يتصاعد منسوب القلق في المغرب من الوضعية اللاإنسانية للسكان داخل مخيمات تندوف مع تستر جبهة البوليساريو الانفصالية على الوضع المأساوي بمختلف مستوياته، ما دفع الرباط إلى توجيه دعوة إلى المجتمع الدولي للتحرك ومعالجة المسألة.
أثار تردي الأوضاع الإنسانية لسكان مخيمات تندوف قلقا مغربيا في الفترة الأخيرة بعد تخلي الجزائر عن مسؤولياتها لصالح جماعة مسلحة انفصالية، ما يمثّل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الإنساني في وقت تتستّر فيه البوليساريو عن الوضع السيء هناك.
وعبّر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة عن “بالغ قلقه إزاء الحالة الإنسانية المأساوية لسكان مخيمات تندوف، حيث تخلى البلد المضيف (الجزائر) عن مسؤولياته لصالح جماعة مسلحة انفصالية في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني”.
ودعا بوريطة ضمن كلمته أمام الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى “التحرك من أجل حمل البلد المضيف على احترام التزاماته التعاهدية، ولاسيما تمكين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من تسجيل وإحصاء عدد السكان استجابة لنداءات مجلس الأمن المتكررة”.
وفي ظل ما تعيشه مخيمات تندوف من ظروف مزرية على كافة المستويات الحقوقية والإنسانية والاجتماعية والتموينية، فضح المقاتل والكادر العسكري البشير مولود محمد الذي شغل منصب الملحق العسكري في الجزائر سابقا خلال مداخلة له في ندوة الأطر المنظمة بإشراف من جبهة البوليساريو، الواقع المزري لمقاتلي الجبهة الانفصالية والوضع المأساوي الذي يعيشونه من النواحي العسكرية.
وإثر غياب زعيم البوليساريو إبراهيم غالي عن الندوة، اتهم مسؤولون داخل الميليشيات العسكرية قيادة البوليساريو بالتخاذل، وحملوها مسؤولية ما يقع داخل ما يسمى “الجيش الصحراوي”، متحدثين عن واقع مأساوي ينذر بحدوث كوارث جارفة لا يمكن بأي حال معالجتها قبل أن تستفحل.
وتحدث البشير مولود محمد في مداخلته التي انتشرت بشكل واسع عن واقع الجيش، قائلا “بصراحة إنه يفتقد للجاهزية، ويعاني من مشاكل بنيوية تؤثر في وجوده”، معددا “نقاط الضعف أمام كل القادة العسكريين، وانعدام الإمكانيات العسكرية وهشاشة المعدات وضعف التكوين”. وقد حاول البعض إسكاته ومنهم من حاول إقناعه بتغيير الموضوع، لكنه أصر على إتمامه، مطالبا بأن يصل حديثه إلى إبراهيم غالي ولمن غاب من القيادة عن اللقاء.
وأكد الخبير الاستراتيجي محمد الطيار أنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة وإتمام المغرب بناء الحزام الأمني، أصبحت جاهزية ميليشيات البوليساريو العسكرية تتلاشى تدريجيا، ومع مرور الوقت امتهن أغلب القادة والمجندين أنشطة الجريمة المنظمة من تهريب وغيره، وانتشر اليأس والفساد وعمت سطوة العصابات على المخيمات.
وأضاف في تصريح لـه أنه “انتشر اختفاء وتهريب قطع السلاح من مقرات البوليساريو ومن مخازن الأسلحة، كما انهارت معنويات المجندين وسكان المخيمات بعد طول الانتظار ومرور أكثر من أربعة عقود دون حل قضية الصحراء مقابل التطور السريع للأقاليم الجنوبية المغربية”.
واقترح البشير مولود محمد الذي يعتبر أحد أهم القيادات العسكرية أن يعيش القادة واقع المقاتلين، وأن ينقسموا إلى مجموعتين ويتفرقوا على النواحي العسكرية، ويظلوا مع المقاتلين لمدة شهر واحد فقط، ويشاركوهم طعامهم، وأن يحاولوا الخروج في دوريات استطلاعية قرب الجدار، قبل أن يستدرك أنهم “يخافون الموت ويحبون كراسيهم، ولا يعرفون عن الأرض إلا ما يسمعونه”.
وحمل مولود محمد القيادة مسؤولية ما يقع من هزيمة، مطالبا أصحابها بأن “تخبرونا ماذا فعلتم في ثلاثين سنة بعد وقف إطلاق النار وتدمير المؤسسات، سوى أنكم كنتم نائمين تجلسون هنا، وسياراتكم مكيفة، ودياركم بتندوف وموريتانيا، وبعيدون كل البعد عن الواقع، وقد جئتم إلى المخيمات حفاة عراة؟”، مضيفا أنه “سيتعرض للتخوين، فطوابع الخيانة جاهزة لمن يقول الحقيقة، لكن لا يهمني سوى أن أقول الحقيقة والواقع دون تزييف”.
وأكد الخبير الاستراتيجي محمد الطيار أنه بعد وقوف الجميع على زيف دعاية البوليساريو وفشلها الذريع في الحرب التي أعلنتها على المغرب بعد تحرير معبر الكركرات، وقفت ميليشيات البوليساريو ومخيمات تندوف عامة على حقيقة واحدة وهي أن البوليساريو وحاضنتها الجزائر لن تستطيعا مجاراة المغرب الذي تقدّم بشكل كبير عسكريا واقتصاديا وأصبح يمتلك ترسانة عسكرية متطورة وجاهزية كبيرة، وأن الدخول في حرب عسكرية معه لم يعد ممكنا بل أصبح مستحيلا.
وقال مراقبون إن قيادة البوليساريو تحاول التعتيم على وضعيتها المسلحة المهترئة بالاستمرار في الانتهاكات التي ترتكبتها ميليشيات داخل مخيمات تندوف، وكذلك بحالات الاختفاء القسري والمعاملة القاسية واللاإنسانية للمعارضين في السجون، مؤكدين أن هذا الواقع يعبر عنه الاضطهاد المتواصل للمدافعين عن حقوق الإنسان واختلاس المساعدات وتجنيد الأطفال وحظر حرية التنقل.
وسلطت منظمات غير حكومية شاركت في ندوة افتراضية نظمت في جنيف على هامش الدورة الثامنة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التي أدارها ديانكو لمين رئيس منظمة “أي.سي.أي” لحقوق الإنسان (تتمتع بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة) الضوء على المعاملة اللاإنسانية والعنف والإهانة والقمع التي يتعرض لها المحتجزون في مخيمات تندوف وعمليات الخطف والتعذيب الجسدي والنفسي التي يرتكبها الانفصاليون في هذه المخيمات.
ودعا المشاركون المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ومحبي السلام إلى التدخل لوضع حد للانتهاكات والممارسات اللاإنسانية الأخرى التي ترتكب في حق السكان الصحراويين المحتجزين في صحراء تندوف بهدف خنق الاحتجاجات والغضب الشعبي في المخيمات بكل الوسائل، مطالبين بالكشف عن مصير المفقودين ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم.
بدورها نددت رئيسة الجمعية الصحراوية لمناهضة الإفلات من العقاب في مخيمات تندوف المعدلة محمد سالم الكوري بحالات الاختفاء القسري والانتهاكات التي ترتكبها ميليشيات البوليساريو المسلحة، كما عبرت عن استنكارها للإفلات من العقاب الذي يستفيد منه الجلادون ومرتكبو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأعمال الخطف في مخيمات الانفصاليين.