أعلنت فرنسا عزمها تشديد إجراءات الهجرة بتخفيضها عدد التأشيرات لمواطني المغرب العربي، في خطوة غير مسبوقة تستجيب فيها لضغوط اليمين المتطرّف مع اقتراب حملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، فيما استنكر المغرب هذا القرار ووصفه بغير المبرر، مؤكدا متابعته عن قرب للأمر مع السلطات الفرنسية.
شددت فرنسا ضغوطها تجاه بلدان المغرب العربي بإعلانها الثلاثاء، تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها، في ما يعد تنازلا لليمين واليمين المتطرّف في مسألة الهجرة قبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، في حين تشهد العلاقات بعض التوتر مع هذه البلدان.
وقال المتحدث باسم الحكومة غابريال أتال لإذاعة “أوروبا 1” إنه سيتم تشديد منح التأشيرات في غضون أسابيع قليلة لمواطني المغرب والجزائر وتونس، التي ترفض إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لعودة المهاجرين المرَحّلين من فرنسا.
وأضاف أتال “إنه قرار صارم، قرار غير مسبوق، لكنه صار ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نرغب بهم ولا يمكننا إبقاؤهم في فرنسا”.
وجاء تصريح أتال ليؤكد ما أوردته الإذاعة التي تحدثت عن التوجه نحو خفض عدد التأشيرات الصادرة لمواطني المغرب والجزائر بنسبة 50 في المئة ولمواطني تونس بنسبة 33 في المئة.
غابريال أتال: اليوم نضع هذا التهديد بشأن الهجرة موضع التنفيذ
وعلى الإثر، اعتبر المغرب قرار فرنسا تشديد شروط منح تأشيرات السفر لمواطنيه “غير مبرر”، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة الثلاثاء.
وقال بوريطة خلال مؤتمر صحافي بالرباط إن المغرب “أخذ علما بهذا القرار الذي نعتبره غير مبرر”. لافتا إلى أن الرباط سوف “تتابع الأمر عن قرب مع السلطات الفرنسية”.
وأكد وزير الخارجية المغربي أن المصالح القنصلية للمملكة في فرنسا “منحت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة فقط ما يقارب 400 تصريح مرور لأشخاص كانوا في وضعية غير قانونية”.
لكن ما يعيق الأمر برأيه هو مسألة على فرنسا أن تحلّها، إذ يفرض المغرب ضرورة الخضوع لاختبار الكشف عن كوفيد “بي.سي.آر” لدخول أراضيه، “وما يجب أن تقوله فرنسا هو أن هؤلاء الأشخاص يرفضون إجراء هذا الاختبار لأنه اختياري هناك وليس إلزاميا”.
وأثارت الخطوة الفرنسية ردود فعل في بعض وسائل الإعلام المغربية، حيث وصفه موقع “كود” الإخباري “بصفعة للمغاربة”، فيما اعتبر موقع “بانورابوست” أن فرنسا “انتهت لاستعمال سلاح التأشيرة بشكل غير موفق”.
وفي الشارع أيضا خلف القرار ردود فعل مستغربة، وقال الطالب الجامعي محمد (28 عاما) لوسائل إعلامية “هذا قرار مفاجئ ووسيلة ضغط على المغرب(…) لكن على فرنسا ألا تنسى أن هناك الكثير من الطلبة والسياح الذين يقصدونها، سيواجهون الآن إشكالا كبيرا”.
بدوره اعتبر الموظف كمال (45 عاما) الإجراءات الفرنسية الجديدة “تضييقا على المغاربة وحرية السفر والتجوال كما هو متوافق عليها دوليا (…) خصوصا أن المغرب وفرنسا تجمعهما علاقات أخوية وصداقة تاريخية”.
ومنحت فرنسا هذا العام 18.579 تأشيرة لدخول أراضيها لمواطنين مغاربة من أصل 24.191 طلبا، وهو رقم أقل بالمقارنة مع العام 2019 حين منحت 346 ألف تأشيرة من أصل 420 ألف طلب.
