خلط موقف حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أوراق السلطة في مسعى لاستدراج منطقة القبائل إلى المسار الانتخابي الجديد، بعدما أعلن عن مقاطعته للانتخابات المحلية المقررة في نوفمبر القادم، ليبقي بذلك المجال أمام إمكانية استمرار القطيعة بين المنطقة والسلطة، رغم دخول الحزب الغريم جبهة القوى الاشتراكية للمعترك المذكور.
وفاجأ المجلس الوطني لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) الرأي العام بالإعلان عن مقاطعة الانتخابات المحلية (البلديات والولايات) المرتقبة، ليسقط بذلك كل التوقعات التي ذهبت إلى القول باستحقاق انتخابي دون مقاطعة.
وحصل قرار المقاطعة على موافقة أغلبية أعضاء المجلس الوطني للحزب المحسوب على منطقة القبائل التي تعتبر معقله الأول، الأمر الذي يخلط أوراق السلطة ومساعيها لردم الهوة المتفاقمة بينها وبين الشارع هناك، حيث تسجل أكبر مقاطعة للاستحقاقات الانتخابية منذ رئاسيات العام 2019.
محسن بلعباس: تنظيم انتخابات محلية مسبقة غير قانوني وباطل
وبرر الرجل الأول في الحزب محسن بلعباس الإجماع المسبق حول المقاطعة بالقول “استدعاء رئيس الدولة للهيئة الناخبة من أجل انتخابات محلية مسبقة وسط تفشي وباء كوفيد – 19، وخاصة في ظل التحذير من موجة رابعة في وضع يعتبر فيه معدل التلقيح من الأقل في العالم، يدل على مدى انشغال الحكام الرسميين بصحة السكان، وستسمعون من يقول إن هذه هي المرة الثالثة التي تلعب فيها السلطة بصحة الجزائريين في أقل من عام”.
وأضاف “علاوة على غياب شروط المنافسة الانتخابية الحرة والشفافة، فإن النظام الانتخابي الصادر بمرسوم رئاسي قد أصبح ملغى وباطلاً بموجب المادة 142 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية يعرض النصوص التي أصدرها على غرفتي البرلمان في افتتاح الدورة للمصادقة عليها، والأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان تعد ملغاة، وهذا يعدّ سوء استغلال للوظيفة وانتهاكا صارخا لقاعدة أساسية ينص عليها دستور البلاد، ويهدد بالتالي أساس سلطة الدولة”.
وهو ما يجعل من تنظيم انتخابات محلية مسبقة واستدعاء الهيئة الناخبة قرارين غير قانونيين وباطلين، حسب تقديره.
وفي شرحه لما وصفه بـ”المناخ غير الملائم للانتخابات” ذكر المتحدث بأن “الأزمة السياسية والأمنية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والمالية متعددة الأبعاد التي تمرّ بها البلاد تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وأن العواقب المنجرّة عنها أصبحت أكثر وضوحا من أي وقت مضى وأكثر ضررا وإحباطا للفاعلين الاقتصاديين والعمال والمواطنين بشكل عام”.
وتابع “بعد ندرة الأكسجين في المستشفيات والسيولة في البنوك والمياه في الحنفيات، أصبح خطر الضغط والندرة الخاصة بالمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع نتيجة ارتفاع الأسعار حقيقة تتكبدها للأسف شرائح عريضة من المجتمع وهي المرشحة للتفاقم، على سبيل المثال في الأيام الأخيرة أصبحت أسعار النشويات والخضروات والبيض واللحوم البيضاء والحليب والدقيق والعجائن في غير متناول نسبة كبيرة من الجزائريين، ومع ذلك يبدو أن الحكومة لا تدرك حجم المشكلة، بل تفضل التمادي في تقاعسها والاكتفاء بإطلاق الوعود”.
وعلى عكس الموقف المفاجئ للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فإن أعرق الأحزاب المعارضة في البلاد جبهة القوى الاشتراكية المحسوب هو الآخر على المنطقة، كان قد أعلن عن مشاركته في الانتخابات المذكورة، الأمر الذي أعطى الانطباع حينها على أن الحزب الغريم (الأرسيدي) سيدخل السباق وأن الإعلان عن ذلك مسألة وقت فقط انطلاقا من المنافسة الشديدة بين الحزبين على الاستحواذ على معقلهما الأول، غير أن القرار الأخير خلط الأوراق وترك المجال أمام الاستمرار في القطيعة.
المجلس الوطني لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) فاجأ الرأي العام بالإعلان عن مقاطعة الانتخابات المحلية المرتقبة
وانتقد بلعباس السلطة بشدة في كلمته مما اعتبر تمهيدا لرفض المشاركة، رغم أن المسألة طرحت للتصويت وقد صوت لصالحها حوالي 22 في المئة من الحضور تكريسا للممارسة الديمقراطية داخل الحزب الذي يعتبر منذ العام 2013 أبرز الأحزاب الراديكالية في البلاد.
وذكر بأن “تداعيات كل هذه الأوضاع على حياة المواطنين لا يمكنها إلا أن تزيد من تعقيد الوضع السياسي والاجتماعي المتردي أساسا. وليست الخطابات الرنانة حول السيادة الوطنية والاستقلال السياسي هي التي سوف تغير من مجرى الأمور، فيما يعلم الجميع أن السيادة الوطنية والاستقلال السياسي لأي بلد يقاسان بقدرة الدولة على ضمان أقصى حد من الخدمات والاحتياجات لسكانها في جميع الظروف”.
وأعاب الحزب على الحكومة الافتقار لأجندة مضبوطة أو أرقام محددة للبرنامج الذي قدمته أمام البرلمان، وأنها اكتفت بعرض نسخة باهتة من خطط عمل الحكومات السابقة، فهي لم توضح كيفية الحصول على الأموال، ولا كيف تطمئن المستثمرين المحتملين وتشجعهم على استثمار أموالهم في مناخ موبوء بعدالة تأتمر بالأوامر العليا وبمؤسسات بيروقراطية استشرى فيها الفساد.
ورسم بلعباس صورة قاتمة للوضع السياسي في البلاد لما ذكر بأن “العمل السلمي للمعارضة وحرية التعبير والاختلاف في الرأي باتت محل تشهير وقمع وفي بعض الحالات تجرّم، كما أغلقت كل فضاءات النقاش، وأصبحت شروط الممارسة السياسية منعدمة تماما، ويستمر الزج بالناشطين والسياسيين في السجون (…) إنهم يقبعون في السجون منذ أشهر وبعضهم منذ سنوات، فضلا عن حملة اعتقالات جماعية، لاسيما في مدينتي خرّاطة وآث ورثيلان خلال الأسابيع الأخيرة”.