عزلة الجزائر دوليا بعد فضائح الديبلوماسية الجزائرية

Belbazi

بدا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريحه لوسائل إعلام محلية، بثها التلفزيون الحكومي ليل الأحد، وكأنه بصدد إحصاء ما تبقى للجزائر من شركاء وأصدقاء، في ظل توجه دبلوماسي غير مسبوق يقوم على توتير علاقات البلاد بمحيطها بدءا من المغرب ووصولا إلى فرنسا دون حساب المصالح والتوازنات، وهو ما قاد البلاد إلى عزلة يحاول تبون إخفاءها.

وأوحى تبون بأن عودة السفير الجزائري في باريس محمد عنتر داود غير واردة في الظرف الراهن، واشترط ذلك بعودة الاحترام إلى علاقات فرنسا مع بلاده، وهو ما يرشّح الأزمة المستجدة بين البلدين إلى المزيد من التصعيد والقطيعة، على خلفية السجال الذي أثارته تصريحات منسوبة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون حول السلطة في الجزائر وتاريخها.

ولئن أعرب الرئيس الجزائري عن عدم حسم مصير الاتفاق المتعلق بأنبوب الغاز المار إلى إسبانيا عبر المغرب -بشأن التجديد من عدمه- في ظل القطيعة القائمة بين البلدين خلال الأسابيع الأخيرة، فإنه شدد على أن بلاده ترفض أي وساطة في هذا الشأن، ردا على أحاديث عن مساع لرأب الصدع بين البلدين الجارين.

كما سعى تبون لتحميل المغرب وفرنسا مسؤولية الحرائق التي شهدتها بلاده في الصيف، في وقت كانت فيه وسائل إعلام محلية قد عزت الأمر إلى قلة الإمكانيات التي حالت دون السيطرة على الحرائق، ووسط اتهامات للسلطة بالتقصير وعدم الاستعداد لهذه الحوادث بشكل مسبق وتطوير إمكانيات العاملين في القطاع، خاصة وأن العديد من الدول المتوسطية شهدت حوادث من هذا النوع أرجعتها إلى ارتفاع درجات الحرارة.

ويبدو أن الجزائر التي أبدت انفتاحا مطردا على عواصم إقليمية ودولية جديدة، على غرار بكين وموسكو وروما وأنقرة، بصدد البحث عن مصادر تنفيس أخرى تخفف عنها حالة العزلة الإقليمية والدولية.

وأمام القطيعة مع المغرب والتدهور غير المسبوق في العلاقة مع فرنسا، والارتباك المسجل في ملفي ليبيا ومالي، وحتى في تونس، يسجل دفع واضح لعلاقاتها الثنائية مع الأتراك والإيطاليين، حيث تم توقيع اتفاق وصف بالضخم في مجال الصناعات البيتروكيماوية مع أنقرة هذا الأسبوع، كما أعلن عن زيارة مرتقبة سيقوم بها الرئيس الإيطالي إلى الجزائر بداية الشهر القادم.

وفشلت الجزائر في بناء علاقة ثقة مع الأطراف المؤثرة في ليبيا، وهو ما يتناقض مع خطتها للعب دور الوسيط في الأزمة الليبية.  

دبلوماسية عدائية وغير متزنة

واستطاع القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر إرباك مشاريع فتح الحدود البرية التي أعلنت عنها الجزائر وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، بعدما قامت وحدة تابعة له بغلق أحد المعابر البرية بين البلدين خلال الأشهر الماضية، كما يبدو أن مخرجات الوضع التونسي بعد تحول الخامس والعشرين من يوليو تسير دون تطلعات المقاربة الجزائرية.

وإذا كان تبون قد ذكر حفتر بمفردات دارجة لا صلة لها باللغة الدبلوماسية، في تلميح إلى عدم اعتراف الجزائر بالرجل في المشهد الليبي ولا بمواقفه المناوئة للجزائر، فإنه أعرب عن “وقوف بلاده مع تونس في كل الظروف، وأن ما يمسها هو مساس بالجزائر”، وهي تصريحات ضبابية لا يفهم منها مع من تقف الجزائر هل تدعم قيس سعيد أم تقف ضده وتنحاز إلى الإسلاميين التزاما بتحالفها مع أنقرة؟

وأكد تبون أن تونس ستكون وجهته الأولى في أجندته الخارجية، وأنه سيزورها متى سمحت الظروف الصحية بذلك رفقة نصف تعداد الحكومة، في إشارة إلى الدفع الذي يريد الرجل إعطاءه لعلاقات الجزائر مع تونس، ولم يعلق على الوضع السياسي الداخلي في الجارة الشرقية إلا بالقول “الجزائر تدعم وتقف مع إرادة الشعب التونسي”، دون تقديم توضيحات أخرى.

ويبقى الوضع الداخلي مُهيْمنا على مخارج الدبلوماسية الجزائرية؛ فقد ألقى وجود زعيم ومؤسس حركة “ماك” الانفصالية فرحات مهني في باريس -التي رفضت تسليمه للجزائر- بظلاله على الموقف الجزائري.

ويبدو أن الجزائر التي دخلت مؤخرا في مناكفات وسوء إدارة لملفات إقليمية تريد إعطاء الانطباع للرأي العام بأنها ليست في عزلة دبلوماسية، وأن شراكاتها واعدة مع من تصفهم بـ”المحترمين” الذين “يقدرون دورها ومصالحها”.

لكن مراقبين يقولون إن السلطة، التي تسعى لإظهار نفسها على أنها غير معزولة، تثبت فعلا أنها معزولة وعاجزة عن بناء علاقات متوازنة، خاصة حين تفشل في كسب ثقة محيطها الإقليمي وتعمل بشكل دائما على إحداث القطيعة وإغلاق الحدود.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: