هل باستطاعة طالبان قمع التهديد المتصاعد لداعش

يوسف لفرج

ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كأخطر تهديد يواجه حركة طالبان منذ استيلائها على الحكم في أفغانستان، حيث كثف هجماته ضدّ مقاتلي طالبان ودور العبادة التي تضمّ غالبية شيعية، وهو ما أثار شكوكا حول مدى قدرة طالبان على مواجهة تهديدات داعش والوفاء بوعودها بالسيطرة على هذا التنظيم المتطرّف وحماية الأقليات في البلاد.

هناك عدو جديد صاعد مع وجود طالبان في السلطة في أفغانستان وهو تنظيم الدولة الإسلامية الذي يهدد ببدء مرحلة عنف أخرى. ويلعب المتمردون السابقون (طالبان) هذه المرة دور الدولة، بعد أن اختفت القوات الأميركية والحكومة الأفغانية المتحالفة معها.

ووعدت طالبان الولايات المتحدة بإبقاء الجماعة المتطرفة تحت السيطرة خلال الجولات المتعاقبة من محادثات السلام. وبموجب اتفاق 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان، ضمنت طالبان عدم تحول أفغانستان إلى ملاذ للجماعات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة أو حلفائها.

منافسة طويلة

أندرو ماينز: طالبان ستفقد هويتها كحركة مجاهدة كلما تعاونت مع الدول

ذكر تقرير لوكالة أسوشيتد برس أعدته سامية كلاب، أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان بإمكان طالبان الوفاء بتعهدها، مع زيادة مفاجئة في هجمات داعش منذ استيلاء طالبان على السلطة في الخامس عشر من أغسطس.

وأسفر تفجير الجمعة في محافظة قندز الشمالية عن مقتل 46 مصليا داخل مسجد يرتاده الشيعة. ووقعت هجمات قاتلة أخرى لتنظيم الدولة الإسلامية في العاصمة كابول والمقاطعات في الشرق والشمال، بينما تستهدف الهجمات الأصغر حجما مقاتلي طالبان بشكل شبه يومي.

وقال أندرو ماينز زميل باحث في برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن “تاريخيا، استهدفت غالبية هجمات داعش الدولة… الآن وبعد أن امّحى الوجود الأميركي والدولي في الغالب، يجب أن يطاردوا الدولة، والدولة هي طالبان”.

وتتبنى كل من طالبان وداعش تفسيرا راديكاليا للشريعة الإسلامية في الحكم، لكن هناك اختلافات أيديولوجية رئيسية تغذي كراهيتهما لبعضهما البعض.

وتقول طالبان إنها تنشئ دولة إسلامية في أفغانستان داخل حدود ذلك البلد. ويقول داعش إنه دولة الخلافة الإسلامية العالمية، ويصر على أن جميع المسلمين يجب أن يدعموه. وفي هذا ازدراء لأهداف طالبان القومية ولا يعترف بها كحركة إسلامية بحتة. وكان تنظيم الدولة الإسلامية عدوا لدودا لتنظيم القاعدة لأسباب مماثلة.

ويدافع كل من طالبان وداعش عن نسخ قاسية بشكل خاص من الشريعة الإسلامية واستخدما تكتيكات مثل المفجرين الانتحاريين. لكن عندما حكم تنظيم الدولة الإسلامية أراضي في سوريا والعراق، كان أكثر وحشية ونفذ عقوبات مروعة أكثر مما فعلته طالبان.

وظهر تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان في 2015 تحت اسم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، في وقت كان التنظيم في ذروته حيث سيطر على جزء كبير من العراق وسوريا. واجتذب أعضاء من مسلحين أفغان وباكستانيين، بما في ذلك موجة من المنشقين عن طالبان.

ووجدت الجماعة في البداية دعما بين الحركة السلفية الصغيرة في أفغانستان في إقليمي كونار وننكرهار الشرقيين. كما همّشت طالبان السلفيين إلى حد كبير، ووجدت الحركة السلفية وسيلة لتأسيس قوة عسكرية من خلال التواصل مع تنظيم الدولة الإسلامية الصاعد.

لكن أساليب داعش الوحشية دفعت بعض رجال الدين السلفيين للتعبير عن معارضتهم منذ ذلك الحين. وتضرر تنظيم الدولة بشدة من النكسات العسكرية على يد طالبان والضربات الجوية الأميركية في السنوات التي أعقبت ظهوره، قبل أن ينهض مرة أخرى العام الماضي.

وتقلل حركة طالبان من أهمية قدرات داعش وتصفه بأنه جماعة هامشية لا تحظى بقبول عام. وقال الشيخ عبدالحميد حماسي، وهو إحدى الشخصيات المؤثرة في حركة طالبان، لوكالة أسوشيتد برس “ليست لديهم جذور هنا”.

الهدف النهائي

داعش يسعى بهجماته إلى زعزعة استقرار طالبان وتحطيم صورة الجماعة كحارس للأمن

لا يمكن إنكار قوة تهديد داعش، حيث ضرب تفجيران قويان كابول، أحدهما خارج المطار في ذروة عمليات الإجلاء قبل خروج الولايات المتحدة مما أسفر عن مقتل 169 أفغانيا و13 من أفراد الخدمة الأميركية. كما أن الهجمات على نطاق أصغر آخذة في الارتفاع.

وقال إبراهيم بحيس المستشار في مجموعة الأزمات الدولية إن “شدة الهجمات واتساعها تظهر قدرة الامتداد الوطني الذي فاجأ طالبان ومستواها”. وأكّد أن تنظيم الدولة الإسلامية “ليس تهديدا قصير المدى”.

وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تصبح لدى داعش القدرة على السيطرة على الأراضي مرة أخرى. إنّ هدفه المباشر هو زعزعة استقرار طالبان وتحطيم صورة الجماعة كحارس للأمن. لكن استراتيجيته بطيئة ومنهجية في الوقت الحالي. وهو يتواصل مع القبائل والجماعات الأخرى للتجنيد من بين صفوفها مع القضاء على المعارضة بين السلفيين المعتدلين وتنفيذ عمليات الهروب من السجن والاغتيالات والهجمات على أفراد طالبان.

وقال ماينز “جمّع كل ذلك معا ليظهر لك أن هذه طريقة تمرد كاملة ليست طالبان مجهزة للتعامل معها”.

وقدم بيل روجيو من “لونغ وور جورنال” وهو موقع أميركي مخصص للحرب على الإرهاب أنتجته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وجهة نظر مختلفة، قائلا إنه يعتقد أن بإمكان طالبان اقتلاع داعش بمفردها، حتى دون دعم من الضربات الجوية الأميركية التي قضت على التنظيم تقريبا في الماضي.

وأشار روجيو إلى أن طالبان أثبتت قدرتها على اجتثاث بعض خلايا داعش باستخدام شبكات جمع المعلومات الاستخبارية المحلية الواسعة. وأشار إلى أن داعش (على عكس طالبان أثناء تمردها) لا يمكنه الوصول إلى الملاذات الآمنة في باكستان وإيران.

بيل روجيو: طالبان بإمكانها اقتلاع داعش بمفردها دون دعم جوي أميركي

ورفضت حركة طالبان التعاون مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قبل المحادثات المباشرة بين الجانبين نهاية الأسبوع الماضي. وسيعتمد مسار داعش المستقبلي في أفغانستان إلى حد كبير على قدرته على تجنيد المزيد من الأعضاء وكسب شرائح كبيرة من السكان.

ومنذ نشأة داعش، كان أفراده يصطادون أعضاء طالبان. وفي 2015 عُيّن القائد السابق في طالبان عبدالرؤوف خادم نائبا لأمير ولاية خراسان، وورد أنه عرض حوافز مالية لمقاتلي طالبان الآخرين للانضمام إلى الجماعة.

وعندما عاد تنظيم الدولة الإسلامية للظهور في أفغانستان في عام 2020، كان تحت قيادة زعيم جديد من شبكة حقاني، وهي من فصائل طالبان حاليا.

ويمكن أن ينضم المتشددون من طالبان إلى تنظيم الدولة الإسلامية حيث يتعين على قيادة طالبان، التي تتولى السلطة الآن، تقديم تنازلات سواء في الداخل أو في الخارج. ووعدت طالبان بحكومة أكثر شمولية على الرغم من أن الإدارة المؤقتة التي شكلوها تتكون بالكامل من أعضاء الجماعة.

وكلما زاد تعاون طالبان مع الدول، كلما تضاربت مع صورة المجاهدين المقاومين. وقال ماينز إن “هذه هوية رئيسية ستفقدها طالبان”.

ومع تحول حركة طالبان من التمرد إلى الحكم، سيكون أحد الاختبارات الرئيسية هو ما إذا كانت تعمل لحماية الأقليات التي كان مقاتلوها يعادونها، مثل الهزارة الشيعة.

وقد عانى الهزارة عدة حملات من الاضطهاد والتشريد عبر تاريخ أفغانستان. وعندما كانت طالبان في السلطة لأول مرة في التسعينات، اقترفت مذابح ضد هذه الطائفة، في بعض الحالات انتقاما لمذابح عرقية البشتون.

واستهدف تنظيم الدولة الهزارة لأن معظمهم من المسلمين الشيعة وقُتل المئات في هجمات وحشية استهدفت أماكن عبادتهم فيما وصفه بالحرب على الزنادقة.

وكان هجوم الجمعة على مسجد قندز فرصة لطالبان لإعطاء صورة جديدة كسلطة دولة. وتحركت طالبان بسرعة: اجتاحت القوات الخاصة المكان، وبدأت التحقيقات، وقدم قائد الشرطة الإقليمية وعودا سامية لحماية “الأخوة” من الأقليات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: