وصفت أوساط سياسية تونسية مطلعة الاستقالات التي شهدتها حركة النهضة الإسلامية في الساعات الماضية بأنها بمثابة زلزال قد يقود إلى تدمير الحركة بشكل نهائي وتشظيها إلى مجموعات صغيرة متحاربة كما حصل مع جماعات إسلامية في بلدان أخرى.
ولفتت هذه الأوساط إلى أن توقيت الاستقالات يظهر أن المجموعة المستقيلة، والتي يبلغ عددها 113 قياديا، قد اختارت التوقيت جيدا، وأن الهدف هو جعل راشد الغنوشي يواجه مصيره لوحده في ظل التصعيد الذي يقوده بنفسه ضد الإجراءات الأخيرة للرئيس قيس سعيد.
وقال مصدر مقرب من المستقيلين إن الخطوة تأكيد على القطيعة السياسية والنفسية بين المجموعة والغنوشي، وأن غالبية الأعضاء لم يعودوا يقبلون ببقائه على رأس الحركة، وأنهم يحملونه مسؤولية الأزمات التي تعيشها الحركة منذ سنوات.
وأضاف المصدر، الذي خيّر عدم الكشف عن اسمه، أن الاستقالة في هذا الوقت الحساس هي رسالة مباشرة للغنوشي بأنه “لم تعد لنا بك علاقة ولتتحمل مسؤولية ما فعلت حتى لو تطور الأمر إلى اعتقالك وسجنك، فأنت تدفع ضريبة أخطائك وغرورك واستخفافك بمؤسسات الحركة، ولا مجال لأن نتحمل المسؤولية مكانك مرة أخرى”.
وأعلن 113 من قياديي حركة النهضة ونوّابها وأعضائها السبت استقالتهم الجماعية من الحزب بسبب ما اعتبروه خيارات سياسية “خاطئة” للغنوشي أفضت إلى عزلة الحركة وفشلها.
ودعوا في البيان الذي نشروه على موقع فيسبوك أن تتحمّل “القيادة الحالية لحركة النهضة المسؤولية الكاملة فيما وصلت إليه من عزلة وقدرا هاما من المسؤولية فيما انتهى إليه الوضع العام في البلاد من تردٍ”.
وقالت الأوساط السابقة إن الغنوشي يعيش قطيعة تامة مع المحيطين به لأنه لا يفهمهم ولا يسعى لذلك، وهو لم يستوعب أن هؤلاء القياديين ليسوا أولئك الذين كانوا يتحلقون من حوله قبل 10 سنوات، وأنهم تغيروا وصاروا يفكرون بطريقة مختلفة عنه خصوصا من عمل منهم وزيرا أو نائبا في البرلمان.
عبداللطيف المكي: لكن لم يبق لي خيار غير الاستقالة بعد طول المحاولة
وبدا واضحا أن البيان لم يراع أيّ صلة حزبية مع الغنوشي، وأنه يقطع بشكل نهائي مع أساليب الطاعة الإخوانية التي تحكمت في مواقف نفس القياديين في أزمات سابقة، وأنهم يعاملونه الآن كشخصية سياسية عادية وليس كأمير أو قائد، ولذلك فإن البيان جاء بأسلوب قاس ليقول للغنوشي كيف تبكي على الديمقراطية وأنت مستبد داخليا.
وأشارت الأوساط السابقة إلى أن هذه الاستقالات، والتي قد تتبعها استقالات أخرى، توجه رسالة قوية إلى الداعمين الخارجيين للغنوشي، مفادها أن الرجل قد انتهى، وأن عليهم أن يساعدوا على تنحّيه وتشجيع بديل آخر له خاصة أن الرجل بات في سن متقدمة ويغلب عليه التفكير في مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته والمحيطين به.
ويلاحظ أن قائمة المستقيلين تحمل أسماء بارزة من بينها الوزيران السابقان سمير ديلو وعبداللطيف المكي وثمانية نواب فضلا عن أعضاء في مجلس الشورى وأعضاء من مكاتب المحافظات، وهو ما يجعلها ممثلة لأغلب أعضاء الحركة.
وكتب القيادي البارز عبداللطيف المكي الذي شغل منصب وزير صحة في حكومة إلياس الفخفاخ المقالة في 2020 على صفحته على فيسبوك “أشعر بالحزن العميق لكن لم يبق لي خيار بعد طول المحاولة خاصة في الأشهر الأخيرة، أتحمل مسؤولية قراري الذي اتخذته من أجل بلدي”.
سمير ديلو: ما يحصل في النهضة شأن داخلي وأنا لم أعد معنيا به
وقال سمير ديلو، الذي شغل منصب وزير حقوق الانسان في أول حكومة أعقبت انتخابات 2011 إن “القرار جاء بعد نقاشات طويلة، وإن الحركة أصبحت في عزلة وعاجزة عن التنسيق مع باقي الأحزاب لخلل في الداخل لم نكن طرفا فيه”.
وتابع ديلو “ما يحصل الآن في حركة النهضة شأن داخلي وأنا لم أعد معنيا به”.
وقالت القيادية المستقيلة، أمال عزوز، إن المزيد من القياديين سيعلنون استقالاتهم.
وفي 2020 نشر 100 قيادي في الحزب رسالتين تطالبان بإجراء إصلاحات ديمقراطية داخل الحركة، وعدم ترشيح الغنوشي لولاية جديدة على رأس الحزب.
وشهد الحزب موجة سابقة من الاستقالات شملت الأمين العام السابق زياد العذاري، ورجل التنظيم البارز عبدالحميد الجلاصي، فيما اعتزل الاسم الثاني في الحركة عبدالفتاح مورو العمل السياسي بعد خوضه السباق الرئاسي في 2019، وسبقهم حمادي الجبالي رئيس أول حكومة بعد 2011.
وليس واضحا ما إذا كانت الحركة ستلتزم بتنظيم مؤتمرها الحادي عشر نهاية العام الجاري في ظل الانقسامات الحالية والدعوات لتنحي الغنوشي من منصب الرئاسة والدفع بقيادات الجيل الثاني إلى مراكز القرار.