستديرة” في مدينة جنيف، لبحث قضية الصحراء.
وعُقدت هذه الاجتماعات في ديسمبر 2018 والربع الأول من 2019، بمشاركة كل من المغرب و”البوليساريو” (طرفا النزاع) والجزائر وموريتانيا (دولتان مراقبتان)، لكنها لم تثمر شيئا.
والنزاع حول الصحراء ممتد منذ أن أنهى الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة في 1975، وتحول إلى مواجهة مسلحة توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
غياب التفاؤل
عيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية) بمدينة فاس شمالي المغرب، رجح “عدم حصول أي تطور مهم في مسار التسوية السلمية مع جبهة البوليساريو”.
وأضاف الصديقي، أن “أقصى ما يمكن أن يفعله المبعوث الأممي الجديد هو إدارة القضية والحيلولة دون تفاقم الأزمة؛ لأن مواقف أطراف النزاع وأيضا الوضع الإقليمي لا يسمحان بالتفاؤل”.
وفي 24 أغسطس الماضي، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، بسبب ما أسمتها “خطواته العدائية المتتالية”، فيما أعربت الرباط عن أسفها جراء تلك الخطوة، ووصفت مبرراتها بـ”الزائفة”.
ورأى أن “دي ميستورا لن يقوم بدور كبير في هذه المرحلة، وسيجد صعوبة في إقناع أطراف النزاع بالجلوس إلى محادثات مباشرة مرة أخرى”.
واعتبر أنه “إذا عادت المحادثات المباشرة بين الأطراف، فسيكون إنجازا كبيرا للمبعوث الجديد”.
تعيين إيجابي
ووفق نبيل الأندلوسي، الباحث في العلاقات الدولية ونائب سابق لرئيس لجنة الخارجية بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، فإن “تعيين دي ميستورا، وموافقة أطراف النزاع عليه بعد رفض 12 مرشحا لتولي المنصب منذ 2019، هو في حد ذاته أمر إيجابي، خاصة أنه ذو تجربة دبلوماسية غنية”.
وتابع الأندلوسي أن “مشكل الصحراء غير متوقف عند طبيعة الشخصية التي يعينها الأمين العام للمساهمة في إيجاد الحل، بقدر أن الأمر مرتبط برغبة الأطراف في إيجاد حل، وأساسا المغرب والجزائر”.
وأردف: “البوليساريو باتت تعيش في عزلة تامة، خاصة بعد أحداث الكركرات التي أبانت عن ضعفها وتبعيتها المطلقة للطرف الجزائري”.
وقبل نحو عام، عرقلت عناصر من الجبهة العمل على معبر “الكركرات” بين المغرب وموريتانيا، في إقليم الصحراء، قبل أن يتدخل الجيش المغربي ويعلن أنه تمت إقامة حزام أمني لتأمين عبور السلع والأفراد.
واعتبر الأندلوسي أن “نجاح المبعوث الأممي الجديد رهين بامتلاك رؤية واضحة، خاصة بالنسبة لتموقع الطرف الجزائري في النزاع القائم، والتأكيد على أن المفاوضات المباشرة يجب أن تكون بين المغرب والجزائر، وهذا ما أشار إليه المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، بشكل غير مباشر”.
وترفض الجزائر الانخراط في مفاوضات مباشرة مع المغرب، وترى أن المفاوضات يجب أن تكون بين الرباط و”البوليساريو”.
وختم بأن “المغرب عبر عن رغبته في حل هذا النزاع الذي عَمَّرَ طويلا، وقدم مقترح الحكم الذاتي الذي حظي بتأييد دولي”.