وتقول الحكومة الفرنسية إنها كانت صبورة بما يكفي منذ المفاوضات الأولى في 2018 حول هذا الموضوع. وفي حين يتهمها اليمين واليمين المتطرّف بعدم ترحيل أعداد كافية من المهاجرين، فإنها تحمِّل الدول الثلاث مسؤولية ذلك. وقال أتال بهذا الصدد “كان هناك حوار، ثم كانت هناك تهديدات. اليوم نضع هذا التهديد موضع التنفيذ”.
وتفيد أرقام لوزارة الداخلية الفرنسية أن الجزائر أصدرت في الفترة ما بين يناير ويوليو 2021 ما مجموعه 31 تصريحا قنصليا مقابل صدور 7731 بلاغا مُلزما بضرورة مغادرة فرنسا. من هؤلاء، تم ترحيل 22 شخصا بما معدله 0.2 في المئة. وتصل نسبة التنفيذ إلى 2.4 في المئة من البلاغات الصادرة بحق مهاجرين مغاربة و4 في المئة بحق التونسيين.
ناصر بوريطة: المملكة منحت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة فقط ما يقارب 400 تصريح مرور لأشخاص كانوا في وضعية غير قانونية
وكان إيمانويل ماكرون وعد في بداية ولايته التي تبلغ خمس سنوات بتنفيذ قرارات الترحيل بنسبة 100 في المئة لجميع البلدان المعنية.
وفي يونيو، طلب من حكومته اتخاذ إجراءات “تنفيذية سريعة للغاية”، على أن تُعطى الأولوية لترحيل الأجانب غير النظاميين الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية أو المدرجين على القوائم الأمنية بسبب التطرف وأولئك الذين ارتكبوا جنحا وجرائم وغيرها من الانتهاكات الخطيرة.
وربما كان من باب المصادفة أن يأتي إعلان خفض التأشيرات في اليوم الذي ستعرض فيه المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة مارين لوبن مسودة مشروع الاستفتاء بشأن الهجرة، لاسيما وأن الحملة التمهيدية جعلت هذا الموضوع في الصدارة في الأشهر الأخيرة.
وما ساهم في تركيز النقاش السياسي حول هذه المسائل بروز الشخصية المثيرة للجدل إريك زمور الذي يثير تكهنات حول ترشيح محتمل له ويعيد طرح موضوع “الاستبدال الكبير” الذي يتحدث من خلاله عن حلول مهاجرين محل الأوروبيين.
وفي معسكر اليمين، رحب زعيم كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ برونو روتايو بهذا الإجراء، مشيرا إلى أنه لم يُتخذ على الأرجح بمعزل عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
وأصبحت الهجرة قضية رئيسية في حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية المقرر إجراؤها في أبريل العام المقبل، حيث تتحدى أحزاب يمينية ويمينية متطرفة سياسات ماكرون المنتمي إلى تيار الوسط، فيما لم يعلن ماكرون بعد ما إذا كان سيخوض الانتخابات على أمل الفوز بفترة ثانية في المنصب أم لا.
وأشارت لوبان الاثنين إلى أنها ستدعو إلى استفتاء بخصوص اقتراح لفرض قيود صارمة على الهجرة إذا تم انتخابها رئيسة للبلاد العام المقبل.
وأوضحت لوبان لقناة فرنسا 2 التلفزيونية أن الاستفتاء سيقترح فرض معايير مشددة لدخول الأراضي الفرنسية وللحصول على الجنسية الفرنسية، إضافة إلى إعطاء المواطنين الفرنسيين أولوية للحصول على مزايا الإسكان الاجتماعي والوظائف والضمان الاجتماعي.
وكانت لوبان قد تأهلت إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2017، لكنها هُزمت أمام ماكرون الذي حصل على أكثر من 66 في المئة من أصوات الناخبين.