التصعيد مع فرنسا يفتح المجال أمام دعم روسي وجزائري أوسع لمالي

حنان الفاتحي

دخلت التوترات بين مالي وفرنسا منعرجا خطيرا حيث أخذ قادة الدولتين في تبادل الاتهامات والتصريحات اللاذعة التي لا تصبّ في مصلحة باريس لاسيّما بعد أن توترت علاقاتها مع أغلب مستعمراتها الأفريقية بما يتيح الفرصة أكثر أمام موسكو لتوسيع نفوذها في المنطقة.

وفي آخر تصعيد بين الطرفين، اتهم رئيس الحكومة المالية شوغل كوكالا مايغا باريس بإنشاء جيش في مدينة كيدال (شمال مالي) وسلمته إلى حركة تشكلت من جماعة “أنصار الدين”، المتحالفة مع تنظيم القاعدة.

وجماعة “أنصار الدين”، تنظيم مسلح أغلب عناصره من الطوارق، ويقودهم إياد آغ غالي، زعيم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، التي تضم عدة جماعات مسلحة تنشط في مالي، بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، المصنف إرهابيا في عدة دول.

ولم يوضح مايغا، هوية “الإرهابيين” الذين جلبتهم فرنسا من ليبيا، هل هم من المرتزقة الأفارقة من تشاد والنيجر والسودان، أم من الطوارق الذين جندهم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي (1969-2011) ثم عادوا إلى مالي لقتال الحكومة المركزية منذ 2012.

تسليم فرنسا جيشا لجماعة أنصار الدين سيؤدي إلى زعزعة استقرار مالي والجزائر خاصة إذا دخل مرتزقة فاغنر

ويعدّ الادعاء بأن فرنسا سلمت هذا الجيش إلى حركة تشكلت من “أنصار الدين”، اتهاما خطيرا جدا لباريس، ويعني أنها إما تحالفت مع تنظيم القاعدة، أو مع فرع منشق عنه في شمالي مالي، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار مالي والجزائر معا، خاصة إذا دخل مرتزقة فاغنر إلى مالي.

فالمجموعات المسلحة للطوارق والأزواد غير قادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وخسرت المواجهة ضدها في 2012، رغم أنها تحالفت معها في بداية الهجوم على شمالي البلاد.

وعلى الأغلب فإن القوات الفرنسية، التي تسيطر فعليا على شمالي مالي، تسعى لتدريب عناصر من الطوارق لمواجهة تنظيمي القاعدة وداعش في الصحراء الكبرى، ولكن قد يلعب هذا “الجيش” على انفصال إقليم أزواد (شمالي مالي) عن باماكو، أو أن ينهار على يد جماعة “أنصار الدين” إما بسبب الترابط العرقي والقبلي، أو بالقوة المسلحة.

ومنذ 2017، يسعى ماكرون لسحب قوات بلاده من مالي، لكنه لا يريد تكرار سيناريو الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 2021، ومن فيتنام في 1975.

لكن الجيش الفرنسي قد يعمل على تجريب الخطة التي لجأت إليها واشنطن في فيتنام، من خلال إنشاء “جيش عميل” لفرنسا من الطوارق، وهذا ما يقلق باماكو، التي لا يسيطر جيشها على شمالي البلاد. وسبق أن اعترف رئيس الوزراء المالي، أنه لا يمكن لحكومته “الوصول إلى كيدال حاليا، لأنها منطقة معزولة تسيطر عليها فرنسا، ولديها مجموعات مسلحة هناك، دربها ضباط فرنسيون”.

وأحد أسباب عدم سماح فرنسا للجيش المالي بالانتشار في الشمال، اتهام حركات مسلحة في المنطقة له بارتكاب تطهير عرقي ضد العرب والطوارق في 2013، والذي أثار استياء عدة دول ومنظمات حقوقية.

ويقول محللون إن تصاعد التوتر الأخير بين باماكو وباريس، نابع من رفض الانقلاب الذي قاده عاصيمي غويتا للمرة الثانية منذ صائفة 2020، حتى دون التنسيق مع السلطات الفرنسية أو أخذ موافقتها. كما أن الضباط الذين قادوا الانقلاب محسوبون على روسيا، التي تزاحم فرنسا على النفوذ في مالي، ما أغضب الفرنسيين ودفعهم لتعليق عملياتهم العسكرية مؤقتا قبل أن يقرر الرئيس الفرنسي إنهاء عملية برخان في منطقة الساحل في يونيو الماضي، وتقليص عدد قوات بلاده من 5 آلاف و100 عسكري إلى ما بين ألفين وخمسمئة و3 آلاف عنصر، والأسوأ من ذلك الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو.

Thumbnail

واعتبرت باماكو هذا القرار تخل عنها، بل إن رئيس الوزراء المالي شجب في حوار مع إذاعة فرنسا الدولية، ما اعتبره “إعلانا أحادي الجانب”، ودون التنسيق الثلاثي مع الأمم المتحدة والحكومة المالية.

وكان رد باماكو سريعا وغير متوقع، بتواصلها مع روسيا، التي زودتها بأربع طائرات مروحية من نوع مي – 17، كما توشك الحكومة المالية على التوقيع على اتفاق مع شركة فاغنر الروسية على إرسال ألف مرتزق إلى مالي، مقابل أموال وامتيازات تعدينية في مناجم للذهب والمغنيزيوم.

لم تتقبل فرنسا هذا التحدي من السلطات المالية الجديدة، التي تعتبر أنها غير شرعية وجاءت عبر انقلابين، ولا تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وأنه دون قواتها والقوات الأفريقية والأوروبية المتحالفة معها فإن باماكو ستسقط تحت ضربات الجماعات الإرهابية.

ولم تنظر باماكو بعين الرضا إلى تحدث فرنسا باسم مالي في العديد من المحافل الدولية متجاهلة السلطات الجديدة، وعدم احترام سيادة بلادها.

ولم تستسغ باريس فتح باماكو قنوات اتصال مع جماعات مصنفة إرهابية مثل “أنصار الدين” وجماعة “تحرير ماسينا”، لإقناعها بالدخول في مسار مصالحة وطنية على الطريقة الجزائرية.

وتتهم وسائل إعلام فرنسية الحكومة المالية باستغلال العداء التاريخي للشعب المالي ضد فرنسا، وافتعال هذه الأزمة، لصرف النظر عن إخفاقاتها، ورفع شعبيتها، خاصة بعد إعلان مايغا تأجيلا محتملا للانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقررة في 27 فبراير 2022، بضعة أسابيع أو أشهر، رغم تعهدات المجلس العسكري للمجتمع الدولي الذي يضغط للالتزام بموعد تنظيم الانتخابات، بينما تتزايد الشكوك بشأن احترام هذا الجدول الزمني، كما توسعت دائرة الدول المعارضة لاستجلاب المجلس مرتزقة روس إلى البلاد.

وجاءت زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إلى باماكو، لتعطي دعما معنويا أكبر للحكومة المالية، التي استدعت في اليوم نفسه السفير الفرنسي للاحتجاج على تصريحات ماكرون. ورأى مراقبون في تلك الخطوات تنسيقا مشتركا بين الجزائر ومالي للتنديد بتصريحات ماكرون ضد البلدين، خاصة وأن الجزائر سبقت باماكو في استدعاء السفير الفرنسي لديها، ما شكل إحراجا دبلوماسيا لباريس مع مستعمراتها السابقة.

وتبدو الأمور متجهة نحو التصعيد بين فرنسا ومالي، التي تجد في الدعم الروسي والجزائري فرصة لمواجهة النفوذ الفرنسي الطاغي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: