تبون يستنجد بأحد صقور الجيش تحت غطاء الحرب على “ماك” و”رشاد”

Belbazi

عيّن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الجنرالَ المتقاعد جبار مهنا على رأس مديرية مكافحة الإرهاب التي أسست حديثا، وهو القرار الذي أثار تساؤلات عن خلفيات القرار ودلالاته، باعتبار أن الرجل محسوب على ما يوصف بـ”الدولة العميقة”، ويُقصد بها جيوب جهاز الاستخبارات السابق، فضلا عن أن خطاب السلطة يردد منذ سنوات مقولة القضاء على الإرهاب.

ويعتبر الجنرال جبار مهنا أحدَ صقور المؤسسة العسكرية قبل هيمنة الرئاسة على مراكز القرار إلى حين تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عنها في 2019، فهو يعد إحدى قطع الحلقة الضيقة لمدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق) الذي أطيح به عام 2015 من طرف عبدالعزيز بوتفليقة.

وكان مهنا -أحد أذرع بوتفليقة القوية- على رأس مديرية أمن الجيش إلى غاية عام 2015، حيث تمت الإطاحة به ومتابعته لدى القضاء العسكري في إطار جولات الصراع آنذاك بين الرئاسة والاستخبارات، ووجهت إليه آنذاك تهم “الثراء غير المشروع، التعسف في استعمال السلطة، وسوء استغلال السلطة”، وهي التهم التي كلفته السجن خمس سنوات نافذة، ولم يُخل سبيله إلا في شهر يوليو 2020.

جبار مهنا، أحد أذرع بوتفليقة، من السجن والتهميش في إطار جولات الصراع بين الرئاسة والاستخبارات إلى الواجهة

وإذا كان القرار يمكن أن يدرج في خانة الاستفادة من خبرة ورصيد الرجل في المجالين الأمني والعسكري الميداني، فإن تأسيس مديرية جديدة لمحاربة الإرهاب أثار تساؤلات المتابعين، لأن السلطة لا تتردد خلال السنوات الأخيرة في ترويج مقولة القضاء على الإرهاب، مما يوحي بأن مقاصد المديرية المذكورة ستكون خارج الإرهاب التقليدي المتمثل في نشاط الجماعات الإسلامية الجهادية.

وذلك بغض النظر عن السياسة الأمنية المطبقة في البلاد تجاه الناشطين المعارضين واحتجاجات الحراك الشعبي، حيث ظهرت بوادرها بمجرد عودة ما يعرف بـ”صقور الجيش” إلى دوائر القرار، وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار ومدير الاستخبارات السابق الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق)؛ إذ تم تشديد القبضة الأمنية وتضييق مجال المعارضة والاحتجاج السياسي بشكل غير مسبوق.

وبالرغم من أن الرجلين في حالة تقاعد فإن تجاوزهما لحقبة السقوط (2019 – 2020) مكنهما من العودة إلى مراكز النفوذ وتوجيه التطورات السياسية في البلاد بشكل أزاح كليّا جناح خصمهما اللدود قائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وأعاد نفوذهما وجيوبهما إلى مفاصل مؤسسات الدولة في ظرف وجيز.

وتعد الاستعانة مجددا بالجنرال جبار مهنا لقيادة مديرية جديدة لمكافحة الإرهاب أحد أوجه استفراد الصقور بدوائر القرار في البلاد، وأن نهاية الإرهاب الإسلامي لا تعني بالنسبة إليهم نهاية الإرهاب كليا في البلاد، في ظل توتر الوضع الأمني في دول الجوار الجنوبي وتصنيف حركتي استقلال القبائل “ماك” و”رشاد” تنظيمين إرهابيين خلال الأشهر الأخيرة، ما يوحي بأن المعركة الجديدة للمديرية المستحدثة ستكون ضد قواعد وجيوب التنظيمين المذكورين.

ولئن تناقلت تقارير محلية الإعلان عن قرار التعيين وإطلاق المديرية الجديدة دون الاستناد إلى قرار رسمي من طرف السلطة فإن مصدرا مطلعا أكد لـ”العرب” أن “القرار اتخذ منذ أسابيع، وقد تمت هيكلة المديرية وتسمية كوادرها البشرية”، مما يؤكد توجه الصقور إلى تثبيت تصورهم في التعاطي مع الوضع الداخلي والإقليمي، خاصة في الحدود الجنوبية.

Thumbnail

ورغم تمسك قيادات “ماك” و”رشاد” الناشطتين في الخارج بأنهما “تنظيمان سياسيان لا يمارسان العنف أو النشاط المسلح “، إلا أن التقارير الأمنية الجزائرية والتحقيقات الجارية بشأن موجة الحرائق التي ضربت منطقة القبائل خلال هذه الصائفة والجريمة البشعة التي راح ضحيتها الناشط المتطوع جمال بن إسماعيل، أفضت إلى “ضلوع عناصر وخلايا من الحركتين المذكورتين في تلك الأعمال”.

وكانت تقارير محلية قد تناقلت ما أسمته بـ”إفادات عناصر من ماك” صرّحت بشروع التنظيم المطالب باستقلال منطقة القبائل في تكوين ميليشيات مسلحة وخلايا محلية وعمليات تسليح لمقاومة ما تسميه بـ”الاستعمار الجزائري”، كما تحدثت عن “تنسيق بين أمراء جماعات إرهابية إسلامية وبين قادة في حركة رشاد”.

وذهبت معلومات متداولة إلى أن عودة الجنرال جبار مهنا سبقتها وستعقبها عودة ضباط آخرين محسوبين على جناح الصقور، على غرار الجنرال المفرج عنه أيضا عبدالقادر آيت أوعرابي (حسان)، وقائد فرقة التدخل العقيد عبدالقادر حداد (ناصر الجن)، الأمر الذي سيضفي أجواء أمنية شبيهة بتلك التي سادت مرحلة العشرية الدموية (1990 – 2000)، والفارق بينهما هو أنه في الأولى كان العدو هو الجماعات الإرهابية الإسلامية، وفي الثانية حركتي “ماك” و”رشاد”، أو توظيف العداء للحركتين في عملية السيطرة على الوضع ومنع أي حراك اجتماعي يمكن أن يشوّه صورة السلطة.

وأدت السياسة الأمنية المستفيدة من إجراءات الغلق -التي اتخذت لمواجهة وباء كورونا- إلى تراجع لافت في الاحتجاجات السياسية للحراك الشعبي المعارض للسلطة، بعدما تم توسيع دائرة قمع النشطاء والتضييق عليهم وتوقيفهم، حيث تحصي لجنة مستقلة للدفاع عن معتقلي الرأي نحو 400 سجين وموقوف من بينهم نساء.

غير أن استحداث المديرية الجديدة لمكافحة الإرهاب يطرح إشكاليات عدة حول دور وصلاحيات مصالح الأمن والدرك خلال المرحلة القادمة في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، خاصة وأنها هي التي تضطلع إلى حد الآن بمهمة اجتثاث خلايا “ماك” و”رشاد” وعناصرهما التي تتهمها السلطات بالتورط في الحرائق وجريمة جمال بن إسماعيل.

وسيطرح هذا الوضع مجددا مسألة الانسجام والتكامل بين المصالح الأمنية والعسكرية، خاصة في ظل الحديث عن امتعاض ضباط سامين من السياسة الأمنية المطبقة تحت يافطة الحرب على “ماك” و”رشاد”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: