مغاربة يشهرون سلاح «المقاطعة» في وجه سلاح «الهجرة» الفرنسي

حنان الفاتحي

تختلط، هذه الأيام، أوراق كثيرة في العلاقات الفرنسية ـ المغربية، بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي واجتماعي وأيديولوجي. ومن ثم، فإن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون تشديد شروط منح الفيزا للمواطنين المغاربة (وكذا المواطنين التونسيين والجزائريين) ليس سوى حلقة جديدة من حلقات الحرب الباردة القائمة بين باريس والرباط منذ عدة شهور، وتنامي خطاب الكراهية والعنصرية في “بلاد الأنوار”. وما زاد الطين بلة قرار المحكمة الأوربية إلغاء اتفاقيتي التجارة الحرة المتعلقتين بالمنتجات الزراعية والصيد بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي.
وفي مواجهة القرار الفرنسي بتخفيض الحصة المخصصة للمواطنين المغاربة من تأشيرات الهجرة إلى النصف، أطلق نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، بالتزامن مع الدعوة إلى اعتماد اللغة الإنكليزية في تدريس المواد العلمية وإلغاء الفرنسية، خاصة وأن المملكتين المغربية والبريطانية شرعتا خلال الأشهر الأخيرة في تعزيز علاقات التعاون بينهما بشكل لافت.
رواد حملة المقاطعة نشروا صوراً ورموزاً للعديد من السلع الفرنسية الموجودة في الأسواق، والتي يوجد بديل مغربي لها يضاهيها في الجودة والأسعار. وتحمل بعض المنشورات صوراً للرئيس الفرنسي وعلامة حمراء على المنتجات الفرنسية، مع عبارات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية تدعو لعدم اقتنائها، كما يجري الترويج لـ”هاشتاغ” مقاطعة تلك السلع.
ومع قرب حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تعد قضية الهجرة ورقة تنافسية قوية بين المتنافسين، مثلما أفادت مجلة “لوبوان” الفرنسية في عددها الأخير. ومن ثم، سارع إيمانويل ماكرون إلى رفع تلك الورقة في وجه المرشح المحتمل للرئاسة الصحافي إيريك زمور، الذي اشتهر بمعاداته للمهاجرين لا سيما القادمين من شمال إفريقيا والبلدان الإسلامية. كما أن باريس لجأت إلى هذه الورقة كطريقة لممارسة الضغط على حكومات البلدان المعنية لتسريع عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية؛ وهي إشارة قوية أرسلتها فرنسا إلى باقي الدول الأعضاء في القارة العجوز، قبل توليها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوربي مطلع العام المقبل.
يسجل مراقبون أن القيادة الفرنسية الحالية لم تستسغ بعد التحول الجيوستراتيجي الكبير الذي يعيشه المغرب منذ عدة سنوات، وبشكل أكثر إثارة منذ استئناف العلاقات مع إسرائيل واعتراف الرئيس الأمريكي السابق بالسيدة المغربية على الصحراء؛ فضلاً عن التقارب بين لندن والرباط الذي تقوى في الشهور الأخيرة، وهو ما يقلق الكثير من الساسة الفرنسيين. إنها “حرب باردة” تشنها فرنسا ضد المغرب؛ هكذا استنتج متابعون مغاربة للعلاقة مع المستعمر القديم، الذي اختار إعلامه شن حملة شرسة على المغرب واتهمه بالتجسس على شخصيات بارزة في ما عُرف بقضية “بيغاسوس”، وهو ما حدا بالرباط إلى رفع دعوى ضد مطلقي التهمة، مطالباً بتقديم الحجج المادية الملموسة.
وتواصل الهجوم الإعلامي الفرنسي على المغرب ومحاولة تشويه صورته، لدرجة بث شريط وثائقي يتهم مؤسسة “الفوسفات” المغربية بتسميم المواد الغذائية وتدمير البيئة، علماً بأن الشركة المنتجة للفيلم قريبة جداً من قضية “بيغاسوس” الشهيرة.
ويلاحظ أن المناقشات في الانتخابات الرئاسية المقبلة تهيمن عليها إلى حد كبير قضايا الهوية والهجرة. ويرى المحلل سمير شوقي، أن الاتجاه نحو “التطرف” يمكن أن يؤثر على مصالح الدولة الفرنسية التي تخاطر “بفقدان المزيد من موطئ قدمها” في إفريقيا، لصالح دول مثل الصين أو روسيا أو تركيا من أجل الاستثمار في المغرب العربي وغرب إفريقيا. ومن ثم، فالتهديدات التي تلوح بها باريس ستكون “خطأ جسيماً” لسياستها تجاه القارة السمراء ولسعيها الحثيث إلى إرساء الفرنكوفونية، وهو ما يسيء إلى صورتها التقليدية المرتبطة بعصر الأنوار والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في المقابل، يحاول البعض التقليل من تداعيات قرار التقليص من التأشيرات الممنوحة للمغاربة، بالتأكيد على استمرار إصدار التأشيرات “بشكل طبيعي” للطلاب والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة. علاوة على تأشيرات الكفالة ولم شمل الأسرة، مع التذكير بأن قرار تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب سيستمر ستة أشهر فقط، حتى الانتخابات الرئاسية. ونقل عن مصادر قنصلية قولها إنه طيلة فترة وباء “كورونا”، يتقدم عدد قليل جداً من المغاربة بطلبات للحصول على تأشيرات لغرض آخر غير العمل.
وسجل ملاحظون أن أزمة “كورونا” كشفت عن طاقة إبداعية مغربية في الحس التضامني المجتمعي، وتفعيل الدعم المؤسساتي للدولة من أجل احتواء الأزمة، علاوة على حركية في النشاط الاقتصادي، جعلت الإعلام الفرنسي “مصدوماً” وهو يذيع أخباراً عن تحول العديد من المقاولات المغربية إلى صناعة الكمامات والمعقمات والمطهرات وتكييف إنتاجها مع السوق بشكل يسمح لها بتغطية الحاجيات المحلية، بل وتصدير منتجها إلى الخارج. وسخر فرنسيون من حكومتهم وهم يرون مُنتجاً مغربياً يغزو أسواقهم.
واليوم، تغطي الصناعات المحلية السوق المغربية بكثير من المنتجات التي تضاهي في جودتها وأسعارها ما يتم استيراده من فرنسا مثلاً، مما جعل معقلين يتساءلون: ماذا تفعل هذه المنتجات في أسواقنا إذا كان بإمكان السواعد المغربية أن تصنع منها ما يلبي حاجياتنا؟
سواء في المواد الغذائية المعلبة منها والطازجة أو في صناعة النسيج العصرية منها والتقليدية، بل هناك ماركات عالمية يتم صنعها في المغرب لتغزو الأسواق الأوروبية، وذاك دليل على قوة المنتج المحلي الذي في إمكانه تعويض المنتجات الاستهلاكية المستوردة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: