الرميلي وأغلالو وجهان نسائيان يغيران الصورة النمطية بعد حكم الإسلاميين

ماموني

كلتاهما من أصحاب الحنكة، تتجاوز أهداف عملهما أمور البيت إلى مسالك السياسة، هما من بين مغربيات بلغ الأوج بهن البيت والسياسة معاً. وكلتاهما تنتميان إلى نفس الحزب ”التجمع الوطني للأحرار“ الذي سيقود الحكومة المغربية لخمس سنوات القادمة، إحداهما أصبحت عمدة للعاصمة الإدارية الرباط، والأخرى للعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، بعد انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، أسماء أغلالو ونبيلة الرميلي، مغربيتان كافحت كل واحدة منهما بطريقتها وأسلوبها للوصول الى عمودية مدينتين رئيسيتين بالمغرب، في ساحة لعب غير محايدة.

محطة مهمة

الأكيد أن تقدّم هاتين السيدتين إلى عالم التدبير اليومي لشؤون مدينتين مثل الرباط والدار البيضاء، كان بتوجيه القيادة المؤثرة داخل الحزب، ما سيزيد من قوة شخصيتيهما إلى أقصى حد، لتؤسسا شبكة لدعم كل المبادرات التي تخدم المدينة بكل أطيافها وتنويعاتها البشرية، فهناك حاجة ماسة إلى التركيز على الإنسان والإدماج والاستدامة، ما يدعوهما لاحتلال مكانهما اللائق على جميع المستويات التنظيمية.

نبيلة الرميلي ابنة الدار البيضاء، تعرف مداخلها ومخارجها ولها احتكاك يومي بمتطلبات المدينة وجميع فئاتها الاجتماعية، فهي رئيسة للمجلس الجماعي للدار البيضاء، بخلفية علمية ومهنية رفيعة. ومن المتوقع أن تترجم خبرتها في تنزيل برنامج حزبها على أرض الواقع.

ليست بعيدة عن العمل السياسي والجمعوي فوراءها مسيرة طويلة اكتسبتها في المجال السياسي كعضوة في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وكمنسقة إقليمية للحزب، تقلدت منصب نائبة رئيس مجلس جماعة الدار البيضاء. أما أغلالو فتعلمت أبجديات العمل السياسي نظريا عندما كانت صحافية في صحف حزب الاستقلال قبل أن تنتقل من اليمين إلى الوسط برلمانية عن التجمع الوطني للأحرار.

لقد تم تصميم البرنامج الانتخابي للحزب لتحقيق القيمة الكاملة للقيادات النسائية ومساهمتهن في تحقيق عدد من المشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا أكدت كل من الرميلي وأغلالو على استعدادهما لمناصرة التغيير الذي يردن رؤيته الآن وفي المستقبل، ويحث كل المشاركين في المجلس الجماعي للمدينتين على أن يكونوا وكلاء تغيير على المستويات الكلية والمتوسطة والجزئية.

انفتاح المجلس الجماعي لكل من الرباط والدار البيضاء على مجموعة من المكونات مقاربة النوع يبدو جلياً، ذلك أن المرأة ليست ممثلة فقط في عمدة الدار البيضاء والدار البيضاء كمدينة، لكنها ممثلة من خلال كتلة كبيرة في مكتب المجلس. وتؤكد العمدة على الانفتاح على كل التيارات السياسية والاهتمام بمقاربة النوع، وفتح أوراش جديدة انسجاما مع الرؤية الملكية التي تحث دائما على اعتبار مدينة الدار البيضاء ”ميتروبول“ وركيزة اقتصادية على المستوى الوطني، والرباط باعتبارها عاصمة الأنوار. كما تشدد على تحقيق وعود الحزب بتوفير الضمان الاجتماعي لكل العاملين من خلال تعميم التغطية الصحية، وفتح باب الحق في المعاش لكل العاملين بمن فيهم الممارسون حاليا في القطاع غير المهيكل.

من المفروض أن تكون الرميلي على دراية باحتياجات المواطن وما تتطلّبه المرحلة المقبلة من خبرة وجرأة وفعالية في اتخاذ القرار، إذ سبق وشغلت منصب نائبة عمدة الدار البيضاء المكلفة بحفظ الصحة في الولاية السابقة، كما كانت عضوة بمجلس مقاطعة سباتة لولايتين سابقتين.

أما خبرة أغلالو فهي كبيرة وملائمة لمواكبة مستجدات المنصب وتحديات المرحلة المقبلة التي ينتظر فيها المواطن المغربي في الرباط العاصمة الكثير من الإنجاز، خبرة اكتسبتها من خلال الولاية البرلمانية التي مارست خلالها مهامها، عضوة في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية ، ثم منصب سكرتيرة في مكتب مجلس النواب، عضوة في المجلس العالمي للمياه، وفاعلة جمعوية في قضايا المرأة في وضعية هشاشة ونائبة رئيس المهرجان الدولي للفنون والثقافة في الرباط.

فوز مستحق

• الرميلي ابنة الدار البيضاء التي تعرف مداخلها ومخارجها ولها احتكاك يومي بمتطلبات فئاتها الاجتماعية

كلتا المرأتين تبحثان عن كيفية المطالبة بالسلطة والاحترام في نفس الوقت، والتغلب على الحواجز الداخلية، وتغيير النظرة إلى المرأة من خلال مساعدة النساء الأخريات على فعل الشيء نفسه، ولهذا تنضمّ كل من أغلالو والرميلي إلى قصص أخرى من القيادات النسائية المشهود لها بالكفاءة والريادة على المستوى الوطني، واللواتي استطعن التحرر من الأدوار المحددة مسبقًا في عالم الأعمال والحياة والسياسة.

لهذا كله تريد كل من الرميلي وأغلالو وبإلحاح كبير أن تحسبا من قبيلة النساء القويات، فيما يشبه تجاوز مناطق الراحة الخاصة بهن، والتمسك بأنفسهم في بيئة سياسية وحزبية يسيطر عليها الذكور في الغالب، والسيطرة على المواقف التي تمنع العديد من النساء من تحقيق أهدافهن.

تفوقت الرميلي على منافسها الوحيد، عبدالصمد حيكر عن العدالة والتنمية، والنائب الأول للعمدة السابق عبدالعزيز العماري والذي ترشح رغم انعدام حظوظ نجاحه، بعد حصولها على 105 أصوات، فيما حصل منافسها فقط على 18 صوتا، رغم أن هناك من أراد التشكيك بذمتها المالية والمهنية، وهي تنفي أن يكون انتماؤها الحزبي مطية لتحقيق امتيازات في مسارها المهني، وتعتبر أن المروجين لمثل هذه الأخبار حاولوا كسب بعض النقاط الانتخابية من خلال الهجوم عليها، لكن يبدو أنها نجحت فيما فشلوا هم في تحقيق أغراضهم.

من جانبها تجاوزت أغلالو خصمها حسن لشكر نجل الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بحصولها على 58 من أصوات المنتخبين في مجلس الرباط، بعد معركة تكسير العظام التي عرفتها ساحة المنافسة بالرباط في بيئة سياسية وحزبية جد قاسية، حيث  أثار ترشيحها جدلا كبيرا، في ظل تواجد أسماء قوية مؤهلة لمنصب عمدة العاصمة الرباط، على رأسهم عمر البحراوي عن نفس الحزب، واعتراض الكثير من القيادات على توليها هذا المنصب، كونها لا تتوفر على سيرة مهنية مناسبة فهي الصحافية بجريدة ”لوبينيون” التابعة لحزب الاستقلال، والبرلمانية بسيطة التجربة.

في عز المنافسة والصراع مع لشكر وصفت أغلالو حزبه الاتحاد الاشتراكي بأنه انحدر إلى مزبلة التاريخ، لكنها سحبت كلامها مبررة ذلك بأنه كان ردة فعل فقط على ما قام به بعض الأشخاص في الاتحاد الاشتراكي، ولم تخش أغلالو المنافسة في عملية انتخابها عمدة لمدينة الرباط والتي قالت إنها كانت ساخنة هو أمر إيجابي ويخدم النفس الديمقراطي، الذي بدوره يعزز تنمية العاصمة والرفع من مستوى سكانها.

في أول الأمر لم يستسغ البحراوي العمدة السابق لمدينة الرباط اختيار أغلالو عمدة جديدة للعاصمة لهذا أراد قلب الطاولة على حزبهما التجمع الوطني للأحرار الذي كان يمثله، وانضم للمرشح عن الاتحاد الاشتراكي لشكر في مواجهة أغلالو التي قادت تحالفا يضم أحزاب الأصالة والمعاصرة والإستقلال والحركة الشعبية، لكن لم يدم الخلاف مع عمر البحراوي الذي  قرر التخلي عن دعم التحالف الذي يقوده حسن لشكر ودعم لائحة مرشحة حزبه أسماء أغلالو.

عقب فوز أغلالو هاجمت حنان رحاب عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متهمة اياها باستغلال النفوذ الاقتصادي والمالي لحزبها لتميل كفة الفوز لصالحها. بعدما كانت لدى حسن لشكر أغلبية تخلت عنه بالترهيب والترغيب، خرجة حنان رحاب ولم تعرها أغلالو أيّ اعتبار وقالت ”إننا سنتوجه الى العمل فالكثير من الملفات تنتظر“.

واقع مدينتين

• خبرة أغلالو ملائمة لمواكبة تحديات المرحلة المقبلة التي ينتظر فيها المواطنون بالرباط الكثير

ستساعد رؤية كل من الرميلي وأغلالو على تبني أهداف حزبهما، واغتنام الفرص المهمة، والتغلب على أيّ عقبة تعترض طريقهما، فقد شددت كل منهما على أنها لن تتراجع عن تحقيق أهداف البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، لأن المدينتين تستحقان الأفضل، مؤكدتين أنها ستناضلان  كذلك لإنجاح المشروع الملكي.

ستجد العمدة الجديدة للمدينة الاقتصادية ملفات حساسة وغاية في الأهمية في انتظارها والتي ترتبط بالعيش اليومي للمواطن، ومشاريع كبرى مهيكلة متوقفة أو تعتريها بعض العيوب، ناهيك عن التزامات مالية كبيرة ترتبط بتسديد أقساط قروض للبنك الدولي، والتفاعل مع مطالب المواطنين البيضاويين الذين يرون أن مدينتهم أصبح طابعها قرويا، يتوقعون من العمدة الجديدة أن تعيد الطابع المدني للدار البيضاء، بتنظيفها من الأسواق والمنازل العشوائية، و بإرجاع الأشجار إلى شوارعها وساحاتها، وغرس النخيل وخلق مساحات خضراء بأشكال كثيرة بين الأحياء، والحد من الإسمنت، والعمل على تدبير النفايات وتصنيفها انطلاقا من البيت، وخلق وحدات لاستغلال هذه النفايات.

لن تدخر الرميلي جهدا من أجل تحقيق الوعود التي قدمتها لسكان الدار البيضاء الذين يقدرون بـ3 ملايين، ومنها ما جاء في الرسالة المطلبية التي يمكن سحب بعضها على العاصمة الرباط، إلى جانب نظافة الشارع والجو، فهل ستكون هذه المطالب كثيرة ومستحيلة التحقيق؟

تأمل أغلالو بألا تكون فترة عملها على رأس مجلس العاصمة الرباط محفوفة بمخاطر عرقلة العمل والمسارات لهذا ارتأت أن تكون عمدة للجميع أغلبية ومعارضة، وهي تمد يدها إلى الجميع للعمل كمجموعة واحدة لخدمة مصلحة الرباطيين، وهدفها هو تحسين ظروف عيش سكان العاصمة.

أغلالو، التي ولدت ونشأت بالرباط ستقود مجلسها الجماعي الذي اعتبرته تكريما وتكليفا ومسؤولية، وعدت أنها ستلتزم بها أمام مواطني الرباط الذين يستحقون العناية التامة بإدماجهم في التسيير الجماعي وتحقيق الأفضل للمدينة.

وقد دخلت أغلالو خضم المسؤولية الآن، وهي تواجه عجزاً مالياً بحدود 700 مليون درهم، ومديونية تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.، والميزانية لا تتعدى 90 مليون سنتيم، ووحدها أجور الموظفين ونفقاتهم ستتجاوز الميزانية المخصصة للمدينة.

لهذا ترى أغلالو الحاصلة على دكتوراه في الاقتصاد وقانون الأعمال من جامعة بربينيان في فرنسا، ضرورة الرفع من مستوى المداخيل في المدينة، بالإضافة إلى إخراج فائض لتوفير فرص شغل للشباب وخلق شركات للتنمية المحلية التي تهدف إلى ضمان حسن تسيير كل ما جاء في ”برنامج مدينة الأنوار“.

تجربة الرميلي في تدبير قطاع الصحة عندما كانت تشغل منصب المديرة الجهوية للصحة بجهة الدارالبيضاء – سطات منذ 2017 جعلتها تكتسب خبرة أهّلتها لأن تكون وجها لوجه أمام أزمة فايروس كورونا، وما ترتّب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية على كافة فئات المجتمع بالعاصمة الاقتصادية، والتي تعتبر أكثر المناطق تضررا، وهناك من شهد للرميلي بأنها كانت عند مستوى الحدث وأنها تعاملت مع تداعيات الأزمة بحزم.

ورغم حداثة تجربتها السياسية، وعدم مرورها بتجارب سابقة تؤهلها لتدبير مدينة الرباط، إلا أن أغلالو استطاعت المرور من مقصلة المنافسة إلى عمودية العاصمة الرباط وما تحمله من مسؤوليات جسام، مؤكدة أنها بلورت برنامجا لفائدة العاصمة، وهو برنامج يحتاج إلى تنمية الموارد المالية، وتمنت ألا يحصل في هذه المدينة أيّ انكسار على مستوى وتيرة الإنجاز التنموي الذي كان شهدته السنوات الست الماضية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: