الجزائر وفرنسا: أزمة تشتد تزيدها تصريحات ماكرون اشتعالا

أسيبل ريم

عقدت الجزائر آمالا على حقبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للوصول إلى تطبيع العلاقات، بعد اعترافه قبيل وصوله الحكم بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، لكنه خيب آمال الجزائريين مؤخرا وتسبّب بأزمة دبلوماسية بين البلدين، مع اقتراب نهاية ولايته الأولى التي بدأت في 2017 لمدة خمس سنوات.

وبدأت الخلافات بين البلدين منذ الثامن من أبريل الماضي حين وصف وزير التجارة الجزائري الهاشمي جعبوب فرنسا بأنها “عدوة الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة إلى الجزائريين”، وهو ما احتجت عليه باريس.

وبعد ذلك بيوم، أعلنت فرنسا تأجيل زيارة لرئيس حكومتها جان كاستاكس إلى الجزائر “لأسباب صحية”، فيما قالت مصادر دبلوماسية إن السبب الحقيقي هو رفض الجزائر تقليص حجم الوفد الفرنسي.

وفي التاسع عشر من الشهر نفسه اتهم عبدالمجيد شيخي مستشار الرئيس الجزائري فرنسا بنشر الأمية في الجزائر مع استعمارها عام 1830، بعد أن كانت نسبتها لا تتجاوز 20 في المئة في العهد العثماني.

وخلال الأيام الماضية دخلت العلاقات بين الجزائر وفرنسا نفقا مظلما إثر تقليص باريس عدد التأشيرات للجزائريين، والهجوم غير المسبوق من الرئيس ماكرون، ادعى فيه عدم وجود أمة جزائرية قبل استعمار بلاده للجزائر (1830 – 1962).

واعتبرت وسائل إعلام مقربة من السلطة الجزائرية أن ماكرون ارتكب انحرافا لا يغتفر، لم يرتكبه أي رئيس فرنسي سابقا.

وقدّرت الصحافة الجزائرية أن الأزمة بين الجزائر وفرنسا “من المحتمل أن تطول”، مؤكدة على الطبيعة “غير المسبوقة” لهذا الخلاف.

حسني عبيدي: تصريحات ماكرون تسيء إلى جزء كبير من الجزائريين

ورأت الجزائر أن انتقادات ماكرون لنظامها “السياسي – العسكري” لها خلفية “انتخابية”، وقررت “الاستدعاء الفوري” لسفيرها في باريس، ردا على تصريحات نقلتها صحيفة لوموند اعتبر فيها ماكرون أن الجزائر قامت بعد استقلالها عام 1962 على “ريع الذاكرة” كرسه “النظام السياسي – العسكري”، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.

وقالت مصادر عسكرية فرنسية إن الجزائر منعت الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق فوق أراضيها ردا على تصريحات ماكرون، ما ينذر بتفاقم الأزمة.

ودعت “المنظمة الوطنية للمجاهدين”، الهيئة الرسمية الواسعة النفوذ في الجزائر، إلى “مراجعة العلاقات” الجزائرية – الفرنسية.

وغالبا ما تطالب “المنظمة الوطنية للمجاهدين”، التي تجمع قدامى المقاتلين في حرب تحرير الجزائر، فرنسا بـ”الاعتذار” عن “الجرائم” التي ارتكبتها خلال استعمارها الجزائر على مدى 132 سنة والتي راح ضحيّتها، وفقا للرئاسة الجزائرية، أكثر من خمسة ملايين جزائري.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعرب ماكرون الثلاثاء عن “ثقته” بنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون داعيا إلى “تهدئة” بشأن مواضيع الذاكرة. وقال في مقابلة مع فرانس إنتر “أتمنى حصول تهدئة لأنني أظن أنه من الأفضل التحاور والمضي قدما”، داعيا إلى “الاعتراف بالذاكرات كلها والسماح لها بالتعايش”.

ويرى الخبير الجزائري في شؤون الهجرة حسن قاسمي أن ماكرون لديه قبل كل شيء هدف انتخابي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أبريل 2022. وتابع أن “العلاقات بين فرنسا والجزائر لم تخرج أبدا عن المنظور العنصري مستعمِر/مستعمَر الذي لطالما عوملت الجزائر في ظله بازدراء”.

ويوافقه الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق عبدالعزيز الرهابي الرأي، إذ رأى أن في تصريحات ماكرون أهدافا “انتخابية”. واعتبر أنه في السنوات الأربع الأولى من أي ولاية أي رئيس فرنسي يُنظر إلى الجزائر على أنها شريك أمني، قبل أن تتحول إلى فزّاعة في العام الأخير من الولاية.

أما مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ودول المتوسّط في جنيف حسني عبيدي، فهو مقتنع بأن التصريحات جاءت نتيجة “خيبة أمل” ماكرون لاسيما في ما يتعلّق بـ”ردّ فعل الجزائر غير المتحمس إزاء برنامجه لمصالحة الذاكرة” بين البلدين.

واعتبر عبيدي أن تقرير المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا الذي قدمه إلى الرئيس الفرنسي في يناير وكان “من المفترض أن يهدئ العلاقات ساهم عوض ذلك في تصعيد التوتر”.

وقد أعربت الجزائر عن رفضها للتقرير ووصفته بأنه “غير موضوعي”، منتقدة عدم “اعتراف فرنسا رسميا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر”، وفق ما جاء على لسان وزير الاتصال عمار بلحيمر.

Thumbnail

ويؤكد عبيدي أن تصريحات ماكرون الأخيرة لا تسيء فقط إلى السلطات الجزائرية ولكن من شأنها أيضا أن تسيء إلى جزء كبير من الجزائريين.

وشدّد على أن اعتبار الحق في معرفة الحقيقة ريعا في يد السلطة يمثل إهانة جماعية لأن هناك إجماعا في الجزائر حول هذه المسألة.

وعلى العكس من ذلك، يرى مدير الأبحاث في معهد الدراسات الاستشرافية وأمن أوروبا في باريس قادر عبدالرحيم أن “تصريحات الرئيس ماكرون تندرج ضمن المنطق السليم”.

وأضاف “حان الوقت لقول الحقيقة عن ريع الذاكرة وطبيعة النظام السياسي، لقد صدح بصوت عال بما لم يتوقف الجزائريون عن قوله منذ سنوات، ولاسيما مع الحراك” الاحتجاجي الذي انطلق في فبراير 2019.

وبالنسبة إلى عبدالرحيم، أراد ماكرون التأكيد على أن “طبيعة النظام لم تتغير” في الجزائر، فبعدما دعم نظيره تبون إثر انتخابه العام 2019 “صار عليه أن يقبل أن تبون صار وحيدا ومعزولا”، معتبرا أن ردة فعل الجزائر تمثل أساسا “محاولة جديدة للنظام لدغدغة المشاعر الوطنيّة”.

وفيما تسير الأزمة بين البلدين نحو المزيد من التفاقم، قلّل عبدالرحيم من حجم الأزمة، وشبّه البلدين بـ”زوجين عجوزين لم يعودا يطيقان العيش معا لكنهما يعلمان أنهما لا يستطيعان الانفصال”، مشيرا إلى مدى تشابك المصالح بينهما.

وأضاف أن ردود فعل “الجزائر لا يمكن التكهّن بها، لكن الجانب الفرنسي سيسعى بعد فترة لتجنب القطيعة لأن الجالية الجزائرية التي تعد ما يقرب من مليوني شخص قد تجد نفسها ممزقة” بين البلدين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: