أعلنت الرئاسة الجزائرية ليل السبت / الأحد وفاة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي توارى عن الأنظار منذ استقالته في العام 2019 إثر الحراك الشعبي الذي رفض ترشحه لولاية رئاسية خامسة ما جعل الجيش يتخلى عن دعم بوتفليقة الذي يُعد أكثر رؤساء الجزائر بقاء في السلطة.
بقي الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي أُعلِنت وفاته قبل منتصف ليل الجمعة/السبت بتوقيت الجزائر، في السلطة عشرين عاماً، ورفض مغادرتها رغم مرضه، إلى أن أسقطه الحراك الشعبي وهي حركة احتجاجية غير مسبوقة عمت البلاد في 2019.
وتوفّي بوتفليقة بينما كان يعيش منذ أكثر من سنتين في الظلّ، في مقرّ إقامته المجهّز طبّياً في زرالدة في غرب الجزائر العاصمة. ولم يظهر إلى العلن، ولم يُعرف شيء عنه منذ ذلك الحين.
وبدأ نشاطه السياسي بعد استقلال الجزائر في العام 1962، وتسلّم العديد من المناصب الوزاريّة والمسؤوليّات في حزب جبهة التحرير الوطني. وكان وزيراً للشباب والرياضة والسياحة في أوّل حكومة للرئيس أحمد بن بلة.
بوتفليقة تسلّم العديد من المناصب الوزاريّة والمسؤوليّات في حزب جبهة التحرير الوطني
وبين 1962 و1979، كان وزيراً للخارجيّة في عهدي بن بلة وبومدين. وأبعد عن السلطة بين 1981 و1987، وأقام في المنفى في دبي وجنيف.
وأصبح رئيساً للجزائر في 1999 بينما كانت الحرب الأهليّة تُمزّق البلاد، بدعم من الجيش. ثمّ أعيد انتخابه بأكثر من 80 في المئة من أصوات الناخبين في 2004 و2009 و2014، لذلك ظنّ نظامه أنّ الولاية الخامسة مضمونة.
تراجع الجيش عن دعمه
بعد أن عمت الاحتجاجات الشعبية في سياق حركة غير مسبوقة مناهضة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة في العام 2019 تخلى الجيش الذي يُعد العمود الفقري للنظام عن الرئيس الراحل وذلك بسبب مرضه الذي أقعده وأبعده عن الحياة العامة.
وكان بوتفليقة، الذي قاوم طيلة السنوات العشرين التي حكم فيها البلاد، العديد من الهزات السياسية ونجح في تخطيها، أصيب قبل ستّ سنوات بجلطة في الدماغ أقعدته عن الحركة ليشاهد بعدها على كرسي متحرّك، وبات شبه عاجز عن الكلام.
وبعد ستّة أسابيع من التظاهرات الحاشدة، طلب رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح الذي كان يُعتبر من الأوفياء لبوتفليقة، منه الاستقالة.
وفي الثاني من أبريل 2019 أعلن بوتفليقة استقالته وسط استمرار الاحتجاجات التي لم تتوقف بعد ذلك.
واشتهرت عبارة بوتفليقة “أنا الجزائر بأكملها”، وكانت تدلّ على تحكّمه الكامل مع عائلته والمقرّبين منه بالبلاد.
كان في سنّ الـ26 أصغر وزير خارجيّة في العالم، ثمّ قائداً كثير الحركة في بلاده والعالم، وخطيباً مؤثّراً لا يظهر للعلن إلا ببزّة أنيقة، وانتهى عجوزاً صامتاً ومنعزلاً في قصره.
كانت الانتخابات مقرّرة في الثامن عشر من أبريل 2019، وقرّر بوتفليقة إرجاءها تحت ضغط الشارع إلى أجل غير محدّد، في انتظار تنفيذ إصلاحات، الأمر الذي اعتبره الجزائريّون تمديداً لولايته الرابعة، فواصلوا التظاهر ضدّه.
واعتبرت التظاهرات الحاشدة التي طالبت برحيله و”إسقاط النظام” غير مسبوقة من حيث حجمها وسقف مطالبها خلال تاريخ الجزائر الحديث.
ولد بوتفليقة في الثاني من مارس 1937 في وجدة بالمغرب في أسرة تتحدّر من مدينة تلمسان في شمال غرب الجزائر. وانضمّ حين كان عمره 19 عاماً إلى جيش التحرير الوطني الذي كان يناضل ضدّ الاستعمار الفرنسي.
لدى استقلال الجزائر عام 1962 كان عمره لا يتجاوز 25 عاماً. وتولّى حينها منصب وزير الرياضة والسياحة قبل أن يتولّى وزارة الخارجيّة حتى 1979.
وفي العام 1965، أيّد انقلاب هواري بومدين الذي كان وزيراً للدفاع حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
وكرّس بوتفليقة نفسه ساعداً أيمن لبومدين الذي توفي عام 1978، لكنّ الجيش أبعده من سباق الخلافة، ثم أبعده تدريجياً من الساحة السياسية بعد اتهامه بالفساد.
بعد فترة من المنفى في دبي وجنيف، عاد الجيش وفرضه رئيساً سنة 1999 بعد انسحاب ستّة منافسين ندّدوا بتزوير الانتخابات.
وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهليّة التي اندلعت في 1992 بين قوّات الأمن والمجموعات الإسلاميّة المسلّحة. وخلّفت تلك الحرب، بحسب حصيلة رسميّة، نحو 200 ألف قتيل.
إنجازات وفساد
منذ وصوله إلى الحكم عمل الرئيس الجديد على إعادة السلم إلى بلاده، فأصدر في سبتمبر 1999 أوّل قانون عفو عن المسلحين الإسلاميين مقابل تسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام الآلاف من الإسلاميين.
وفي 2005، أُجري استفتاء جديدا يعفو عن ممارسات قوات الأمن أثناء الحرب الأهلية.
ويرى مراقبون أن عهد بوتفليقة شهد إنجازات سواء على مستوى البنى التحتية أو مشروع المصالحة أو غيرها من الإنجازات لكنها اتسمت أيضًا بتفشي الفساد.
ويختصر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والذي عمل مع بوتفليقة في فترة السبعينات مرحلة حكم الأخير في جملة واحدة “لا ينكر أحد أن البلاد عرفت في عهده إنجازات في البنى التحتية والمنشآت لكنها بالمقابل عرفت انهيارا كبيرا في الأخلاق والممارسة السياسية” في إشارة إلى انتشار الفساد وتمييع الساحة السياسية.
أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك (1995 – 2007) فيصف بوتفليقة في مذكراته الصادرة العام 2011 بأنه “شخص ظريف وذكي وواقعي أيضا والجزائر نادرا ما عرفت مسيّرا متفتحا ولديه كل هذه الرغبة من أجل خدمة بلاده مثله”.
وأطلق بوتفليقة مع وصوله إلى الحكم أهم مشروعين الأول للمصالحة الوطنية لحل الأزمة الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد خلال التسعينات من خلال قانون العفو المذكور عن الإسلاميين وغيره.
وردّ الرئيس على انتقادات طالت فترة حكمه في تصريحات عام 2012 بالقول “التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم”.
وكانت المعارضة تنتقد بشكل مستمر فترة حكم بوتفليقة وتعتبر أنها “اتسمت بانتشار الفساد والتضييق على الحريات وغموض التوجه الاقتصادي للبلاد”.
أما الموالاة فتصفه بـ”المنقذ” الذي أخرج البلاد من أزمتين أمنية وسياسية مع وصوله إلى الحكم كما حمى البلاد من عاصفة ما يسمى الربيع العربي والتي أطاحت بأنظمة حكم في المنطقة العربية ودمرت العديد من البلدان، كما جعل الجزائر دولة محورية في حل أزمات المنطقة بفضل تجربته الدبلوماسية الطويلة.
وخلال السنوات الأخيرة يقول مراقبون إن بوتفليقة الذي قال مع وصوله إلى الحكم في العام 1999 إنه يرفض أن يكون “ثلاثة أرباع رئيس” بسبب نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم، وتمكن من بسط سلطته الكاملة على مؤسسات الحكم بإبعاد اغلب الجنرالات النافذين في البلاد.
ومنذ العام 2013 قام الرئيس السابق بحملة تغييرات طالت المؤسسة العسكرية ومؤسسة المخابرات واسعة النفوذ بالدرجة الأولى، وانتهت العام 2015 بإبعاد قائدها السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق والذي قضى 25 سنة في المنصب وكان يسمّى “صانع الرؤساء” لنفوذه الكبير خلال السنوات الماضية كما تمّ حلّ هذا السلك الأمني وإلحاق فروعه بالرئاسة.
لكن مساعي بوتفليقة للسيطرة على مؤسسة الجيش منذ وصوله إلى الحكم العام 1999 أظهرت فشلها في نهاية المطاف بعد أن اصطفت القيادة العسكرية في صف الحراك الشعبي المطالب برحيله.