سحب الرئيس قيس سعيد آخر خيوط اللعبة من يد خصومه السياسيين، وعلى رأسهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة. وذلك بعد الإعلان عن الحكومة التونسية الجديدة التي ضمت تشكيلتها تسع حقائب وزارية لكفاءات نسائية تم تكليفها بوزارات مهمة.
وكان لافتا تأكيد قيس سعيد أنه سيفتح كل الملفات بعد التشكيل الحكومي، ما يوحي بأن المرحلة القادمة التي تلي استقرار المؤسسات هي مرحلة محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وإضعاف سلطة الدولة.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن الإعلان عن الحكومة وأدائها القسم يرسلان إشارات إيجابية إلى الداخل والخارج، ويسحبان البساط من تحت أقدام المشككين الذين وظفوا ورقة تأخير تشكيل الحكومة في حملتهم للتشكيك في قيس سعيد وقدرته على قيادة المرحلة.
محسن مرزوق: تشكيل الحكومة جزء من الحل والعبرة بالنتائج
وعملت حركة النهضة وأحزاب صغيرة تتحرك في فلكها على إثارة ردود سلبية من الخارج على الانتقال السياسي الذي جرى يوم الخامس والعشرين من يوليو الماضي، بزعم غياب الحكومة وعدم وجود جهة يمكن التفاوض معها بشأن الإصلاحات الاقتصادية والتزامات تونس تجاه المؤسسات المالية الدولية لتأمين حصولها على القروض اللازمة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة القادمة.
وسعى خصوم قيس سعيد لجر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) إلى ملعب المعارضين للرئيس بسبب غياب جهة تتفاوض مع الاتحاد حول القضايا الاجتماعية وسبل تنفيذ اتفاقيات سابقة.
وأعلن سامي الطاهري الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل أن الاتحاد يرحب بإعلان حكومة جديدة ويدعو إلى حوار تشاركي ووضع سقف زمني للإجراءات الاستثنائية.
وقالت رئيسة الوزراء نجلاء بودن، التي عينها الرئيس سعيد الشهر الماضي، “من أهم أولوياتنا مكافحة الفساد… وإعادة الأمل للتونسيين”، وإن حكومتها ستعمل “على استعادة الثقة في المعاملات وهي لن تتحقق دون تطبيق القانون ودون تمييز”.
وكان لافتا أن الحكومة التي ترأسها سيدة قد ضمت تسع حقائب لسيدات متخصصات في مجالات متنوعة، وهن: ليلى جفال لوزارة العدل، وسهام بوغديري للمالية، ونائلة نويرة للصناعة، وفضيلة الرابحي للتجارة، وسارة زعفراني للتجهيز، وليلى الشيخاوي للبيئة، وآمال بلحاج للمرأة، وحياة قطاط للثقافة. كما تم تكليف عائدة حمدي بمهمة كاتبة دولة (وزيرة للشؤون) لدى وزير الخارجية.
وبعد مراسم القسم الحكومي ألقى الرئيس سعيد كلمة جدد فيها استمرار نفس المسار بقوة وحماس، مؤكدا “أنا على يقين من أننا سنعبر من اليأس إلى الأمل.. من الإحباط إلى العمل”، منتقدا كل من يهدد الدولة.
وشدد على ضرورة “إنقاذ البلاد ممن يتربصون بها في الداخل والخارج” و”من يعتبرون المناصب غنيمة… سنفتح الملفات ولن نستثني أحدا ولا مكان لمن يريدون العبث بسيادة الدولة”. وتابع “لقد نهبوا من أموال الشعب الكثير”، دون أن يأتي على ذكر أسماء.
حسان قبي: خطوة إلى الأمام في اتجاه القطع مع ممارسات ما قبل 25 يوليو
وكشف أنه سيعمل في قادم الأيام على “إيجاد إطار لحوار وطني حقيقي… حوار مع الشباب في كل الجهات من الجمهورية ومع كل التونسيين والتونسيات الذين يقبلون بالحوار الصادق لاستكمال الثورة واستكمال حركة التصحيح والتحرير”.
وأبدى سياسيون ومحللون تونسيون رضاهم عن تشكيل الحكومة، واعتبروها خطوة مهمة، لكنهم قالوا إن المهم هو مدى قدرة هذه الحكومة على تحقيق النتائج المطلوبة شعبيا في أقرب وقت ممكن وبأسلوب سلس.
واعتبر محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، أن تشكيل الحكومة الجديدة هو جزء من الحل الوقتي في الظرف الاستثنائي، وأن العبرة بالنتائج خاصة في الظرف الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه البلاد.
وبعد تشكيل الحكومة دعا مرزوق في تصريح له إلى الذهاب لأصل الأزمة، أي النظامين السياسي والانتخابي، وطريقة تغييرهما، ثم إجراء انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية.
ويرى حسان قبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية في الجامعات الفرنسية، أن تشكيل الحكومة خطوة صحيحة إلى الأمام في اتجاه القطع الكلي مع كل ممارسات ما قبل الخامس والعشرين من يوليو.
وقال، “إنني لا أعتقد أن من حكموا تونس طيلة عشر سنوات وأوصلوها إلى حالة الوهن والضعف والإفلاس لهم القدرة السياسية والشعبية -أو حتى من خلال علاقاتهم الدولية واللوبيات الخارجية التي يحركونها في الوقت الحالي- على العودة إلى الحكم”.
ويضيف “نعتقد أن الأمور حسمت، وأن عنوان المرحلة بكل تأكيد سيكون محاربة الفساد، ونسبة لا بأس بها ممن يتصدرون المشهد اليوم من أجل العودة إلى الحكم قد نراهم بين أروقة المحاكم في قضايا فساد”.
وأبقت رئيسة الوزراء على عدد من الوزراء المؤقتين الذين عينهم الرئيس سعيد بالفعل، ومن بينهم سهام البوغديري وزيرة للمالية وعثمان الجرندي وزيرا للخارجية، كما عينت المصرفي سمير سعيد وزيرا للاقتصاد والتخطيط.
وأعادت بودن تعيين توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية. وكانت استقالته، وهو حليف لقيس سعيد، سببا في الخلاف الذي نشب بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء آنذاك هشام المشيشي.
ولفت قبي إلى أنه من السابق لأوانه الحكم على الحكومة التي ينتظرها عمل كبير، والعنوان الأبرز لأولوياتها هو التحدي الاقتصادي والمالي الذي تمر به تونس.