امرأة على رأس الحكومة التونسية: رسالة قيس سعيد التي أربكت خصومه

يوسف الفرج

أربك الرئيس التونسي قيس سعيّد الأربعاء خصومه السياسيين من خلال تكليف سيدة غير سياسية وغير معروفة في المشهد السياسي بتشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من شهرين من توليه السلطات وإقالة رئيس الوزراء وتعليق أعمال البرلمان.

وقالت أوساط سياسية تونسية إن خطوة قيس سعيد كانت مفاجئة للجميع خاصة معارضيه الذين كانوا يجهّزون أنفسهم للبحث في سيرة أيّ مكلف برئاسة الحكومة من الأسماء المعروفة وتجهيز قائمة من الاتهامات الهادفة إلى التشكيك في خيارات قيس سعيد والشخصيات التي يمكن أن يستعين بها في المرحلة القادمة.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن تعيين الأستاذة الجامعية والخبيرة لدى البنك الدولي نجلاء بودن سيكسب الرئيس سعيد جمهورا جديدا داعما لخياراته، وهو جمهور النساء الذي كانت تسيطر عليه مخاوف كبيرة بشأن حقوق المرأة ومكاسبها في ظل الحكومات السابقة التي سيطر عليها الإسلاميون.

راضية الجربي: خبر سار يدعم مسار المساواة بين النساء والرجال

وبدا واضحا من خلال ردود الفعل الأولى على هذا التعيين أن المنظمات التي تعنى بشؤون النساء والشخصيات النسائية المستقلة قد عبرت عن دعمها لهذا القرار واعتبرته مكسبا جديدا للمرأة التونسية التي تحقق ريادة عربية جديدة من خلال تكليف سيدة تونسية برئاسة الحكومة.

وقالت راضية الجربي رئيسة الاتحاد التونسي للمرأة إن تعيين امرأة على رأس الحكومة هو خبر سار، ويؤكد التوجه الذي تنتهجه تونس نحو تكريسها للمساواة بين النساء والرجال، ويعكس إيلاء المرأة المكانة التي تستحقها بشكل فعلي عبر تواجدها في مواقع القرار.

وأضافت الجربي أن هذا القرار يأتي استجابة لمطالب التونسيات بتمكينهن من الوصول إلى مواقع القرار، وهو ثمرة جهود المنظمات والنساء بعدم إقصاء النساء من الشأن العام والدفاع عن جميع حقوقهن.

وهذه هي المرة الأولى -في تاريخ البلاد الرائدة في مجال الحقوق والحريّات- التي يتم فيها تعيين امرأة هي نجلاء بودن (63 عاما) على رأس السلطة التنفيذية.

ووفق مراقبين تونسيين فإن قيس سعيد قد ضرب عصفورين بحجر واحد بهذا التعيين، فقد استفز حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي في ضوء عجز الحكومات السابقة عن تقديم مكاسب ذات قيمة للنساء، وارتباك الإسلاميين في التعاطي مع مسألة التناصف. كما تحدى المجموعات الحزبية الليبرالية واليسارية التي باتت تهاجمه في الفترة الماضية مظهرا أنه أكثر حداثة وتقدمية منهم.

وبودن من مواليد محافظة القيروان المهمّشة في وسط البلاد التي يبدي قيس سعيد اهتماما خاصا بها من خلال مشروع مدينة الأغالبة الطبية. ويهدف إنشاؤها إلى تأمین الخدمات الصحية وتقريبھا من سكان ولايات الجنوب والوسط الغربي.

صلاح الدين الجورشي: اعتراف بدور النساء وقدرتهن على الإدارة والنجاح

ويشير المراقبون إلى أن قيس سعيد بتعيينه سيدة من مدن الداخل قد نجح في كسر معادلة التعيينات في المراكز العليا للدولة (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة) التي تعوّد التونسيون أن تكون حكرا على منتسبي العاصمة والسواحل.

وقالت الرئاسة التونسية في بيان “كلّف رئيس الجمهورية قيس سعيّد الأربعاء السيدة نجلاء بودن حرم رمضان بتشكيل حكومة، على أن يتم ذلك في أقرب الآجال”. ولم تظهر بودن في المشهد السياسي سابقا ولا يُعرف أن لها انتماءات حزبية أو اصطفافًا وراء توجهات سياسية معينة.

وأكد قيس سعيّد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة على موقعها في فيسبوك على البعد “التاريخي” لخياره وقال “لأول مرة في تاريخ تونس امرأة تتولى الرئاسة حتى نهاية التدابير الاستثنائية، وسنعمل معا على القضاء على الفساد والفوضى التي عمّت الدولة”. وتابع “هذا شرف لتونس وتكريم للمرأة وهذه مسؤولية تاريخية والمرأة قادرة على القيادة…مثل الرجل”.

وستتولى بودن تشكيل حكومة في “الساعات والأيام القليلة القادمة”، وفقا للرئيس سعيد. وأضاف “سنعمل على مقاومة الفساد ثم الاستجابة لمطالب التونسيين والتونسيات في التعليم والصحة والنقل والحياة الكريمة”.

وكانت بودن مديرة عامة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علوم الجيولوجيا. وستعمل بودن وفقا للتغييرات التي أقرّها قيس سعيّد على السلطة التشريعية والتنفيذية وسيكون نشاطها مراقبا وتحت إشراف الرئيس.

Thumbnail

ويقول المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي إن تعيين بودن “اعتراف بدور النساء في تونس وقدرتهن على الإدارة والنجاح”. ويتابع الجورشي “ليست لها تجارب وإسهامات في المواقع الحسّاسة… لا ندري هل ستكون قادرة على مواجهة هذه الملفات الضخمة والمعقدة؟”.

ومقاومة الفساد من أهم الملفات التي تنتظر بودن؛ فقد اتهم الرئيس سعيّد نوابا في البرلمان المجمّد بالمصادقة على قوانين “مقابل الأموال” كما تم إخضاع العديد من رجال الأعمال والسياسيين للإقامة الجبرية وحظر السفر وذلك في إطار حملة تطهير ضد الفساد.

ومطلع العام 2021 رفض قيس سعيّد تعديلًا وزاريا قام به رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي بسبب شبهات فساد تحوم حول شخصيات تم تكليفها بوزارات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: