أسرار حرب الوثائق بين جزائر “شنقريحة” و فرنسا “ماكرون” أيام الحكم العثماني وتسمية الجزائر

بن موسى

نعود من جديد الى ما خلفته تصريحات الرئيس الفرنسي، “إمانويل ماكرون”، على المستويين السياسي و الشعبي في الجزائر…، و نقيم ردة الفعل الجزائرية تجاه الدولة الفرنسية بكل رموزها و نجيب على التساؤل الذي يطرحه عديد النشطاء في الجزائر، هل تكفي ردة الفعل بسحب السفير و إغلاق الأجواء على الطائرات العسكرية الفرنسية لتعيد الاعتبار للشعب الجزائري الذي أحس بمرارة تلك التصريحات القدحية و المهينة لذاكرة المجاهدين ؟

و هل هي امتداد لتصريحات “الأخضر الإبراهيمي” و ما خلفته من أضرار نفسية و عاطفية على الجزائريين الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة و أن وطنهم مستهدف من قوى خارجية ؟

في البداية نحاول رفع بعض اللبس الذي يتم الترويج له على وسائل التواصل الاجتماعي، و أيضا عبر بعض المحللين الذين يُفتون في النوازل بين الدول بناء على معطيات غير مكتملة أو غير متأكد منها، إذ ينسب بعض الجزائريين من المهجر، أسباب الأزمة إلى تعاقد الرئيس المالي مع مرتزقة “الفاكنر” بدعم جزائري، فيما الواقع يقول أن الجيش الفرنسي هو من رفض تجديد عقد حماية الرئيس المالي، بدعوى أن فرنسا تنوي الانسحاب من دولة مالي، و أن الرئيس المالي تعاقد مع شركة “فاكنر” منذ أشهر، حتى قبل وصول “لعمامرة” إلى الخارجية الجزائرية، و تأخر الانسحاب الفرنسي يعزى إلى الأحداث الإرهابية الأخيرة التي أودت بحياة سائقين مغربيين من طرف عصابة تابعة للمخابرات الجزائرية  و تجددت باستهداف شاحنات أخرى بعد أسبوع من الحادث للتمويه على العملية الأولى، و أن السلطات المالية حاولت التعاقد مع شركات أوروبية لكن لم تتمكن من ذلك، و في النهاية قررت التعاقد مع شركة مرتزقة “فاكنر” الروسية، لكل هذا فأسباب الأزمة بين فرنسا و الجزائر لا تتعلق بالوضع في مالي، بل بما يجري من تقسيم للكعكة في ليبيا، و محاولة إبعاد الشركات الفرنسية من طرف الدبلوماسية الجزائرية عن طريق الضغط على ليبيا من خلال جماعات إرهابية منتشرة في التراب الليبي تأتمر بتعليمات من مخابرات بن عكنون ولها دور أخر في غاية الأهمية يشمل حماية سيف الإسلام القذافي الورقة الرابحة التي تقايد بها الجزائر الحكومة الليبية، و تفجر الوضع بعد استدعاء “لعمامرة” للسفير الفرنسي عقب تخفيض السلطات الفرنسية لعدد التأشيرات الممنوحة لدول شمال إفريقيا، و رد الرباط على لسان وزير خارجيتها، فيما حاولت الجزائر إظهار قوة أكبر من الرباط و إثبات أنها قوة ضاربة و إستراتيجية ولا تهاب فرنسا ، فتورطت في سلوك دبلوماسي مهين لباريس، تلاه استعراض غير مبرر للقوة البحرية.

وهنا نصل لقراءة تصريحات الرئيس “ماكرون”، و لماذا هي في غاية الخطورة، ذلك أن كلامه أعاد للحياة خطاب فرنسي قديم يعود إلى زمن الرئيس “دوغول”، يجري تجديده من طرف الدولة الأمنية الفرنسية، و اعتماده لصناعة بطاقة هوية حديثة للدولة و الشعب الجزائري، تعترف بأن الدولة الجزائرية هي ثمرة الاستعمار الفرنسي، و أنها بدون جذور تاريخية، و أنها دولة هجينة بناها المرتزقة و ليس الثوار الجزائريين كما تزعم عصابة العسكر الحاكمة، بل الأكثر خطورة من التصريحات، هو تسريب وثائق يكشف عنها للمرة الأولى، و منها وثيقة تشير إلى شراء النظام الفرنسي للإيالة العثمانية (“الجزائر”) من الحكم المركزي العثماني.

التاريخ المغيب عن الجزائريين.. أدناه “العقد” الرسمي الذي بموجبه اشترت فرنسا إيالة العثمانيين لتسميها فيما بعد “الجزائر” على يد وزير الحرب الفرنسي شنايدر بظهير 14 اكتوبر 1830.

و وثيقة ثانية تخص الماريشال الحاكم للجزائر، و الذي طالب الإدارة الفرنسية المركزية بإطلاق تسمية الجزائر على مستعمرتها الجديدة و اعتماد هذا الاسم في جميع المراسلات الرسمية، ثم وثيقة ثالثة أشد خطورة تحصر منطقة مستعمرة الجزائر التابعة لباريس، في شريط ساحلي ضيق، أي أنه عندما دخلت فرنسا لم تكن هناك جزائر بل كانت فقط إيالة عثمانية تمتد على شريط ساحلي، و أن الفرنسيين لم يحصلوا عليها بالسطو المسلح بل اشتروها نقدا من إسطنبول.

هذه الوثائق التي كان النظام الجزائري – في وقت سابق- قد طالب بإلحاح النظام الفرنسي بعدم فتحها للباحثين و عدم وضعها رهن إشارة العموم، سواء من الأكاديميين أو فضوليي التاريخ، تؤكد أن النظام الجزائري كان يعلم مدى خطورتها القانونية، لأنها تجعل الجزائر في موقف محرج لسببين؛ الأول أن دفاع الجزائر عن الحدود الموروثة عن الاستعمار سببه أن الجزائر لم تكن قبل الاستعمار كيانا و لا دولة قائمة الأركان، بل مجرد امتداد عثماني مفكك يقع بين ظفري حضارتين كبيرتين الأولى في تونس و الثانية في المغرب، و أن هذا الامتداد العثماني كان أيضا استعمارا، و خلف أثار نفسية و اجتماعية سيئة على سكان المنطقة، و الثانية يمنح دول الجوار الجزائري كتونس و ليبيا و مالي و المغرب، حق المطالبة بالأراضي التاريخية التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي من أوطانهم و ضمها للجزائر، حينما كانت فرنسا تعتقد بأن الجزائر ستظل  مقاطعة فرنسية إلى الأبد.

لكن الركن الأشد خطورة في التصريحات هو قول الرئيس الفرنسي: “أنا شخصيا كان لي حوار جيد مع الرئيس تبون، لكنني أرى أنه عالق داخل نظام صعب للغاية”، و هذا التعبير الدقيق لوصف وضعية الرئيس الجزائري تحيلنا على ثلاثة قراءات؛ الأولى كون فرنسا تعرف جيدا الوضع الداخلي لمطبخ الحكم الجزائري و على إطّلاع بكل شاردة و واردة في قصر المرادية، و لها ما يؤكد أن “تبون” محاصر و لا إرادة له و يستخدمه الجيش لمخاطبة و ابتزاز الدول، و أن الرئيس الحقيقي للبلاد هو “سعيد شنقريحة”، و الثانية أن الرئيس “تبون” في لقائه السابق مع “ماكرون”  كان قد اعترف للأخير أنه فقط متورط في حكم الجزائر دون رغبته و أن لا إرادة له، و الثالثة أن فرنسا أصبحت لا تستطيع تحمل المزيد من تصرفات الدولة العسكرية الجزائرية، و أن هذا التصريح هو بمثابة قرصة أذن، و فرنسا لها كل الأدلة التي تثبت هذا القول و لن تعتذر أبدا للجزائريين و النظام الجزائري ما دام العسكر من يدير دواليب البلاد ومن دون الحاجة إلى تحاليل عالية الدقة و فهم عميق لوجوه الأزمة بين جزائر “شنقريحة”  و فرنسا “ماكرون

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: